أخبروني بأنهم أدخلوه للمستشفى في حالة خطرة، والآن هو على الأجهزة وبالكاد يتكلم، فيه مرض لا يعرفون تشخيصه، ولربما يقضي عليه خلال سويعات.
ركبت سيارتي واتجهت إليه، هو كان صديقاً منذ زمن، وظروف الحياة فرقت مساراتنا، ورغم اختلافي معه في كثير من الأمور، إلا أنني وجدت نفسي أدين له بزيارة، لربما تكون الأخيرة، ففي النهاية هذه هي الحياة، نختلف أو نتفق، لكن فيها لحظة فاصلة تسقط فيها كل الأمور، خاصة حينما يقترب شخص ما من توديعها.
دخلت غرفته، ووجدته وسط أنابيب وأجهزة تسهل تنفسه وتغذي جسمه، وقفت أتأمله، شريط سريع ومض في ذاكرتي بشأنه، كيف كان معتداً بقوة منصبه، كيف كان لا يستمع إلا لرأيه، وكيف كان يقبل بظلم البشر فقط إشباعاً لرغبة سادية للإحساس بالقوة، كيف تحول من شخص كان يتحدث دائماً منظراً عن العدالة والإصلاح والعمل القويم، بينما أفعاله كانت عكس ذلك تماماً.
علاقتنا انتهت منذ زمن، لكن ظلت تصلني أخبار إيغاله في اتجاهه الخاطئ الذي به يظلم الناس ويؤذيهم، يضحك في وجوههم ويسعى لتدميرهم من خلفهم، كنت أستمع لدعوات الناس عليه، وتحسبهم ورغبتهم بأن ينتقم الله لهم منه، وكنت أتأسف بأن يصل أي إنسان لهذا المستوى بحيث لا يأخذ من الناس إلا دعواتهم عليه.
نفضت كل هذه الذكريات من ذهني، وجلست عند رأسه، فتح عينيه فرآني، وقال بلغة متهالكة: «أنت آخر شخص أتوقع بأن يزورني»! سألته بهدوء: «لماذا؟!»، فأجاب: «أنت أيضاً حاولت أن أضرك؟!»، ابتسمت وقلت: «لن يصيبنا إلا ما كتبه الله لنا».
تنهد وسألني: «في رأيك، لماذا أنا هنا أعاني؟! لماذا سقطت هكذا فجأة؟!». أجبته على الفور: «ظلم البشر، يرده الله في الأرض، وله عقابه في الآخرة، فهل ترى نفسك لم تظلم؟!».
حاول الكلام فأوقفته بإشارة من يدي، وقلت: «عن نفسي، فأنا أسامحك، فلم تحاول أن تلحق بي إلا الضرر، لكن الله سبحانه وتعالى كفيل برده، لكن للأسف دعوات المظلومين لا تضيع عند الله، ومما تابعتك فيه وحتى وأنا بعيد عنك، أنك للأسف كنت ضحية للمنصب، كنت صيداً سهلاً للقوة والسطوة، فظننت أن لن يقدر عليك أحد، لكن عدالة السماء أقوى من كل شيء، فللحظة يظن الشخص أنه مسيطر على كل شيء، ولا يكتفي بالمضي في طريقه، بل يعمد لإيذاء الناس، وفجأة ينهار كل شيء، فلا الصحة ترجعها الأموال، ولا طلب الغفران يقبله جميع الناس».
رمقني بعيون اغرورقت بدموع الندم وقال: «هل تسامحني؟!»، أجبته على الفور بـ»نعم»، وقلت له بأنني أفعل هذا لأجل نفسي وليس لأجله، فلست ممن يحب عيش حياته وقلبه فيه بقع سوداء من الضغينة والكراهية، أنا أسامحه وأوكل الله مؤمناً بحكمه وعدالته، لكن يظل الناس الذي تأذوا منه، كيف سيقتص الله منه ليوفي حقهم؟!
ودعته الوداع الأخير وغادرت المستشفى، وأنا أقود سيارتي جاءني نبأ مفارقته الدنيا، مشاعر مختلطة انتابتني، كيف كان منذ عرفته في البدايات، وكيف انتهى، تغيير كبير قد لم يلحظه هو، تغيير للأسوأ، لاحظه الناس، وعزوه لسطوة الكرسي والمنصب والقدرة على التحكم في مصائرهم، وللأسف لم يبقَ لديه من إرث سوى الذكر السيء، رحمه الله وغفر له.
في هذه الحياة، إن لم تقدر على فعل الخير، فلا تمارس الشر في المقابل، إن لم تستطع مساعدة الناس، فلا تؤذهم وتضرهم. كلنا راحلون، يبقى إرثنا الذكر الطيب لدى الناس الذين ساعدناهم وتعاملنا معهم بشكل جيد، ولم نسعَ في إيذائهم.
