حينما نتحدث عن «ثقافة مجتمع»، فإننا لا نتجمل بالكلام، لأن هذه الثقافة هي من تحدد مستوى وعي هذا المجتمع، وعليه فإن بعض التصرفات البسيطة هي التي تجعل العالم يحكم على وعي أفرادك، ومدى تأثرهم بالتقدم المتسارع في هذا العالم.

لا أحد يحب أن يوصف بأنه شخص يعيش في مجتمع «متخلف»، واعذروني على هذه الكلمة، لكنها أصدق وصف حينما ترى ممارسات لا يمكن أن ترتقي لسلوك مجتمع واعٍ، مجتمع يفترض أنه متقدم في علمه وتعليمه وممارساته، بالتالي «تحز» في النفس حينما يكون «الحكم العام» على المجتمع بهذه الطريقة، وتنحسب أنت معه بسبب صيغة التعميم، مع أنك قد تكون ملتزماً أشد الالتزام بالقوانين والأعراف والأخلاقيات.

دعوني أضرب لكم مثلاً بسيطاً جداً، لكن فيه دلالات مزعجة على سوء سلوك مازال يسود في مجتمعنا، عبر تصرفات لابد وأن تزول إن كنا سنزعم أننا شعب متحضر، لديه سلوك راقٍ ومتقدم.

هل تعرفون «المربع الأصفر»؟! نعم، أقصد المربع المرسوم على الأرض، ويعتبر أحد القواعد الأساسية اليوم لأنظمة المرور.

طبعاً تعرفونه، لأنكم ترونه مرسوماً في بقاع عديدة على شوارعنا، وفي بلدنا الصغير يمكن أن يوجد لدينا «رقم قياسي» في عدد المربعات الصفراء، التي قد تفوق عددها في أي عاصمة أوروبية، لكن ليس هذا بيت القصيد، بل «القضية» هي أنك ستجد أننا أكبر نسبة في العالم في «انتهاك» هذا المربع، والاستهتار به، في مقابل احتياج شديد لصرامة أكبر تحول «احترام» هذا المربع إلى «ثقافة مجتمعية» و»سلوك حياتي».

نعم، لا تضحكوا أو تستخفوا بالموضوع، إذ هو ليس إلا مربع أصفر مرسوم في الشارع! لا، المسألة أكبر من هذا، المسألة تكشف لك سلوكيات غير متحضرة، تقود للوصول لنتيجة مفادها بأننا نعاني من «اختلالات» سلوكية و»اضطرابات» في احترام النزعة البشرية السوية.

نعم، المسألة تتعلق بسلوكك كفرد، وتأثير ذلك على المجتمع، فالإنسان السوي هو الذي يحترم كل قانون، يحترم المجتمع، ولا يؤثر عليه سلباً.

بالأمس فقط، وعند الإشارة التي تدخلك على شارع «بوكوارة» تفاجأت بسائق يدخل من المسار الأوسط أمام السيارات في المسار الأيسر رغم أن الإشارة حمراء، وتعداهم جميعاً، ووقف على المربع الأصفر، في مشهد فيه «قلة احترام» للآخرين، ويجعل الملتزم بالقانون يظن في نفسه أنه «الخطأ» وأن هذا المتجاوز على القانون هو «الصح».

بصراحة وددت لو رفعت هاتفي وصورت السيارة ورقمها وأرسلتها لإدارة المرور، لكنني توسمت بأن هناك كاميرات ترصد كل شيء، وأرجو أن يكون ذلك واقعاً حاصلاً، لأن مثل هذه السلوكيات لابد لها من ردع، حتى يستوعب مرتكبها بأنه يقوم بخطأ يؤثر على النظرة العامة لسوكيات مجتمع.

في موقف آخر، ويتكرر كل يوم، الشارع الخارج من المنامة بمحاذاة مجمع «المودا مول» والمتجه إلى شارع الملك فيصل، هناك إشارة مزعجة هنا في منطقة صغيرة لا يصل مداها لعشرة أمتار، بسببها يقف السائقون بسياراتهم فوق المربع الأصفر، وهنا تكون الكارثة حينما يتعطل المسار الرئيس القادم من ضاحية السيف باتجاه المحرق. ووالله في إحدى المرات في اتجاهي للمطار ظننت بأنني لن أصل لطيارتي في الوقت المحدد، لأن السائقين في ذاك الاتجاه يقفون على المربع الأصفر ويسدون المسار بالكامل، لدرجة أنني اتصلت بخط الطوارئ، ومن ثم المرور وطلب أن يرسلوا رجل مرور ليعالج الوضع، ونصحتهم بأن يرسلوه على دراجة نارية، لأن إرساله بسيارة يعني أنه لن يصل على الإطلاق!

هذا مثال بسيط جداً، على استهتار بإحدى قواعد المرور الأساسية، ليس الهدف التذكير بأنه وضع يحتاج معالجة حاسمه، بل الهدف الأسف على سلوكيات أفراد تجعل الزائر والسائح ينظر للشعب البحريني على أنه لا يحترم القانون ومستهتر، رغم أن الغالبية تتعامل بأسلوب حضاري وتحترم القانون.