أغلى من الذهبية وأغلى من كل الكؤوس وجائزة الجوائز تذهب لهذه الروح الوطنية التي تجلت في لاعبينا وهي التي قادت للفوز والانتصارات، الآن فقط وضعنا الحصان قبل العربة، اغرس نبتة هذه الروح تحصد الفوز.

لا يختلف اثنان على أن حماساً وطنياً جديداً أزهر في الفرق الرياضية التي فازت، وعلينا أن نقف هنا ونفتح تحقيقاً لنعرف ما هي «الخلطة» التي نجحت في رعاية تلك النبتة الوطنية وحفظها، ومن ثم الاحتفاء بزهرها حين تفتح؟ هل هو ناصر بن حمد؟ هل هي مجموعة عوامل تضافرت له وعرف كيف يوظفها؟ هل اختلفت الأجيال؟ هل الرعاية المبكرة وهنا لا أقصد الرعاية الرياضية إنما الرعاية الوطنية تحديداً هي التي أوجدت تلك الشعلة المتقدة وتلك الثقة بالنفس؟ فالذهبية التي أتحدث عنها هي مركز البحرين في قلوب لاعبينا لا مراكزنا الرياضية.

اسمحوا لي، لا أعرف التغليف أي تغليف الكلمات والمصطلحات، لاعبو فرقنا الرياضية التي فازت هم صورة مصغرة لنسيجنا الاجتماعي، باختلافاته المذهبية (سنة وشيعة) وبتنوعاته العرقية، إنما الحق يقال إننا قليلاً ما نرى انصهاراً بهذه القوة التي رأيناها في فرقنا الرياضية، إيثار وطني بهذه الأريحية المعلنة الصريحة الواضحة، لقد أفرحتم قلوبنا بهذا الحب البحريني، وهذا ما ننشده ونتمناه دوماً من أبنائنا على اختلافاتهم من أجل خلق شعب متجانس منصهر مع بعضه يقف على أرضية وطن مشترك وقاسم مشترك هو علم الدولة، لا نريد أكثر من ذلك، لتمتد جذورنا العرقية أينما تمتد لا يهم، لتتنوع مذاهبنا الدينية وطوائفنا لا يعنينا ذلك، ما يهمنا هو أن تكون البحرين أولاً في قلوبنا وفوق أي أولوية وقاسماً مشتركاً يجمعنا. ما يهمنا أن نستميت في حب هذه الأرض ونضع اسمها وسمعتها هاجساً. صحيح إن هناك تجارب ناجحة في هذا الدمج ودرجة الانصهار في قطاعات مختلفة في الدولة، ولكن الروح الوطنية التي تجلت في فرقنا الرياضية كانت الأبرز والأكثر تأثيراً ولامست قلوبنا.

كيف زرعت؟ وكيف سقيت؟ وكيف تمت حمايتها من رياح المقاومة التي تقف بالمرصاد لأي محاولة للاندماج والانصهار؟ هنا السر، فعلى قدر ما تبذل الدولة من اهتمام لجعل البحرين أولاً والبحرين هاجساً في قلوب الأبناء ونفوسهم تلقى دوماً صداً ومقاومة من بعض الشرائح، حتى يئس الكثيرون وقالوا لا فائدة، نحن نبني وغيرنا يهدم، كيف نجحت إذا هذه النسخة من الرواية؟ كيف صمدت أمام رياح المقاومة وأثمرت هذه الروح الوطنية التي جعلت من علم البحرين جامعاً عند كل اللاعبين بمختلف مذاهبهم وأعراقهم؟ بل كيف نسجت هذه العلاقة الحميمية بين اللاعبين وقياداتهم؟

هذه النسخة من الرواية يجب أن نقف عندها ونبحث في أسبابها ونتعلم منها ونستنسخها في قطاعات أخرى، وإن كنا نملك نسخاً أخرى وغير معلن عنها أو لم تسلط الأضواء عليها فلا بد أن نوجه لها الكشافات ولا تغيب عن ناظرنا، فأنت تستطيع أن تقدم التقارير حول جهدك المبذول من أجل زرع روح وطنية في أبنائنا ولكن الحكم والنتيجة هي أثر هذا الجهد وانعكاسه على مقدار الاندماج ومقدار التضحيات ومقدار الشجاعة والجرأة في مواجهة حواجز الصد والعزل المفروضة على شرائح من أبنائنا صورت لهم الدولة على أنها هي العدو، وهذا ما تجلى من لاعبينا الذين جاهروا بحب البحرين وبتعلقهم بقياداتهم. قياس الأثر هو الذي يدلنا على أن جهدنا كان في محله أم إنه جهد ضائع.