(بوابة العين الإخبارية): توافق خبراء ومحللون سياسيون على أن سلاح حزب الله يمثل "معضلة كبيرة" ويضع لبنان بشكل مستمر في "مأزق سيادي" عبر هيمنة محور إيران الخارجي على قرارات الحكومة.

وتباينت آراء هؤلاء بشأن ربط التسوية السياسية و"مــأزق" تشكيل الحكومة، بإنهاء "عقدة "سلاح الحزب في الوقت الحالي، واقترحوا استراتيجية دفاعية، تستند إلى الجيش اللبناني كقوة أساسية.

ففي حين عدّ البعض أن طرح مسألة سلاح حزب الله بشكل كبير في الوقت الحالي "يزيد الأجواء اشتعالا" مع نزول أحزاب سياسية بشكل مكشوف على الأرض مثل "الكتائب" وحزب "التقدمي الاشتراكي"، رأى آخرون أنها "فرصة ذهبية" في ظل زخم الانتفاضة الحالية.

وتوقع هؤلاء الخبراء في تصريحات خاصة لـ"العين الإخبارية" أن يأخذ النقاش حول سلاح الحزب أبعادا أخرى ومختلفة، لكن بعد وضوح المعادلة السياسية في البلاد، داعين في الوقت ذاته الحكومة الجديدة بعد تشكيلها إلى وضع سياسة دفاعية للبنان يكون عمادها الجيش اللبناني فقط.

ورغم مرور نحو أسبوعين على استقالة سعد الحريري من الحكومة، لا تزال الأزمة اللبنانية "محلك سر" حتى اللحظة، بسبب تعثر التوصل إلى اتفاق بين الفرقاء السياسيين على شكل وطبيعة الحكومة المزمع تشكيلها، في وقت تأخذ فيه الاحتجاجات زخما جديدا كل يوم مع إطالة أمد حل الأزمة.

وقال الخبير الاستراتيجي والعميد المتقاعد ريشار داغر، في حديث خاص من بيروت لـ"العين الإخبارية"، إن "سلاح حزب الله معضلة كبيرة داخليا وإقليميا ودوليا، لكن لا يمكن توقع حل لها بين ليلة وضحاها".

وأوضح أن "المجتمع اللبناني يدرك جيدا أنه في ظل استمرار وجود حزب الله داخل المعادلة السياسية، فإن هناك أزمة ومأزقا سياديا يتمثل في هيمنة محاور خارجية، إيران تحديدا، على قرارات الحكومة".

وإذ يشير إلى أن مسألة حل عقدة "حزب الله" لم تطرح بشكل كبير في ساحات الاحتجاج سوى من بعض الشعارات بينها "ما بدنا جيش في لبنان إلا الجيش اللبناني"، يؤكد داغر أن "الموقف الشعبي من حزب الله وحتى ضمن منطقة نفوذه، هو موقف رافض للسلاح".

وأضاف، "هناك أذى آنٍ ومستقبلي واستراتيجي وموضعي يشكله حزب الله في لبنان على مستوى التدخل وإثارة العداءات في محيط لبنان العربي، والتهديد والوعيد لقوى عربية صديقة للبلاد".

ونوه الخبير العسكري بأن "لبنان يواجه معضلة كبيرة عمرها 3 عقود اسمها حزب الله، ويجب أن يكون هناك حل لها، لكن من الصعوبة في ظل الأوضاع الراهنة ربط التسوية في لبنان بحل عقدة سلاح الحزب".

وتوقع الخبير الاستراتيجي أن يأخذ "النقاش حول سلاح حزب الله أبعادا أخرى ومختلفة، لكن بعد وضوح التصور لحل المشكلة اللبنانية"، مضيفا: "نحن في ذروة الأزمة، وليس هناك تصور واضح حتى الآن لما ستكون عليه المعادلة السياسية في البلاد".

وبعد التوصل إلى تسوية للأزمة الحالية، يشير داغر إلى أن "أحد خيارات حل معضلة سلاح حزب الله يتمثل في تسويات تجري على مستوى دولي بين القوى الدولية الكبرى وإيران، وهي عملية ستكون طويلة ومعقدة وسترتبط بتسوية ملفات كبيرة في المنطقة".

وقال "داغر" إن "حزب الله يزعم أن وراء الانتفاضة قوى خارجية تعمل على إزاحته من المعادلة، تمهيدا لتصعيد الوضع السياسي ضده، وضد سلاحه في المستقبل".

وبدا لافتا خروج مظاهرات في جنوب لبنان، الذي تسيطر عليه مليشيا حزب الله خصوصا في صور والنبطية وغيرهما من المناطق التي توصف دائماً بأنها "الحاضنة الاجتماعية" للحزب.

وفسر "داغر" جوهر الأزمة الحالية في لبنان، قائلا: "حزب الله يرفض قيام حكومة "خبراء"، لا تؤمن له تمثيلا سياسيا، مقابل إصرار من الانتفاضة على عدم وجود حزب الله، أو أي وجه سياسي في الحكومة التي يعول عليها لإنقاذ الوضع في البلاد".

