سماهر سيف اليزل



صار مؤكداً في الأبحاث العلمية أن كثيراً من الأمراض العضوية منشؤها نفسي، ومع ذلك فإن خيار الطب النفسي في علاج بعض الأمراض العضوية لا يزال خياراً مستبعداً في مجتمعاتنا، لأسباب كثيرة تتعلق بالصورة الذهنية الجمعية عن الطب النفسي، ونقص المعرفة في وحدة النفس والجسد.

اليوم ثمة منعطف طبي بأنواع علاجات جديدة، فإضافة إلى الطب النفسي بتنا نسمع مصطلحات كثيرة عن العلاج بـ"هالات الطاقة"، و "الحجارة" و "الإبر الصينية"، و"جلسات العلاج الحوارية الجماعية"، و"تقنية التحرر العاطفي E.F.T"، و"السوجوك أو العلاج بكف اليد"، و"الريفلكسيولوجيا أو العلاج بكف القدم"، و"ريكي جين كاي دو"، و"مسارات الطاقة" و"التأمل" و"موازنة الطاقة بالجسم"، وغيرها. فما مدى تقبل المجتمع لعلاج الأمراض العضوية نفسياً أو بواحدة من وسائل العلاج التي يكثر الحديث عنها في الفترة الأخيرة؟

يقول استشاري الطب النفسي في مركز سلوان للطب النفسي د.عبد اللطيف الحمادة إن "المريض النفسي بصورة عامة يتعامل مع مرضه أو طبيبه أو علاجه متأثراً بمعتقداته السلبية عن المرض النفسي التي تشاركه فيها فئة من مجتمعه. فلا شك أن الوصمة المرتبطة بالمرض النفسي، التي ترجع بشكل عام لتدني الوعي النفسي تركت الباب مفتوحاً لمفاهيم مغلوطة عن المرض ودفعت كثيرين إلى التوجه لغير الطبيب النفسي طلباً للعلاج".

ويضيف د.الحمادة أن "الاضطرابات النفسية تشير إلى طيف واسع من الحالات، وهي تؤثر على الفكر والمشاعر والسلوك لدى المريض، ومن الأمثلة عليها: الاكتئاب واضطرابات القلق والاضطرابات الذهانية كالفصام و اضطرابات الأكل والإدمان والاضطرابات الوجدانية كثنائي القطب واضطرابات الكرب واضطرابات الشخصية وغيرها. وتؤثر الاضطرابات النفسية على جانب أو أكثر من جوانب الحياة كالجانب العائلي والزوجي والعاطفي والدراسي والوظيفي وغيرها. وفي معظم الحالات يمكن علاج الاضطرابات النفسية بالأدوية والجلسات النفسية العلاجية أو كليهما. وليس هنالك سبب محدد معروف لتلك الاضطرابات ولكن هنالك عوامل مؤهلة لها كالعامل الوراثي والبيولوجي والاجتماعي أو البيئي، ومعرفة العوامل المؤهلة قد تساعد في علاج الاضطرابات النفسية".



طرائق العلاج النفسي

وعن عوامل الأمراض النفسية، يقول د.الحمادة "تتجسد العوامل البيولوجية في وجود خلل في الدوائر العصبية في الدماغ التي تنقل الإشارات بواسطة المواد الكيميائية التي تسمى بالنواقل العصبية، كذلك تعمل العدوى البكتيرية أو الفيروسية والتهاب الخلايا الدماغية على حدوث خلل قد يؤدي إلى الإصابة باضطرابات نفسية خاصة عند الأطفال الأكثر عرضة للإصابة بالالتهابات، إضافة إلى تعاطي المخدرات والعيوب الدماغية والإصابات، حيث ترتبط العيوب أو الإصابات في مناطق معينة من الدماغ ببعض الأمراض النفسية. وهنالك الضرر الدماغي قبل الولادة، مثل فقدان الأوكسجين الواصل إلى الدماغ إذ قد يكون عاملًا في تطور بعض الحالات مثل التوحد. أما في العوامل الوراثية فقد تزداد فرصة الإصابة بالاضطرابات النفسية عند الأشخاص الذين لديهم تاريخ عائلي مرتبط بالأمراض النفسية نتيجة لخلل في الجينات، وهذا يؤدي إلى وراثة الاستعداد للإصابة بالمرض وليس بالضرورة أن يصاب الشخص به".

