لم تكن فكرة جديدة تراود مخيلتي، ولكني دأبت على مراجعتها مراراً وتكراراً ضمن ما يمكن تسميته بالخطة السنوية أو وضع قوائم أهداف العام الجديد ووضع آلية لتحقيقها. وقد تمثلت تلك الفكرة بالإمكانيات غير المستقلة، فأحياناً تملك إمكانيات لا تعلم بها بما يكفي وتجدها فجأة في رحلة البحث عن نفسك أو اكتشافها، وربما يوصلك لما تتمتع به من إمكانيات عرض عمل ما أو فرصة مشاركة في مبادرة معينة، يعرضها عليك آخرون، ما يجعلك تراجع نفسك مراراً وتكراراً هل أنا الشخص المناسب لتلك المهمة، ورغم أن مهام كثيرة تقبلها دون أدنى تفكير، لعلمك ويقينك بأن ما تتمتع به من إمكانيات يتناسب تماماً مع ما هو مطلوب أو متوقع منك، إلاَّ أن ثمة مهام أخرى تدفعك للتساؤل إن كنت قادراً على تقديمها كما يجب. صحيح أننا نختلف فيما وهبنا الله إياه من قدرات وهبات، ولكننا أيضاً قابلون للتطور في كثير من المجالات في دائرة هباتنا تلك وخارجها، يبحث البعض عنك في موضع معين يتوقع وجودك فيه وأن يكون لك فيه بصمة بارزة، ولكنك في حقيقة الأمر غير موجود فيه على الإطلاق، ليس لأنك غير قادر على ذلك، بل لأنك لم تبحث في الفرصة المحيطة بك، ولم تفكر أبداً في مسألة توظيف إمكانياتك كما يجب، أو تطويرها بما يتناسب مع مستوى التوظيف المتوقع لتلك الإمكانيات.

في الفترة الأخيرة، وضعتني الحياة أمام مجموعة من الاختبارات لمجالات جديدة في حياتي، وجعلتني أفكر مجدداً، لم لا؟ ما الذي يمنعني من الانخراط في تلك المجالات إلى جانب ما أعلم من ذي قبل أني أبرع فيه، ما يعني أن الحياة تهبني مزيداً من الفرص والخيارات، وتخرجني من دائرتي الضيقة في نطاق إنتاجية محدد لا يتكافأ إطلاقاً مع ما وهبني الله إياه من إمكانيات. بعض القدرات تحتاج لمواجهة التجارب لتكتشف نفسك من خلالها، ولتجد أنك تحظى بأكثر مما كنت تظن نفسك عليه، بل وتكتشف أن كل باب يفتح أمامك يقودك إلى مجموعة من الأبواب الأخرى المتفتحة بمقدورك أن تنتقي منها ما تشاء.

حديث هام وشيق جمعني مع صديق عزيز ومقرب، حول طرق استغلال الإمكانيات، وكيف للمرء أن يحولها إلى شكل من أشكال الإنتاجية النافعة له ولمجتمعه بدلاً من الانكفاء في دائرة إنتاجية محدودة وضيقة، وأعني بذلك، بدء التفكير في تنويع مصادر الدخل، أو الخروج من دائرة العمل الواحد، حتى ولو كانت فرصة التجربة الجديدة والاكتساب والتطوير قد تتأتى من خلال عمل تطوعي أو مبادرة اجتماعية معينة. صحيح أن المردود من تلك التجربة ليس مادياً، ولكنه بلا شك سيعود عليك بالخير على عدد من الأصعدة الاجتماعية والدينية والمهاراتية وربما المالية أيضاً.

* اختلاج النبض:

ونحن على أعتاب عام جديد، وقبل أن ننطلق لفضاءات أحلامنا ساعين لتحقيقها، فلنقف وقفة مراجعة حقيقية مع ذواتنا، ولنكتشف أنفسنا كما لم نفعل من قبل، فحتى من يظن أنه يعرف نفسه جيداً، كثيراً ما يمر بمراحل يكاد يلامس في نفسه شيئاً للمرة الأولى، وما أن نمسك بذلك الشيء جيداً، سنكون قادرين على الإبحار في لجج أعتى وظروف جديدة تخرجنا من منطقة الراحة إلى منطقة الإنجاز والتألق.