هناك مشكلة حقيقية «إجرائية» يعاني منها كثيرون، وللأسف بعضهم في مواقع مسؤولية، بشأن التعامل مع «الأزمات»، رغم أن هناك فناً متخصصاً يعلم الجميع كيفية «إدارة الأزمة».
هناك مواقف صعبة عديدة قد تمر بها الدول أو الأفراد، تستوجب اتخاذ إجراءات أو تعاملات معينة، والنصيحة دائماً تكون بأنك لن تنجح أبداً في إدارة أزمة أو التعامل معها إن كنت مصاباً بـ«الهلع»، فإدارة أي وضع أو مشكلة تستوجب الهدوء، والتريث، والتقاط الأنفاس، وتقييم الأوضاع كافة، والأهم «عدم التسرع» في اتخاذ أي إجراء.
لذلك هناك قول إنجليزي شهير معني بعملية اتخاذ أي قرار، أو تطبيق أي فكرة، بأنه عليك «أن تنام على الموضوع»، وليس النوم هنا معناه أن «تنام» بطريقة تصل إلى «السبات» الذي معه تطول المدد وتتفاقم الأمور، بل الفكرة بألا تستعجل في القرار، أقله اتركه لديك لتفكر فيه لمدة 24 ساعة.
لكن المشكلة هنا تكمن في عملية «صناعة الهلع»، سواء أكانت بقصد أو دون قصد، وهي مشكلة لو حصلت في مجتمع ما، ستضع الجهات المعنية «تحت ضغط» وجوب سرعة التعامل لإدارة الموضوع، أو إدارة الأزمة التي لا تحتاج لتسرع أو انفعال.
من يصنع الهلع في الشارع؟! هذا سؤال مهم جداً، علينا تحديد إجابته، مع العلم بأن الهلع إن أصاب مجتمعاً، وتركته ينتشر ويكبر فإنك تبدأ الخطوة الأولى في عملية «زعزعة الاستقرار المجتمعي»، وهذه مسألة لها تداعيات جسيمة لو تفاقمت.
خذوا على سبيل المثال مضامين تقارير ديوان الرقابة المالية، وطريقة تقديمها للشارع، بحيث يخيل لك أنك أمام «محيط من الفساد»، وأن الدولة تقف «راضية» بما يحصل، في حين أنك لو تتمعن في المشهد بدقة، ستجد أنك أمام تقرير رصد احترافي لأخطاء إجرائية، أو لعمليات إساءة استخدام السلطة والمنصب، تصل بصاحب المسؤولية لارتكاب أخطاء وأمور لا تفسر إلا على أنها «فساد» ناجم عن سوء الإدارة، وهنا البحث فيما إن كانت بـ«قصد أو لا» تظل مسألة أخرى هامة. ومع التشديد على ضرورة محاسبة المخطئين وعدم تركهم «يفلتون» مما ارتكبوه من أخطاء بحق نظام الدولة أو مالها العام، إلا أن عملية تقديم المعلومات إن تمت بطريقة هدفها فقط «إثارة الناس»، فإنها ستقود إلى «الهلع» ومن ثم انفلات للضوابط والأنظمة، وحتى حرية التعبير ستتحول إلى حرية «شتم وتطاول واتهامات وتعميم».
بعض الجهات الحكومية حدثني مسؤولون منها على خلفية ما أكتبه عن تقارير ديوان الرقابة، وضرورة محاربة الفساد. بعضهم يلومونا نحن كإعلام وصحافة بشأن طريقة النشر، وانتقاء العناوين «الرنانة»، وكيف أن كثيراً من المخالفات التي تنشر، لا تنشر مقابلها إجراءات الجهات وردودها التي تبين الجهود التي بذلت لإنهاء هذه المخالفات ومعالجتها، بما يجحف «الجهود الإصلاحية» للجهات الجادة في تصحيح أوضاعها.
الإعلام والصحافة، ومع سطوة وسائل التواصل الاجتماعي، قد تقع في خانة الاتهام بشأن دورها في «صناعة الهلع»، ورغم أن العرف السائد بشأن العمل الإعلامي يبرز عاملا «الإثارة والتشويق» وما يتحكمان به في عملية «السبق الصحفي»، إلا أن البعض قد ينظر لهذا الدور الإعلامي على أنه دور لا يخدم صورة البلد بل العكس، وأنه بدل إبراز الجهود وعمليات التصحيح، يبرز الأخطاء ويصورها بشكل مبالغ فيه. وهنا تذكروا بأن البعض يقرأ «العناوين المثيرة» فقط ولا يهتم بالمضمون، وأيضاً لا يهتم بمتابعة ردود الجهات المعنية.