ويشرح د.الحمادة أساليب العلاج النفسي الحديثة "التي تتضمن التحليل النفسي أو التحليل النفسي الديناميكي الموجز، ويعد أحد أهم طرائق العلاج المعروفة، وهو ما يعرف بالعلاج بالكلام، إذ يعتقد المحللون النفسيون أن أحداث الطفولة، والمشاعر، والدوافع اللاواعية تلعب دوراً في تطور الأمراض النفسية والسلوكيات الغريبة، ويستغرق التحليل النفسي وقتاً طويلاً جداً أما التحليل الديناميكي الموجز فهو لا يتجاوز بضعة أشهر، لكنه يمكن أن يقدم بيئة مريحة للمريض ليفصح عن المشاعر التي أدت إلى تغيير حياته.

ويضيف "فيما يركز العلاج المعرفي السلوكي على مشكلات محددة مثل: التفكير غير العقلاني، أو التصورات الخاطئة التي تتسبب في خلل وظيفي، وقد يعمل المعالج النفسي مع المريض لتغيير أنماط التفكير لديه. ويعد هذا النوع من العلاج فعالاً في كثير من الأحيان لمرضى الاكتئاب أو القلق، ومن الأمثلة على العلاج السلوكي: علاج التغلب على الخوف من المرتفعات، وذلك بتشجيع المريض على مواجهة الخوف من المرتفعات بالتدريج، ويبدأ بتخيل الموقف أولاً، ثم يعرض المعالج المريض للموقف بشكل واقعي، حتى يقلل من الخوف أو يختفي كلياً. وقد يجري الجمع بين الأساليب المعرفية والسلوكية عند علاج الاضطراب في كثير من الأحيان، وقد يساعد المعالج في تشكيل أنماط تفكير أكثر دقة إضافة إلى التركيز على سلوكيات محددة كالتجنب الاجتماعي، أما في العلاج النفسي الجمعي فيعمل اثنان من المرضى أو أكثر مع واحد من الأطباء أو المعالجين النفسيين أو أكثر، وتعد هذه الطريقة شائعة لمجموعات الدعم. ويمكن لأعضاء المجموعة التعلم من تجارب الآخرين وتقديم المشورة، وهي أقل تكلفة من العلاج النفسي الفردي".

ويخلص د.الحمادة إلى أن "العلاج الجديد يتضمن نمط الحياة الصحي ويشمل التمسك بالخطة العلاجية الخاصة بالمريض (الدواء مع العلاج النفسي) بكل دقة، وتجنب تعاطي الكحول والمخدرات أو الإفراط بالمنبهات كالقهوة ومشروبات الطاقة، واعتماد الأطعمة التي تحافظ على صحة الذهن كأحماض أوميغا 3 الدهنية، ومزاولة التمارين الرياضية المعتدلة والإكثار من التنفس العميق والبطيء، والنوم الليلي الكافي والمنتظم وتجنب الأشخاص السلبيين وتجنب التورط في مشكلات حياتية متعددة، ولا بد من التأكد من فهم كل مخاطر وفوائد تلك العلاجات".

