شهدت العقود القليلة الماضية نمواً واضحاً ومطرداً في استخدام معايير التقارير المالية الدولية (IFRS) الصادرة من قبل مجلس معايير المحاسبة الدولية "IASB" في مختلف دول العالم.
وزخر الأدب المحاسبي بمجموعة من الدراسات التي تناولت أثر مجموعة خصائص الدولة على الاختيار من بين طرق تطبيق معايير التقارير المالية الدولية "IFRS" في مختلف الدول، سواء النامية من الدول أو المتقدمة. وفي دراستها الأخيرة، الصادرة منذ سنوات قليلة.
وبنيت على معلومات 143 دولة من دول العالم، أشار مجلس معايير المحاسبة الدولية (IASB) إلى أن قرابة 93% من تلك الدول تشجع أو تبارك تطبيق معايير التقارير المالية الدولية (IFRS) بطريقة أو بأخرى. ومن ناحية أخرى، تبدي الدول النامية بشكل عام، ودول منطقتنا العربية ومنها مملكة البحرين بشكل خاص، اهتماماً كبيراً بتشجيع الاستثمارات المحلية والأجنبية، وتهتم كذلك بتحفيز الشركات الكبرى، وبخاصة متعددة الجنسيات، على الدخول في أسواق تلك الدول.
وعلى الرغم من أن عدد الدول النامية التي تتبنى تطبيق معايير التقارير المالية الدولية (IFRS) في تزايد مستمر، إلا أن مستوى التطبيق وأسلوبه يختلف اختلافاً كبيراً بين تلك الدول، وبشكل محدد يمكن لدولة ما أن تختار طريقة ما من بين مجموعة طرق لتطبيق تلك المعايير تتناسب مع ظروفها الخاصة.
فعلى سبيل المثال تقبل بعض الدول (مثل مملكة البحرين وباقي دول مجلس التعاون ومصر وكندا) بالتطبيق الكامل لمعايير التقارير المالية الدولية (IFRS) من قبل الشركات المسجلة في أسواقها المالية، بينما تقوم دول أخرى بعمل نوع من التوفيق بين المعايير الدولية ومعاييرها المحلية مثل "تونس".
ونجد دولاً أخرى مثل "المملكة المغربية وتركيا"، تسمح ولا تمانع من أن تستخدم معايير التقارير المالية الدولية (IFRS) من قبل الشركات المسجلة في أسواقها المالية، وأخيراً فإنا نجد دولاً أخرى تتطلب بشكل إلزامي تطبيق معايير التقارير المالية الدولية (IFRS) فقط لبعض القطاعات من الشركات المسجلة (مثلما تم تطبيقه منذ سنوات قليلة في المملكة العربية السعودية حيث طلب ذلك من شركات القطاع المالي كمرحلة أولى، تبعها لاحقاً تطبيق تلك المعايير على باقي الشركات المسجلة في سوق المال السعودي).
وفي ضوء تلك الاختلافات في طريقة تطبيق معايير التقارير المالية الدولية (IFRS) فيما بين الدول النامية، يثار تساؤل عن مدى تأثير خصائص الدولة (مثل معدل النمو الاقتصادي للدولة، وحجم الدولة، ومستوى التعليم بالدولة، ومدى وجود سوق مالية بالدولة، ودرجة الانفتاح على العالم الخارجي، والنظام القانوني السائد في الدولة، وأخيراً العامل الثقافي بالدولة) في المفاضلة بين طرق أو وسائل تطبيق تلك المعايير؟ وبكلمات أخرى، هل يوجد ارتباط معنوي فيما بين خصائص الدولة من ناحية، والاختيار من بين طرق تطبيق معايير التقارير المالية الدولية (IFRS)؟ وقد قام كاتب المقال بدراسة علمية هدفت إلى الإجابة عن التساؤل السابق. وباستخدام تحليل الانحدار الخطي والذي وظف لتحليل بيانات مستقاه من أكثر من 125 دولة، توصل الكاتب إلى عدة نتائج هامة أهمها: أن قرابة 50% من إجمالي الدول تطبق معايير التقارير المالية الدولية (IFRS) كما هي مصدرة من لجنة معايير المحاسبة الدولية.
وأن الدول ذوات المستوى التعليمي المرتفع ربما تجد التحول نحو تطبيق معايير التقارير المالية الدولية (IFRS) ذا كلفة أعلى على الدولة من تلك التي قد تتحملها الدول ذات المستوى التعليمي الأقل، وهو ما يدعم فكرة أن الدول النامية ينبغي أن تكون أشد حرصاً على تطبيق معايير التقارير المالية الدولية (IFRS) من الدول المتقدمة التي تتمتع بمعدلات تعليم أعلى لسهولة التطبيق وضعف كلفته. وكذلك عامل ثقافة الدولة يرتبط معنوياً باختيار طريقة تطبيق تلك المعايير، وهذا ما يدعم فكرة أن تطبيق معايير التقارير المالية الدولية (IFRS) يتأثر أيضاً بالعوامل الثقافية بالدولة، وأن الدول التي تصنف ضمن مجموعة Anglo-Saxon تميل لتطبيق معايير التقارير المالية الدولية (IFRS) أكثر من غيرها ممن هم خارج تلك المجموعة الثقافية. وأخيراً فإنه في ضوء ما تحظى به المعايير الدولية للتقارير المالية على كافة المستويات.
فلا بد من إعداد دراسات إضافية لتتناول العوامل الأخرى التي قد ترتبط بتطبيق تلك المعايير مثل نظم الضرائب المطبقة، انضمام الدولة إلى بعض التحالفات التجارية أو الاقتصادية، ومعدل التضخم في الدولة.