البعض يرى أن مضامين التقارير يجب أن تظل سرية، وتكون مقتصرة على ديوان الرقابة والحكومة عبر أجهزتها المعنية، وتكون عملية الإصلاح بين هذه الأطراف دون صناعة موجة غضب في الشارع، وهذا طرح مبني على أساس أن هناك جهات يتم «إجحاف» جهودها عبر إبراز النواقص فيها فقط.
هل نقبل بتقرير لديوان الرقابة يصدر دون أن نعرف مضامينه؟!
لربما هناك حالة واحدة للقبول بذلك، بحيث لا تثار حفيظة الشارع على ما يقرؤه وينشر في وسائل الإعلام، وهي بأن يقرأ الناس -كبديل لمضامين التقرير- أخباراً عن الإجراءات الصارمة التي اتخذت من قبل الحكومة بشأن المخالفين، وأن يعرف الناس القضايا المرفوعة للنيابة، ومن هم الذين أخلوا بالثقة والأمانة عبر إقالتهم ومحاسبتهم.
ستقولون بأنني نسيت النواب بشأن هذا المقترح؟! لا لم أنسهم، لكن تراكم الخبرات بشأن تعاطي النواب مع مضامين التقارير يبين بأننا نسمع دائماً «جعجعة ولا نرى طحيناً»، بالتالي «علو الصوت بالتهديد والصراخ» دون وجود «فعل محاسبي حقيقي» لن يصنف إلا على أنه نوع من أنواع «صناعة الهلع»، يتحمل «الكلمنجيون» مسؤوليته، مثلما يتم تحميل الإعلام جزءاً منه، رغم أن صناعة الإعلام تقوم في أحد أسسها المهمة على «الإثارة». تريدون ألا يهلع الناس، أروهم الإجراءات الجادة والصارمة بشأن كل مخطئ بحق البلد، كل فاسد «حقيقي»، واجعلوا المحاسبة معلنة، حتى نعزز الثقة لدى الناس، وحتى يرتدع كل من تسول له نفسه.
هناك مواقف صعبة عديدة قد تمر بها الدول أو الأفراد، تستوجب اتخاذ إجراءات أو تعاملات معينة، والنصيحة دائماً تكون بأنك لن تنجح أبداً في إدارة أزمة أو التعامل معها إن كنت مصاباً بـ«الهلع»، فإدارة أي وضع أو مشكلة تستوجب الهدوء، والتريث، والتقاط الأنفاس، وتقييم الأوضاع كافة، والأهم «عدم التسرع» في اتخاذ أي إجراء.
لذلك هناك قول إنجليزي شهير معني بعملية اتخاذ أي قرار، أو تطبيق أي فكرة، بأنه عليك «أن تنام على الموضوع»، وليس النوم هنا معناه أن «تنام» بطريقة تصل إلى «السبات» الذي معه تطول المدد وتتفاقم الأمور، بل الفكرة بألا تستعجل في القرار، أقله اتركه لديك لتفكر فيه لمدة 24 ساعة.
لكن المشكلة هنا تكمن في عملية «صناعة الهلع»، سواء أكانت بقصد أو دون قصد، وهي مشكلة لو حصلت في مجتمع ما، ستضع الجهات المعنية «تحت ضغط» وجوب سرعة التعامل لإدارة الموضوع، أو إدارة الأزمة التي لا تحتاج لتسرع أو انفعال.
من يصنع الهلع في الشارع؟! هذا سؤال مهم جداً، علينا تحديد إجابته، مع العلم بأن الهلع إن أصاب مجتمعاً، وتركته ينتشر ويكبر فإنك تبدأ الخطوة الأولى في عملية «زعزعة الاستقرار المجتمعي»، وهذه مسألة لها تداعيات جسيمة لو تفاقمت.
