سيسجل التاريخ أن عام 2019، هو عام السقوط والوداع لليسار من الطيف السياسي. فقد تلقى أحد أعمدة اليسار القديمة صفعة مؤلمة قضت على بصيص الأمل الذي كان متبقيا لليساريين للنهوض من الخيبات المتتالية. نعم، اليسار وبأشكاله وأسمائه المتعددة يغادر ساحة السياسة، ولن يعود اليها -ليس في المستقبل القريب بلا شك- فالعالم اليوم اما وسطي أو مائلا نحو اليمين «حبتين».
الهزيمة المهينة التي تلقاها حزب العمال، بقيادة اليساري الإشتراكي شبه الراديكالي جيرمي كوربن في انتخابات بريطانيا مؤخرا، والتي لم يشهدها حزب العمال منذ عام 1935، هي بمثابة الكارت الأحمر لمروجي ايديولوجيات التطرف والخيال والإبتعاد عن الواقع. وهي اعلان رفض للليونة والميوعة السياسية لقضايا الدين والأخلاق والمجتمع ولو بدرجة أقل حتى الآن. «أما الهزيمة المخجلة التي تلقاها حزب الليبراليون الديمقراطيون، اليساريون كذلك، والتي تمثلت بخسارة رئيسة الحزب جو سونسون مقعدها في البرلمان فهو أمر لا يحتاج الى تعليق!».
وقد جاءت الهزيمة لتؤكد توقعات سابقة ذكرتها في مقال «وتحقق لبوريس جونسون ما يريد»، والذي تنبأت فيه بفوز كاسح للمحافظين على حزب العمال اليساري. ولم تكن توقعات - أي كلام - بل جاءت نتيجة متابعة حثيثة للداخل البريطاني وما تقدمه للمتابع بعض وسائل الإعلام التي لا تطغى عليها الأجندة اليسارية/الليبرالية التي تحور الحقائق.
ولا أستبعد إطلاقا، مع السنوات القليلة القادمة أن تثبت الكثير من نظريات اليسار الراديكالية - التي مازال لها حضور خطير في فكر وإطروحات منظمات عالمية تشكل ضغوطا على دول كثيرة - فشلها سواء كانت إقتصادية أو إجتماعية لأنها أما مبينة على فلسفة غريبة عجيبة فارغة أو لأنها خالفت وبكل عناد وتكبر وغطرسة معتقدات الناس وأديانهم.
فالعالم وبعد تجربة العولمة - التي بات من الواضح فشلها - وبعد الإنفتاح غير المنضبط سواء على الصعيدين الإقتصادي أو الإجتماعي أصبح يراجع نفسه ويعيد حساباته. والشعوب في البلدان الغربية الغنية التي روج فيها السياسيون للعولمة، وجدت نفسها الخاسر الأكبر بعد السير في تبنيها.
المفارقة، أن اليسار الذي عرف عنه مناصرة الفقراء والبسطاء لم يكن مع العولمة في البدايات، فهي فكرة أصحاب رؤوس الأموال والأثرياء، ولم يكن كذلك مع فتح الحدود وإغراق البلدان بالمهاجرين الذين على ما يبدو ابتلعوا الأخضر واليابس في اوروبا وأمريكا لأنه كان مع حقوق الطبقة الكادحة التي في الغالب لا تملك سوى وظيفة متواضعة الدخل بالكاد تسد احتياجاتها. لكن اليسار مع مرور الوقت تحول الى العكس تماما وأصبح نصير العولمة والمهاجرين وكل ما يخالف الأسس الذي نشأ عليها بل واصبح بقدرة قادر خيار الكثير من المترفين الباحثين عن نشوة التمرد وكسر السائد بدون وعي حقيقي للتبعات وهذا ما أفقد اليسار في كل مكان تقريبا الشعبية والجماهير. كما يعاب على اليسار من خلال نظرياته التحررية المنفلتة سعيه الدؤوب لنزع القدسية عن كل شيء ورفضه للأديان والإستهزاء بها وطعنه في العادات والتقاليد ودعمه للأقليات بسبب ومن غير سبب بشكل منفر مما أجبر السواد الأعظم من مناصريه على تركه والبحث عن بدائل تمثلهم بشكل أفضل. هذا بالإضافة الى فشل نظرياته الإقتصادية الإشتراكية على المدى البعيد والتي تعتمد على مبدأ «إصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب»!
وبالنسبة لنا كدول وشعوب نستورد كل شيء، حتى الأيديولوجيات، فإن سقوط اليسار وشعاراته وأفكاره يعني ضرورة مراجعة ما يأتينا من الخارج سواء عن طريق المنظمات «حقوقية أو نسوية أو إقتصادية أو اجتماعية»، أو الإعلام. فعلينا أن نفرق بين المصادر، وندقق فيها. فإن كان غربيا يساريا أقترح أن نكون حذرين جدا في التعاطي معه وإن كان غربيا وسطيا أو حتى مائلا «شوي»، نحو اليمين فلا بأس من النظر فيه مبدئيا، فهذا الخط والنهج هو الأقرب لنا ولتركيبتنا ولمفاهيمنا وهو الأنجح بلا منازع حاليا على مستوى العالم.
أحيانا، أشعر أننا محظوظون في حالة الإستيراد المستمرة هذه -على خلاف ما يعتقد البعض- لأنه وبصراحة تعطينا الوقت كي نميز الغث من السمين وتسمح لنا أن نرى كيف تنتهي التجارب هناك ونتائجها قبل أن نستوردها، ورب ضارة نافعة!