د. عبدالمحسن محمد دسوقي
أستاذ مشارك بقسم المحاسبة المحاسبة - جامعة البحرين
وزخر الأدب المحاسبي بمجموعة من الدراسات التي تناولت أثر مجموعة خصائص الدولة على الاختيار من بين طرق تطبيق معايير التقارير المالية الدولية "IFRS" في مختلف الدول، سواء النامية من الدول أو المتقدمة. وفي دراستها الأخيرة، الصادرة منذ سنوات قليلة.
وبنيت على معلومات 143 دولة من دول العالم، أشار مجلس معايير المحاسبة الدولية (IASB) إلى أن قرابة 93% من تلك الدول تشجع أو تبارك تطبيق معايير التقارير المالية الدولية (IFRS) بطريقة أو بأخرى. ومن ناحية أخرى، تبدي الدول النامية بشكل عام، ودول منطقتنا العربية ومنها مملكة البحرين بشكل خاص، اهتماماً كبيراً بتشجيع الاستثمارات المحلية والأجنبية، وتهتم كذلك بتحفيز الشركات الكبرى، وبخاصة متعددة الجنسيات، على الدخول في أسواق تلك الدول.
وعلى الرغم من أن عدد الدول النامية التي تتبنى تطبيق معايير التقارير المالية الدولية (IFRS) في تزايد مستمر، إلا أن مستوى التطبيق وأسلوبه يختلف اختلافاً كبيراً بين تلك الدول، وبشكل محدد يمكن لدولة ما أن تختار طريقة ما من بين مجموعة طرق لتطبيق تلك المعايير تتناسب مع ظروفها الخاصة.
فعلى سبيل المثال تقبل بعض الدول (مثل مملكة البحرين وباقي دول مجلس التعاون ومصر وكندا) بالتطبيق الكامل لمعايير التقارير المالية الدولية (IFRS) من قبل الشركات المسجلة في أسواقها المالية، بينما تقوم دول أخرى بعمل نوع من التوفيق بين المعايير الدولية ومعاييرها المحلية مثل "تونس".
ونجد دولاً أخرى مثل "المملكة المغربية وتركيا"، تسمح ولا تمانع من أن تستخدم معايير التقارير المالية الدولية (IFRS) من قبل الشركات المسجلة في أسواقها المالية، وأخيراً فإنا نجد دولاً أخرى تتطلب بشكل إلزامي تطبيق معايير التقارير المالية الدولية (IFRS) فقط لبعض القطاعات من الشركات المسجلة (مثلما تم تطبيقه منذ سنوات قليلة في المملكة العربية السعودية حيث طلب ذلك من شركات القطاع المالي كمرحلة أولى، تبعها لاحقاً تطبيق تلك المعايير على باقي الشركات المسجلة في سوق المال السعودي).
وفي ضوء تلك الاختلافات في طريقة تطبيق معايير التقارير المالية الدولية (IFRS) فيما بين الدول النامية، يثار تساؤل عن مدى تأثير خصائص الدولة (مثل معدل النمو الاقتصادي للدولة، وحجم الدولة، ومستوى التعليم بالدولة، ومدى وجود سوق مالية بالدولة، ودرجة الانفتاح على العالم الخارجي، والنظام القانوني السائد في الدولة، وأخيراً العامل الثقافي بالدولة) في المفاضلة بين طرق أو وسائل تطبيق تلك المعايير؟ وبكلمات أخرى، هل يوجد ارتباط معنوي فيما بين خصائص الدولة من ناحية، والاختيار من بين طرق تطبيق معايير التقارير المالية الدولية (IFRS)؟ وقد قام كاتب المقال بدراسة علمية هدفت إلى الإجابة عن التساؤل السابق. وباستخدام تحليل الانحدار الخطي والذي وظف لتحليل بيانات مستقاه من أكثر من 125 دولة، توصل الكاتب إلى عدة نتائج هامة أهمها: أن قرابة 50% من إجمالي الدول تطبق معايير التقارير المالية الدولية (IFRS) كما هي مصدرة من لجنة معايير المحاسبة الدولية.
وأن الدول ذوات المستوى التعليمي المرتفع ربما تجد التحول نحو تطبيق معايير التقارير المالية الدولية (IFRS) ذا كلفة أعلى على الدولة من تلك التي قد تتحملها الدول ذات المستوى التعليمي الأقل، وهو ما يدعم فكرة أن الدول النامية ينبغي أن تكون أشد حرصاً على تطبيق معايير التقارير المالية الدولية (IFRS) من الدول المتقدمة التي تتمتع بمعدلات تعليم أعلى لسهولة التطبيق وضعف كلفته. وكذلك عامل ثقافة الدولة يرتبط معنوياً باختيار طريقة تطبيق تلك المعايير، وهذا ما يدعم فكرة أن تطبيق معايير التقارير المالية الدولية (IFRS) يتأثر أيضاً بالعوامل الثقافية بالدولة، وأن الدول التي تصنف ضمن مجموعة Anglo-Saxon تميل لتطبيق معايير التقارير المالية الدولية (IFRS) أكثر من غيرها ممن هم خارج تلك المجموعة الثقافية. وأخيراً فإنه في ضوء ما تحظى به المعايير الدولية للتقارير المالية على كافة المستويات.
فلا بد من إعداد دراسات إضافية لتتناول العوامل الأخرى التي قد ترتبط بتطبيق تلك المعايير مثل نظم الضرائب المطبقة، انضمام الدولة إلى بعض التحالفات التجارية أو الاقتصادية، ومعدل التضخم في الدولة.
د. عبدالمحسن محمد دسوقي
أستاذ مشارك بقسم المحاسبة المحاسبة - جامعة البحرين