د. عبدالقادر المرزوقي

فـي نسق رواية السيرة الذاتية

عود عـلى بدء، لقد عرضت في العمود الافتتاحي لملحقنا الأدبي في الأسبوع ما قبل الماضي لأدب السيرة الذاتية، أحاول في هذا العرض أن أكثف النظر في هذا النوع من الروايات بالاتكاء على بعض الآراء النقدية في انشغالاتها التحليلية.

إن تصنيف هذا الأدب بالسيرة الذاتية يشي بالحديث عن مكاشفة الذات بشفافية اللغة والمعطى بعيدا عن المتخيل وسياقاته اللغوية، تقول الناقدة يمنى العيد "إن لعبة الـدوال والنظم التي تتبنى بها كتابة أدبية -والسيرة الذاتية أدب- تجعلنا نتساءل عن مدى الاستيهام الذي يلازم عملية الصياغة، بما في ذلك صياغة كاتب السيرة الذاتية لتصوراته الاسترجاعية وحتى لمدوناته اليومية، أو اعترافاته".

نحن إذن أمام مقاربة بل إشكالية مرجعيتها اللغة والصور الحياتية، مما يطرح تساؤلا جوهريا في خضم تفكيك رواية السيرة الذاتية وهو ما مقدرة اللغة بما تحمله من إمكانيات لفظية ودلالات لمواجهة ثقافة المجتمع، وتسيد تلك الثقافة على الذاكرة الجمعية في تعاطيها للأعراف والتقاليد في الكتابة الإبداعية.

إن رواية السيرة الذاتية، رواية ذات خصوصية معينة، يستدعي النهوض بكتابتها إلـى تجرد وجرأة في الطرح، وذلك لأن مبدع ذلك النوع من الأدب يهدف إلى بث رسـلة حقيقية عن واقع عاشه المبدع في محيط مجتمع ينوء بالهموم المسكوت عنها في الجنس والدين وانعكاساتها على العلاقات السياسية والاجتماعية، فقراءة رواية "الخبز الحافي" لمحمد شكري، قد تبدو في القراءة الأولى وما تحمله من صور أنها صـور صارخة وصـادمة للمتلقي، إلا أنها ومن خلال القراءة التفكيكية في سرديتها تبدي بؤس الواقع الاجتماعي السائد في تلك الفترة في ذلك المجتمع وقد يكون ذلك في معظم المجتمعات أيضا ولكن بدرجات مختلفة، وهو ما يعد تابوهـا محرما لا يمكن الاقتراب منه أو تصويره.

وبالرغم مـن أن سردية رواية السيرة الذاتية تتسم بالواقعية والمباشرة، إلا أن النسيج السردي لا يخلو من المتخيل الروائي الذي يتخذه الكاتب قناعا صادقا ذا جرأة في كشف الذات.