عكفت لأكثر من سبع سنوات مضت على الحديث في مقالات متفرقة عن البحث العلمي وأهميته في نهضة الأمم، وكيف أن الدول الكبرى اليوم والصاعدة، لم تحقق تفوقها إلاَّ من خلال ثورتها العلمية واهتمامها البالغ بالمراكز البحثية وتمويل الدراسات، والعناية الفائقة بصناعة الباحثين وتمكينهم.

من المثير أنه قبل قرابة عشرة أيام خططت مع زميل لي أن نستعيد العلاقات ذات القيمة العلمية الرفيعة، ليس من حملة الشهادات العليا، بل من الشباب أصحاب الإمكانيات التحليلية والتفكير خارج الصندوق ومن المهتمين في القراءة، ليست كمادة دراسية أو لمتابعة المستجدات وحسب، بل كغذاء أساس للعقل ووقود لطاقة العقل في سعيه لفهم الأشياء من حوله والتعاطي معها بوعي وحكمة بالغتين.

ومن خلال مشاركات عدة انخرطت فيها وزميلي هذا وتجمعات مختلفة، تمكنا أخيراً من تحديد الأسماء الأولية التي سنبدأ فيها نقاشاتنا تلك، حيث نخصص لأنفسنا «مكان آمن للفكر»، لا تطاله يد أحد، ولكننا ننعم فيه بواحة غناء من الفكر الحر المحلق في فضاءات الكون وعلومه الواسعة. صحيح أن هذا الجهد غير رسمي، بل أنه حتى غير منظم على نحو مؤسسي، ولكن هنا تكمن ميزته، فيما يمنحه لنا -بصفتنا باحثين في الحياة ومتأملين في الكون وعلومه- من حرية.

غير أن مقال اليوم ليس دعاية لمجموعة من الرفاق حظوا بفرصة لمّ الشمل، وتبادل الأفكار، ولكنه للتأكيد على أهمية غرس قيمة البحث العلمي ومكاسب المعرفة في الأجيال القادمة، وللعمل على نحو جاد في الالتفات لمراكز الأبحاث العلمية وتمويلها، وهي مسألة كنت قد ناقشتها مع صديقة لي قبل أيام، مفادها أننا قد نحظى بمراكز أبحاث، ولكن ما حجم التمويل الذي تحصل عليه ليس لإنجاز الأبحاث النظرية المبنية على دراسات سابقة ومراجع عدة ومن ثم التحليل، ولا من خلال الدراسات التي تقوم على تجميع البيانات على نحو تقليدي، وإنما تمويل الأبحاث التي تقوم على الرحالات الاستكشافية في مجالات شتى وبتوفير كل ما يلزم ذلك.

لا شك أن الأمر يتطلب ميزانيات بالغة، ولعلنا في المنطقة نعاني من أزمات مالية، ولكننا بحاجة لإعادة تحديد أولوياتنا في الميزانيات المقبلة، والعمل الجاد على إيجاد فرص حقيقية لتمكين البحث العلمي في كافة المجالات ذات القيمة، إن لم يكن على حساب الميزانيات الأمنية والدفاعية لكثرة ما أشغلتنا به قوى الشر من حروب، فليكن على حساب بنود أخرى ترفية.

إننا لن ننجو إلاَّ بثلاث «حفظ الأمن، التدريب والاستثمار في الإنسان، البحث العلمي». ولعل دافعي الذي أيقظ فيّ الحماسة للتأكيد على أهمية البحث العلمي اليوم، مقال «هل بقي ثمة فسحة للخيال»، كتبه د. عاصم منصور بصحيفة الغد الأردنية، وهو مقال ثري أدعو لقراءته، إذ اختتمه بالقول «ولا عزاء للأمم التي تجلس على مقاعد المتفرجين وطوابير المستهلكين».

* اختلاج النبض:

إنني إذ أدعو للاهتمام بالبحث العلمي، آمل أن نكون محصنين بقدر ما نتوصل إليه من معرفة عبر أبحاثنا، وفاعلين في عالم غزير الإنتاج، وخيفة أن نظل بين المتفرجين والمستهلكين.