نواصل في الجزء الثالث من المقال حديثنا عن المفكر البحريني د. محمد جابر الأنصاري. في عام 2014 قدمت دراسة نشرت مع بحوث مفكرين من البحرين ضمن كتيب بعنوان «الأنصاري مفكراً»، وعرضتها في ندوة خاصة على هامش المؤتمر السنوي لأسرة الأدباء والكتاب عام 2014 ـ وقد قام بنشر الكتيب الذي احتوي علي مجموعة أوراق الندوة هيئة شئون الإعلام بالبحرين في الطبعة الأولى عام 2014 بناء علي تأييد ودعم أسرة الكتاب والأدباء منظمي الندوة الفكرية والمؤتمر السنوي علي مستوى عربي شامل.
ويمكنني القول إنني من المعجبين بالأنصاري وكتاباته وفكره، وظللت لعدة سنوات أتواصل معه شخصياً حتى أصيب بمرض عضال وكنت أتناقش معه في كثير من أفكاره وآرائه وأنتقد بعضها وخاصة انتقاداته الشديدة ضد بعض الشخصيات العربية أو المصرية البارزة ولكن ذلك كله لم يؤثر على علاقاتنا الشخصية والفكرية فكان متسامحاً في الاستماع لانتقاداتي لآرائه ومواقفه.
ولا يتسع المقام لتناول كل أفكار الأنصاري في هذه المقال، والذي كان ضمن الكتاب التذكاري المخصص لفكر الأنصاري ورؤية أصدقائه له، وكذلك رؤية نخبة من الباحثين والأكاديميين البحرينيين والعرب. وإنما أقدم بعض ملاحظاتي للقارئ وللتاريخ ووجهة نظري في محمد جابر الأنصاري وتقديري له ولكتاباته ولمنهجه العلمي ومقارنته ببعض أقرانه من العرب والمصريين.
وباختصار يمكنني إبداء بعض الملاحظات الرئيسة التالية:-
* الملاحظة الأولى: إن الأنصاري أتيحت له الفرصة للحصول على تعليم في العديد من الجامعات مثل الجامعة الأمريكية بيروت، وجامعة كمبردج، وجامعة السوربون، ومن ثم تعلم منهج البحث والكتابة وخاصة الكتابة النقدية، وهو ما افتقر له كثير من المفكرين والكتاب العرب، ولم تكن انتقاداته للآخرين ذات طابع شخصي، وإنما كانت انتقادات فكرية موضوعية ومحايدة إلى حد كبير ربما ما عدا بعض مواقفه من المفكر المغربي محمد عابد الجابري ومرجع ذلك الاختلاف الفكري بينهما، فالأنصاري كان مفكراً ليبرالياً يؤمن بالمنهج العلماني بينما كان الجابري كان مفكر إسلامياً يميل للتحفظ والمحافظة الفكرية التقليدية. وأنا اطلعت على كثير من كتب الجابري كما التقيت به في بعض الندوات وتناقشت معه فوجدته على خلاف الأنصاري غير متسامح وغير مرن في تفكيره وفى حواراته رغم أن كتاباته عميقة في الفكر والبحث العلمي فهي ذات طابع محافظ وتقليدي، وهذا بخلاف كتابات الدكتور محمد جابر الأنصاري، وكان الأنصاري على علاقة وثيقة مع جورج طرابيشي المفكر السوري المولد اليساري التوجه الفكري والذي عاش في بيروت ثم انتقل إلى باريس، وقد ولد طرابيشي في حلب عام 1939، وهو نفس عام ميلاد الأنصاري وتوفي عام 2016 في باريس، وترجم العديد من المؤلفات لسارتر وهيجل وفرويد وجارودي وسيمون دي بوفوار وغيرهم، وبلغت ترجماته ما يربو على مائتي كتاب منها كثير من الكتب عن علم النفس والتحليل النفسي وكتب عن اليسار الأوروبي وخاصة الإيطالي. وكان طرابيشي والأنصاري صديقين فكرياً وعلمياً وتبادلا الآراء مع بعضهما البعض، وقد تأثر الأنصاري خاصة بالكتب المترجمة لجورج طرابيشي. وربما يمكن القول إن الأنصاري تعلم المنهج النقدي من الجامعات الغربية التي درس فيها ومن كتابات المفكرين الغربيين الذين قرأ لهم، وهذا الموقف على خلاف كثير من الكتاب العرب الذين يتفادون النقد خاصة للتراث العربي والإسلامي وبعضهم أمثال الدكتور طه حسين ونصر حامد أبو زيد والشيخ علي عبد الرازق. ولعل العقل العربي لم يكن متفتحاً بالقدر الكافي وإنما كان يكرر كتابات وأفكار السابقين وآراءهم بلا نقد أو تمحيص. وذلك ربما باستثناء قلة من المفكرين العرب والمسلمين مثل ابن رشد وابن خلدون فكانا أكثر قرباً من التحليل العلمي والمنهج النقدي ولذا عانى إبن رشد من الخلاف الشديد بينه وبين أبى حامد الغزالي وتبادلا الاتهامات العلمية وتجلى ذلك في كتاب الغزالي بعنوان «تهافت الفلاسفة»، ورد عليه ابن رشد بكتاب عنوانه «تهافت التهافت». وللحديث بقية.