* مشهد أعجبني:
تيريزا ماي، رئيسة وزراء بريطانيا السابقة تعود كنائب «عادي» في البرلمان، وتقف في الصفوف الخلفية وراء بوريس جونسون الذي كان وزير خارجية حكومتها وأحد المعارضين لسياستها وتشيد بأدائه خلال الإنتخابات وتعلن وقوفها التام معه ومع مساعيه في الخروج ببريطانيا من الإتحاد الأوروبي. مشهد لا نراه إلا نادرا!
الهزيمة المهينة التي تلقاها حزب العمال، بقيادة اليساري الإشتراكي شبه الراديكالي جيرمي كوربن في انتخابات بريطانيا مؤخرا، والتي لم يشهدها حزب العمال منذ عام 1935، هي بمثابة الكارت الأحمر لمروجي ايديولوجيات التطرف والخيال والإبتعاد عن الواقع. وهي اعلان رفض للليونة والميوعة السياسية لقضايا الدين والأخلاق والمجتمع ولو بدرجة أقل حتى الآن. «أما الهزيمة المخجلة التي تلقاها حزب الليبراليون الديمقراطيون، اليساريون كذلك، والتي تمثلت بخسارة رئيسة الحزب جو سونسون مقعدها في البرلمان فهو أمر لا يحتاج الى تعليق!».
وقد جاءت الهزيمة لتؤكد توقعات سابقة ذكرتها في مقال «وتحقق لبوريس جونسون ما يريد»، والذي تنبأت فيه بفوز كاسح للمحافظين على حزب العمال اليساري. ولم تكن توقعات - أي كلام - بل جاءت نتيجة متابعة حثيثة للداخل البريطاني وما تقدمه للمتابع بعض وسائل الإعلام التي لا تطغى عليها الأجندة اليسارية/الليبرالية التي تحور الحقائق.
ولا أستبعد إطلاقا، مع السنوات القليلة القادمة أن تثبت الكثير من نظريات اليسار الراديكالية - التي مازال لها حضور خطير في فكر وإطروحات منظمات عالمية تشكل ضغوطا على دول كثيرة - فشلها سواء كانت إقتصادية أو إجتماعية لأنها أما مبينة على فلسفة غريبة عجيبة فارغة أو لأنها خالفت وبكل عناد وتكبر وغطرسة معتقدات الناس وأديانهم.
فالعالم وبعد تجربة العولمة - التي بات من الواضح فشلها - وبعد الإنفتاح غير المنضبط سواء على الصعيدين الإقتصادي أو الإجتماعي أصبح يراجع نفسه ويعيد حساباته. والشعوب في البلدان الغربية الغنية التي روج فيها السياسيون للعولمة، وجدت نفسها الخاسر الأكبر بعد السير في تبنيها.
المفارقة، أن اليسار الذي عرف عنه مناصرة الفقراء والبسطاء لم يكن مع العولمة في البدايات، فهي فكرة أصحاب رؤوس الأموال والأثرياء، ولم يكن كذلك مع فتح الحدود وإغراق البلدان بالمهاجرين الذين على ما يبدو ابتلعوا الأخضر واليابس في اوروبا وأمريكا لأنه كان مع حقوق الطبقة الكادحة التي في الغالب لا تملك سوى وظيفة متواضعة الدخل بالكاد تسد احتياجاتها. لكن اليسار مع مرور الوقت تحول الى العكس تماما وأصبح نصير العولمة والمهاجرين وكل ما يخالف الأسس الذي نشأ عليها بل واصبح بقدرة قادر خيار الكثير من المترفين الباحثين عن نشوة التمرد وكسر السائد بدون وعي حقيقي للتبعات وهذا ما أفقد اليسار في كل مكان تقريبا الشعبية والجماهير. كما يعاب على اليسار من خلال نظرياته التحررية المنفلتة سعيه الدؤوب لنزع القدسية عن كل شيء ورفضه للأديان والإستهزاء بها وطعنه في العادات والتقاليد ودعمه للأقليات بسبب ومن غير سبب بشكل منفر مما أجبر السواد الأعظم من مناصريه على تركه والبحث عن بدائل تمثلهم بشكل أفضل. هذا بالإضافة الى فشل نظرياته الإقتصادية الإشتراكية على المدى البعيد والتي تعتمد على مبدأ «إصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب»!
وبالنسبة لنا كدول وشعوب نستورد كل شيء، حتى الأيديولوجيات، فإن سقوط اليسار وشعاراته وأفكاره يعني ضرورة مراجعة ما يأتينا من الخارج سواء عن طريق المنظمات «حقوقية أو نسوية أو إقتصادية أو اجتماعية»، أو الإعلام. فعلينا أن نفرق بين المصادر، وندقق فيها. فإن كان غربيا يساريا أقترح أن نكون حذرين جدا في التعاطي معه وإن كان غربيا وسطيا أو حتى مائلا «شوي»، نحو اليمين فلا بأس من النظر فيه مبدئيا، فهذا الخط والنهج هو الأقرب لنا ولتركيبتنا ولمفاهيمنا وهو الأنجح بلا منازع حاليا على مستوى العالم.
أحيانا، أشعر أننا محظوظون في حالة الإستيراد المستمرة هذه -على خلاف ما يعتقد البعض- لأنه وبصراحة تعطينا الوقت كي نميز الغث من السمين وتسمح لنا أن نرى كيف تنتهي التجارب هناك ونتائجها قبل أن نستوردها، ورب ضارة نافعة!
* مشهد أعجبني:
تيريزا ماي، رئيسة وزراء بريطانيا السابقة تعود كنائب «عادي» في البرلمان، وتقف في الصفوف الخلفية وراء بوريس جونسون الذي كان وزير خارجية حكومتها وأحد المعارضين لسياستها وتشيد بأدائه خلال الإنتخابات وتعلن وقوفها التام معه ومع مساعيه في الخروج ببريطانيا من الإتحاد الأوروبي. مشهد لا نراه إلا نادرا!