إن دعتك قدرتك على ظلم الناس، فلا تنس قدرة الله عليك.
ركبت سيارتي واتجهت إليه، هو كان صديقاً منذ زمن، وظروف الحياة فرقت مساراتنا، ورغم اختلافي معه في كثير من الأمور، إلا أنني وجدت نفسي أدين له بزيارة، لربما تكون الأخيرة، ففي النهاية هذه هي الحياة، نختلف أو نتفق، لكن فيها لحظة فاصلة تسقط فيها كل الأمور، خاصة حينما يقترب شخص ما من توديعها.
دخلت غرفته، ووجدته وسط أنابيب وأجهزة تسهل تنفسه وتغذي جسمه، وقفت أتأمله، شريط سريع ومض في ذاكرتي بشأنه، كيف كان معتداً بقوة منصبه، كيف كان لا يستمع إلا لرأيه، وكيف كان يقبل بظلم البشر فقط إشباعاً لرغبة سادية للإحساس بالقوة، كيف تحول من شخص كان يتحدث دائماً منظراً عن العدالة والإصلاح والعمل القويم، بينما أفعاله كانت عكس ذلك تماماً.
علاقتنا انتهت منذ زمن، لكن ظلت تصلني أخبار إيغاله في اتجاهه الخاطئ الذي به يظلم الناس ويؤذيهم، يضحك في وجوههم ويسعى لتدميرهم من خلفهم، كنت أستمع لدعوات الناس عليه، وتحسبهم ورغبتهم بأن ينتقم الله لهم منه، وكنت أتأسف بأن يصل أي إنسان لهذا المستوى بحيث لا يأخذ من الناس إلا دعواتهم عليه.
نفضت كل هذه الذكريات من ذهني، وجلست عند رأسه، فتح عينيه فرآني، وقال بلغة متهالكة: «أنت آخر شخص أتوقع بأن يزورني»! سألته بهدوء: «لماذا؟!»، فأجاب: «أنت أيضاً حاولت أن أضرك؟!»، ابتسمت وقلت: «لن يصيبنا إلا ما كتبه الله لنا».
تنهد وسألني: «في رأيك، لماذا أنا هنا أعاني؟! لماذا سقطت هكذا فجأة؟!». أجبته على الفور: «ظلم البشر، يرده الله في الأرض، وله عقابه في الآخرة، فهل ترى نفسك لم تظلم؟!».
حاول الكلام فأوقفته بإشارة من يدي، وقلت: «عن نفسي، فأنا أسامحك، فلم تحاول أن تلحق بي إلا الضرر، لكن الله سبحانه وتعالى كفيل برده، لكن للأسف دعوات المظلومين لا تضيع عند الله، ومما تابعتك فيه وحتى وأنا بعيد عنك، أنك للأسف كنت ضحية للمنصب، كنت صيداً سهلاً للقوة والسطوة، فظننت أن لن يقدر عليك أحد، لكن عدالة السماء أقوى من كل شيء، فللحظة يظن الشخص أنه مسيطر على كل شيء، ولا يكتفي بالمضي في طريقه، بل يعمد لإيذاء الناس، وفجأة ينهار كل شيء، فلا الصحة ترجعها الأموال، ولا طلب الغفران يقبله جميع الناس».
رمقني بعيون اغرورقت بدموع الندم وقال: «هل تسامحني؟!»، أجبته على الفور بـ»نعم»، وقلت له بأنني أفعل هذا لأجل نفسي وليس لأجله، فلست ممن يحب عيش حياته وقلبه فيه بقع سوداء من الضغينة والكراهية، أنا أسامحه وأوكل الله مؤمناً بحكمه وعدالته، لكن يظل الناس الذي تأذوا منه، كيف سيقتص الله منه ليوفي حقهم؟!
ودعته الوداع الأخير وغادرت المستشفى، وأنا أقود سيارتي جاءني نبأ مفارقته الدنيا، مشاعر مختلطة انتابتني، كيف كان منذ عرفته في البدايات، وكيف انتهى، تغيير كبير قد لم يلحظه هو، تغيير للأسوأ، لاحظه الناس، وعزوه لسطوة الكرسي والمنصب والقدرة على التحكم في مصائرهم، وللأسف لم يبقَ لديه من إرث سوى الذكر السيء، رحمه الله وغفر له.
في هذه الحياة، إن لم تقدر على فعل الخير، فلا تمارس الشر في المقابل، إن لم تستطع مساعدة الناس، فلا تؤذهم وتضرهم. كلنا راحلون، يبقى إرثنا الذكر الطيب لدى الناس الذين ساعدناهم وتعاملنا معهم بشكل جيد، ولم نسعَ في إيذائهم.
إن دعتك قدرتك على ظلم الناس، فلا تنس قدرة الله عليك.