* باحث في الدراسات العربية والإسلامية
ويمكنني القول إنني من المعجبين بالأنصاري وكتاباته وفكره، وظللت لعدة سنوات أتواصل معه شخصياً حتى أصيب بمرض عضال وكنت أتناقش معه في كثير من أفكاره وآرائه وأنتقد بعضها وخاصة انتقاداته الشديدة ضد بعض الشخصيات العربية أو المصرية البارزة ولكن ذلك كله لم يؤثر على علاقاتنا الشخصية والفكرية فكان متسامحاً في الاستماع لانتقاداتي لآرائه ومواقفه.
ولا يتسع المقام لتناول كل أفكار الأنصاري في هذه المقال، والذي كان ضمن الكتاب التذكاري المخصص لفكر الأنصاري ورؤية أصدقائه له، وكذلك رؤية نخبة من الباحثين والأكاديميين البحرينيين والعرب. وإنما أقدم بعض ملاحظاتي للقارئ وللتاريخ ووجهة نظري في محمد جابر الأنصاري وتقديري له ولكتاباته ولمنهجه العلمي ومقارنته ببعض أقرانه من العرب والمصريين.
وباختصار يمكنني إبداء بعض الملاحظات الرئيسة التالية:-
* الملاحظة الأولى: إن الأنصاري أتيحت له الفرصة للحصول على تعليم في العديد من الجامعات مثل الجامعة الأمريكية بيروت، وجامعة كمبردج، وجامعة السوربون، ومن ثم تعلم منهج البحث والكتابة وخاصة الكتابة النقدية، وهو ما افتقر له كثير من المفكرين والكتاب العرب، ولم تكن انتقاداته للآخرين ذات طابع شخصي، وإنما كانت انتقادات فكرية موضوعية ومحايدة إلى حد كبير ربما ما عدا بعض مواقفه من المفكر المغربي محمد عابد الجابري ومرجع ذلك الاختلاف الفكري بينهما، فالأنصاري كان مفكراً ليبرالياً يؤمن بالمنهج العلماني بينما كان الجابري كان مفكر إسلامياً يميل للتحفظ والمحافظة الفكرية التقليدية. وأنا اطلعت على كثير من كتب الجابري كما التقيت به في بعض الندوات وتناقشت معه فوجدته على خلاف الأنصاري غير متسامح وغير مرن في تفكيره وفى حواراته رغم أن كتاباته عميقة في الفكر والبحث العلمي فهي ذات طابع محافظ وتقليدي، وهذا بخلاف كتابات الدكتور محمد جابر الأنصاري، وكان الأنصاري على علاقة وثيقة مع جورج طرابيشي المفكر السوري المولد اليساري التوجه الفكري والذي عاش في بيروت ثم انتقل إلى باريس، وقد ولد طرابيشي في حلب عام 1939، وهو نفس عام ميلاد الأنصاري وتوفي عام 2016 في باريس، وترجم العديد من المؤلفات لسارتر وهيجل وفرويد وجارودي وسيمون دي بوفوار وغيرهم، وبلغت ترجماته ما يربو على مائتي كتاب منها كثير من الكتب عن علم النفس والتحليل النفسي وكتب عن اليسار الأوروبي وخاصة الإيطالي. وكان طرابيشي والأنصاري صديقين فكرياً وعلمياً وتبادلا الآراء مع بعضهما البعض، وقد تأثر الأنصاري خاصة بالكتب المترجمة لجورج طرابيشي. وربما يمكن القول إن الأنصاري تعلم المنهج النقدي من الجامعات الغربية التي درس فيها ومن كتابات المفكرين الغربيين الذين قرأ لهم، وهذا الموقف على خلاف كثير من الكتاب العرب الذين يتفادون النقد خاصة للتراث العربي والإسلامي وبعضهم أمثال الدكتور طه حسين ونصر حامد أبو زيد والشيخ علي عبد الرازق. ولعل العقل العربي لم يكن متفتحاً بالقدر الكافي وإنما كان يكرر كتابات وأفكار السابقين وآراءهم بلا نقد أو تمحيص. وذلك ربما باستثناء قلة من المفكرين العرب والمسلمين مثل ابن رشد وابن خلدون فكانا أكثر قرباً من التحليل العلمي والمنهج النقدي ولذا عانى إبن رشد من الخلاف الشديد بينه وبين أبى حامد الغزالي وتبادلا الاتهامات العلمية وتجلى ذلك في كتاب الغزالي بعنوان «تهافت الفلاسفة»، ورد عليه ابن رشد بكتاب عنوانه «تهافت التهافت». وللحديث بقية.
* باحث في الدراسات العربية والإسلامية