رحلة علاج



فاطمة عباس مرت بتجربة علاج طويلة تشرحها بالقول "بدأت رحلتي في 2018، إذ فقدت البصر نتيجة التهاب العصب. وتمكنت بعد علاج قصير على مدى شهرين من القضاء على الالتهاب، لكني اضطررت للخضوع للأشعة والتحاليل ودخول المستشفى أياماً كثيرة، وتجربة كثير من التحاليل منها تحليل عينة من النخاع لمعرفة سبب تنميل الجزء الأيسر من جسمي لمدة سنتين، حتى اكتشفوا أنني مصابة بالتهاب في النخاع ولكن تم القضاء عليه أيضاً بنفس العلاج الذي قضى على التهاب البصر، لكن لم تكن هناك حبوب تخفف ما كنت أعانيه من تنميل، وتعب، وخمول، وعدم انتظام لدقات القلب وهذا كان شائع بالنسبة لإصابتي بضعف خفيف في القلب، وعدم انتظام التنفس. ونتيجة علاج خاطئ زادت مشاكلي وأصبت بـ"اكتئاب ما بعد الصدمة" فعولجت بنوع من الحبوب لمدة شهرين ونصف تقريباً حتى ساءت حالتي وبدأ التنميل والشعور بالوخز والألم والحرق بالازدياد، ما أثر في تركيزي بالعمل، وفي حياتي بشكل عام".

وتكمل "كنت أعاني من صعوبة في النوم، وكان العلاج التقليدي يزيد معاناتي التي دخلت بعدها في حالة من العزلة وتوقفت تماماً عن كل الهوايات والأمور التي كنت أمارسها. اتجهت بعدها للطب النفسي وخضعت للعلاج بالتنويم وجلسات الحديث وبعض الحبوب، حتى بدأت أسترجع حياتي شيئا فشيئاً منذ يناير 2019 لكن خسرت وظيفتي والقليل من صديقاتي وفي النهاية كسبت نفسي وشغفي وأحلامي وإيماني من جديد".

وعن هذا النوع من العلاج، تقول فاطمة "لم أكن أحبذ اللجوء لهذا العلاج بسبب ما يلقاه من رفض وعدم تقبل في بلادنا، ويعود ذلك لسوء عرضه في وسائل الإعلام والأفلام التي أظهرته كنوع من أنواع التعذيب، في حين أنه علاج لا يشعر به المريض. وبعد أن نجحت تجربتي بدأت بالتحدث وتوعية الناس حول هذه العلاجات، فكثيرون مصابون بأمراض عضوية بسبب التراكمات النفسية. خيرت بين اثنين من طرائق العلاج أولهما كان التقليدي بالحبوب وجلسات الحديث، والثاني كان جلسات لتنظيم إيقاع المخ عن طريق الصدمات الكهربائية، وهذا ما اخترته، وخضعت بعدها لثماني جلسات وكان عيب العلاج الوحيد هو فقدان الذاكرة المؤقت، لكن في النهاية كانت النتيجة خيالية".

وعن رأيها في العلاجات الجديدة، تقول فاطمة "نحن الآن لا نجد مرضاً ليس له علاج فالطب يتطور والعلاجات في تطور، وكل يوم نسمع عن مرض جديد وعلاج جديد، لكن يجب على المجتمع تقبل كل العلاجات، وعدم تجاهل البعد النفسي للأمراض العضوية".

في حين يقول عبدالله محمد "لا نزال في المجتمع نتحدث عن أدوية وعقاقير، في حين أن العالم قطع أشواطاً في هذا الجانب، فهناك الطب الصيني وطب الأعشاب وطب الألوان والطاقة. وكلها علوم مدروسة ثبتت جدواها، وعلى المرضى مسؤولية البحث والقراءة، فمع الأسف لا يوجد توعية بهذه الأمور، فمثلاً من يهتم بالألوان في مستشفى السلمانية، ولماذا لا يتم توظيف اللون ضمن خطة العلاج".

فيما ترى سارة عبدالعزيز أن علم الطاقة اليوم يكفل إعادة اتزان الإنسان، وضبط الجسم، وبالتالي تحسين أداء الأعضاء، ولكن مع الأسف نواجه تجارة في الصحة، ما يجعل صوت الوقاية غير مسموع مع الأسف".



يوضع في كادر:

علاجات قديمة وحديثة ..

العلاج القديم:



- التداوي بالأعشاب.

- التداوي بالكي.

- التداوي بالحجامة.