وبخلاف موقف الشارع الذي يتمسك بضرورة تشكيل حكومة "تكنوقراط"، "خبراء"، من غير الحزبيين، يصر الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله على تشكيل حكومة تمثل المكونات السياسية، وهو ما جدد التأكيد عليه بدعوته إلى تشكيل "حكومة سيادية".

ومن جهته، ذهب الدكتور محمد سعيد الرز المحلل السياسي اللبناني، في تصريح خاص لـ"العين الإخبارية"، إلى ضرورة تأجيل ملف سلاح حزب الله لما بعد تشكيل الحكومة، حتى لا تتدخل الانتفاضة في "معارك جانبية" تأخذ من أهدافها وحقوقها ولا تعطيها، وحتى لا تدفع البلاد نحو حرب أهلية متجددة.

وواصل، الرز، "مع تأكيد أن الحكومة الجديدة التي ينبغي أن تكون نزيهة ووطنية ومستقلة عن الطبقة الحاكمة، عليها أن تضع سياسة دفاعية للبنان يكون عمادها الجيش اللبناني بعد دعمه وتعزيزه بالعتاد اللازم".

وفي هذا الصدد، لمح المحل السياسي إلى أن السياسيين داخل الحكومة والبرلمان طرحوا مرارا مسألة تحديد استراتيجية دفاعية للبنان، تستند إلى أن الجيش اللبناني قوة أساسية يتبعها حزب الله دون سيطرة من الأخير على الأرض، لكن هذه السياسة لم ترَ النور؛ لأن الحزب لا يريد التقيد بأي استراتيجية مؤسسية، حيث يريد أن يكون دولة داخل الدولة.

وأشار الرز إلى أن "حزب الله استند لترسانة تسليحية وعدد لا بأس به من المقاتلين، ووظفها في لعب دور سياسي سواء في الانتخابات النيابية، أو التشكيلات الوزارية فأصبح في قلب المعادلة، وجلب معه حلفاءه للمؤسسات الرسمية، ما أدى إلى فرض هيمنته على جنوب لبنان".

واستطرد المحلل السياسي اللبناني، "المقاومة اللبنانية في الجنوب اللبناني للاعتداءات الإسرائيلية لم تبدأ مع حزب الله، لكنها أقدم منه بكثير، حيث بدأت 1950 من خلال عمليات فدائية ضد إسرائيليين بمستعمرة مسكاف عام".

وأشار إلى أنها "توالت تباعا ولم تتوقف؛ لأن إسرائيل واصلت عدوانها على لبنان وعلى جنوبه ومياهه".

وتابع، "بدأ حزب الله، مقاومة إسرائيل في أواسط فترة الثمانينات، حين استخدم سلاحه ضدها وتحقيق معادلة الردع المتوازن حينها كان يجد عمقا شعبيا متضامنا معه للحفاظ على السيادة اللبنانية، لكن هذا السلاح تحول للداخل، حين اجتاح حزب الله بيروت 2008، ومارَس عملية عدوانية طالت العاصمة، وهو ما أدى إلى شك معظم فئات الشعب في أهداف سلاح الحزب".

وبيّن أن "الجميع أيقن أن السلاح لم يستخدمه حزب الله فقط لمواجهة إسرائيل، بل ليمارس دورا سياسيا وتسلطيا في الداخل اللبناني".

وحذر الرز من أنه "في حال تصرف حزب الله كما تصرفت فصائل المقاومة الفلسطينية عام 1981، واستخدم سلاحه في الشارع، مع استمرار موقفه الرافض لمطالب الانتفاضة، فإنه سيكتب ورقة نعيه لا محالة".

وشهدت الانتفاضة خصوصا خلال أيامها الأولى، اعتداء مناصري حزب الله على المتظاهرين اللبنانيين في بيروت، كما أحرقوا خيامهم الموجودة في ساحة الشهداء بالعاصمة.

بدوره، أكد المحلل السياسي اللبناني فادي عاكوم، في حديث لـ"العين الإخبارية" أن "مطالب الشارع تتجه نحو مسألة سلاح حزب الله بخلاف الأيام الأولى للانتفاضة الشعبية".

وأرجع عاكوم ذلك إلى "التسلط السياسي للسلطة الذي عمل على رفع سقف المطالب ضد سلاح الحزب الذي لم يكن مطروحا".

ولفت إلى أن "التأخير في تهدئة الشارع فتح جبهة جديدة ستستمر لفترة طويلة".

وعدّ أن ربط التسوية الحالية بسلاح حزب الله يراه البعض "فرصة ذهبية" لكل الأطراف الرافضة للهيمنة الإيرانية، قد لا تتكرر، حيث ستصبح الأمور كلها في سلة واحدة.

لكنه استدرك، "مسألة السلاح ليست سهلة وتتعلق بسياسات إقليمية ودولية، وطرحها في الوقت الحالي بشكل مباشر قد يؤدي إلى اشتعال الأجواء على الأرض، خصوصا مع دخول بعض الأحزاب مثل الحزب التقدمي الاشتراكي والكتائب الإلكترونية بطريقة مكشوفة على الأرض".

وميدانيا، سجل اللبنانيون في اليوم الـ29 للاحتجاجات التزاما شبه تام بالإضراب العام المصحوب بالعودة إلى استراتيجية قطع الطرقات في بعض المناطق.