خذوا على سبيل المثال مضامين تقارير ديوان الرقابة المالية، وطريقة تقديمها للشارع، بحيث يخيل لك أنك أمام «محيط من الفساد»، وأن الدولة تقف «راضية» بما يحصل، في حين أنك لو تتمعن في المشهد بدقة، ستجد أنك أمام تقرير رصد احترافي لأخطاء إجرائية، أو لعمليات إساءة استخدام السلطة والمنصب، تصل بصاحب المسؤولية لارتكاب أخطاء وأمور لا تفسر إلا على أنها «فساد» ناجم عن سوء الإدارة، وهنا البحث فيما إن كانت بـ«قصد أو لا» تظل مسألة أخرى هامة. ومع التشديد على ضرورة محاسبة المخطئين وعدم تركهم «يفلتون» مما ارتكبوه من أخطاء بحق نظام الدولة أو مالها العام، إلا أن عملية تقديم المعلومات إن تمت بطريقة هدفها فقط «إثارة الناس»، فإنها ستقود إلى «الهلع» ومن ثم انفلات للضوابط والأنظمة، وحتى حرية التعبير ستتحول إلى حرية «شتم وتطاول واتهامات وتعميم».
بعض الجهات الحكومية حدثني مسؤولون منها على خلفية ما أكتبه عن تقارير ديوان الرقابة، وضرورة محاربة الفساد. بعضهم يلومونا نحن كإعلام وصحافة بشأن طريقة النشر، وانتقاء العناوين «الرنانة»، وكيف أن كثيراً من المخالفات التي تنشر، لا تنشر مقابلها إجراءات الجهات وردودها التي تبين الجهود التي بذلت لإنهاء هذه المخالفات ومعالجتها، بما يجحف «الجهود الإصلاحية» للجهات الجادة في تصحيح أوضاعها.
الإعلام والصحافة، ومع سطوة وسائل التواصل الاجتماعي، قد تقع في خانة الاتهام بشأن دورها في «صناعة الهلع»، ورغم أن العرف السائد بشأن العمل الإعلامي يبرز عاملا «الإثارة والتشويق» وما يتحكمان به في عملية «السبق الصحفي»، إلا أن البعض قد ينظر لهذا الدور الإعلامي على أنه دور لا يخدم صورة البلد بل العكس، وأنه بدل إبراز الجهود وعمليات التصحيح، يبرز الأخطاء ويصورها بشكل مبالغ فيه. وهنا تذكروا بأن البعض يقرأ «العناوين المثيرة» فقط ولا يهتم بالمضمون، وأيضاً لا يهتم بمتابعة ردود الجهات المعنية.
البعض يرى أن مضامين التقارير يجب أن تظل سرية، وتكون مقتصرة على ديوان الرقابة والحكومة عبر أجهزتها المعنية، وتكون عملية الإصلاح بين هذه الأطراف دون صناعة موجة غضب في الشارع، وهذا طرح مبني على أساس أن هناك جهات يتم «إجحاف» جهودها عبر إبراز النواقص فيها فقط.
هل نقبل بتقرير لديوان الرقابة يصدر دون أن نعرف مضامينه؟!
لربما هناك حالة واحدة للقبول بذلك، بحيث لا تثار حفيظة الشارع على ما يقرؤه وينشر في وسائل الإعلام، وهي بأن يقرأ الناس -كبديل لمضامين التقرير- أخباراً عن الإجراءات الصارمة التي اتخذت من قبل الحكومة بشأن المخالفين، وأن يعرف الناس القضايا المرفوعة للنيابة، ومن هم الذين أخلوا بالثقة والأمانة عبر إقالتهم ومحاسبتهم.
ستقولون بأنني نسيت النواب بشأن هذا المقترح؟! لا لم أنسهم، لكن تراكم الخبرات بشأن تعاطي النواب مع مضامين التقارير يبين بأننا نسمع دائماً «جعجعة ولا نرى طحيناً»، بالتالي «علو الصوت بالتهديد والصراخ» دون وجود «فعل محاسبي حقيقي» لن يصنف إلا على أنه نوع من أنواع «صناعة الهلع»، يتحمل «الكلمنجيون» مسؤوليته، مثلما يتم تحميل الإعلام جزءاً منه، رغم أن صناعة الإعلام تقوم في أحد أسسها المهمة على «الإثارة». تريدون ألا يهلع الناس، أروهم الإجراءات الجادة والصارمة بشأن كل مخطئ بحق البلد، كل فاسد «حقيقي»، واجعلوا المحاسبة معلنة، حتى نعزز الثقة لدى الناس، وحتى يرتدع كل من تسول له نفسه.