- التداوي بالقرآن أوبالرقية



الطب التقليدي

الأقراص



الإبر

العقاقير



علاجات متجددة:

الطب الصيني: تعود أصول هذا الطب إلى آلاف السنين ويعتبر الأكثر استخداماً في الوقت الحالي. يعتمد هذا الطب على مبدأ وجود طاقة في الجسم تسمى "كي" «qi» تتحرك من خلال مسارات مختلفة في الجسم تسمى «Meridians» وبناء على ذلك فإن أي خلل أو فقدان للتوازن في سريان هذه الطاقة تؤدي إلى المرض. ويندرج تحت هذا الطب العلاج بالإبر الصينية، العلاج بالأعشاب الصينية ثم أخيراً المساج، وتقوم جميعها بتعديل مسارات الطاقة في الجسم لإعادته إلى حالة التوازن الطبيعية.



الطب الهندي (الأيورفيدا) : يعتبر الأيورفيدا من أقدم النظم الصحية في العالم، ويشتق اسم هذا الطب من كلمتين هنديتين "أيور" « Ayur » وتعني الحياة و"فيدا" « veda » وتعني معرفة أو علم. وتقوم نظرية هذا الطب على أن الأمراض تبدأ باختلال التوازن أو الضغوط الواقعة على وعي الشخص. ولمعالجة هذا الخلل وتحقيق التوازن تستعمل علاجات مختلفة مثل اليوجا، التأمل، التنفس، الأعشاب الطبية، النصائح الغذائية.

الطب البديل: يعتمد على حث القدرة النفسية والجسدية والروحية لدى المريض، و اللجوء إلى الوسائل الطبيعية الخام لمعالجة المرض (الأعشاب، المعادن، الماء...).



ممارسات تعتمد على المعالجة السلوكية والنفسية: ويشمل هذا العلاج كل ما يؤثر على العقل لإحداث تغيير بالجسم ويضم: التنويم المغناطيسي، اليوغا، المعالجة باللون وعمليات الاسترخاء، وقد ساهمت بعض هذه الوسائل في علاج عدد من الأمراض وبالذات التي لها علاقة بالجانب النفسي.

العلاج بالطاقة الداخلية (الريكي)



التغذية الرجعية أو الإرجاع الحيوي وهو تغذية الجسم من خلال التدريب على قدرة ضبط المعلومات الحيوية التي يمكن استرجاعها من الجسم، أي أنها عملية مراقبة للتنبيه الفسيولوجي للجسم مثل ضربات القلب وضغط الدم والشد العضلي بهدف تحويل هذه الإرشادات الفيزيولوجية إلى معلومات لها معنى، وهذه الطريقة تستخدم غالباً في علاج زيادة ضغط الدم وزيادة ضربات القلب والصداع النصفي وبعض الآلام العضلية.

العلاج الجمعي التعبيري الداعم :تقنية تجعل كل مريض ضمن نطاق الجلسة الجماعية العلاجية يعبر عن متاعبه و انفعالاته. وفي دراسة حول مريضات بالسرطان وجد الباحث أن النساء اللاتي خضعن للعلاج النفسي الجمعي ظهر عليهن التحسن بمعدل الضعف موازنة مع النساء المريضات اللاتي لم يتلقين العلاج النفسي، كما أظهرن وضعية مناعية متحسنة مقارنة بمريضات الضبط التجريبي.



التصور الذهني "التخيل" :يقوم على تخيل جهاز المناعة كقوة فائقة تكون في حالة حرب، مثل أن يقوم المريض بالسرطان بتصور الخلايا سرطانية كمدافع أو راميات صواريخ وهو يصدها، أو يتصور نفسه كسمك قرش يدخل جسمه فيلتهم كل ما يصادفه في طريقه من أورام سرطانية وهذا ما يحفز الشفاء الذاتي، و يقوم المريض بهذا ثلاث مرات يومياً مع الاسترخاء. وتساعد هذه التقنية في الحصول على السلام الداخلي، إضافة إلى تسيير الإجهاد وتطوير الكفاءة الانفعالية، مع المساعدة في تسطير أهداف مستقبلية.