الحياة كلها عبر ودروس، ومن لا يتعلم من دروس حياته فهو يفقد الكثير، والمواقف المتعددة هي التي تشكل الإنسان في وعيه وإدراكه، وهي التي تجعله إما يغير قناعاته، أو يعيد برمجتها.

لذلك لا تتعامل مع حياتك والظروف التي تمر بها على أنها من المسلمات، لأن كل شيء يحصل فيها يكون لسبب، وبالضرورة تكون فيه عبرة وعضة.

سؤال هنا دائماً ما يطرق ذهني، ومفاده: «متى نتذكر الله»؟!

وصدقوني ليس معيباً أن نسأل أنفسنا هذا السؤال، إذ وسط غمار الحياة والتزاماتها ومهلياتها وظروفها، لابد وأن تجد في نفسك نوعاً من التقصير، وأحياناً تنسى أن هذه الحياة لها نهاية، وأنك في يوم من الأيام ستواجه خالقك الذي خلقك وأعطاك هذا العمر، وهناك يوجد دين عليك تأديته، ولذلك أقول بأن الإنسان ينسى خالقه أحياناً، بمعنى ينسى واجباته والتزاماته نحوه، لكن إجابة السؤال هنا، بأن الإنسان يتذكر خالقه حينما تحل به مصيبة، أو تدور به الملمات، فيسقط في يده أحياناً، وتعجز عنه الحلول، فلا يجد إلا كفيه ارتفعتا للأعلى دون برمجة أو حساب، ترتفعان لملك الملوك وأقوى الأقوياء تدعوه وتلجأ له، ثقة بالمولى عز وجل.

الفكرة فيما أقول، بأن الظروف أحياناً تفرض عليك مراجعة حساباتك، تفرض عليك التوقف للتفكير فيما يدور حولك، تفرض عليك مراجعة كل أساليب وكل ما تقوم به، وستجد بالضرورة من الشواهد والمواقف عبراً ودروساً يتوجب عليك تطبيقها في حياتك، لأنها ستكون سبباً في جعلها أفضل أو أجمل، أو أقلها ستجعلها أقل شدة في وقائعها.

الموت أحد الدروس التي تجعل الناس تقف وتتفكر وتقيم حياتها، وهي تدرك الحقيقة الدامغة، بأن هذه الدنيا فانية، وأن الإنسان سيأتي عليه يوم ويمضي، وبعده لن تتوقف الحياة بل ستمضي، لكن ما سيبقى له في الدنيا ذكره الطيب، وما سيبقى له في الآخرة عمله الطيب.

أكتب هذا الكلام وأنا مازلت مكتنزاً بمشاعر عديدة تجاه أخ وصديق وإنسان رائع فقدناه جميعاً، لكن كل ما ارتبط بوفاته، أثبت صحة منهجه في الحياة، وكيف أن الناس تحلقت حوله، اجتمعت على محبته، وتسارعت لتعبر عن مشاعرها الحقيقية تجاه مواقف إنسانية راقية جمعتها به.

الفنان والإنسان المحبوب، وصديق الجميع، النقي الطيب المرحوم علي الغرير، غادرنا في هذه الحياة، لكنه أعطانا دروساً قيمة من خلال ردات الفعل التي صاحبت رحيله، أهمها كيف يكون حصاد الطيبين في الدنيا، من دعوات غفران وترحم من الناس نتيجة طيبته وإنسانيته، جمعت الجميع حوله بمختلف أطيافهم وقناعاتهم وتوجهاتهم، ومن اهتمام وأداء واجب من الدولة التي احتضنت أبناءه وحرصت على مستقبلهم عرفاناً منها لرجل لم يعرف منه الوطن إلا الحب والإخلاص والتضحية.

علي الغرير، هو ممن وصفهم الله سبحانه وتعالى بالذين كتب لهم القبول في الأرض، فإن أحب الله عبداً، جعل له محبة الملائكة في السماء، ومحبة الناس له في الأرض، فهنيئاً لفقيدنا الغالي هذا الحب، وهنيئاً له جوار ربه، داعين بأن تكون أعماله الطيبة وأخلاقه الراقية وحسن صفاته تذكرة دخوله لجنات النعيم، مشفوعاً بدعوات المحبين له، المترحمين عليه.

بالأمس فقط أسأل شقيقه صديقي الغالي مبارك الغرير عن صفات معينة في علي، خاصة تلك التي تصقلك لتكون شخصاً نقياً من الداخل، فقال لي بأنه لا ينسى ردة فعل علي حينما يدور نقاش حول ظلم يقع، أو خذلان من بشر معينين، وكيف أنهم حينما كان يغضبون، كيف كان علي الغرير يقول لهم بأنه لا يجب أن تكره أحداً، أو تدعو على أحد، بل بالعكس عليك بمحبة جميع الناس، وإن كان من حق لأحد فإنه عند رب العباد لا يضيع.

لذلك كان قلبه نقياً، ومحبته للناس صادقة، وبالتالي كان حب الناس له صادقاً من القلب.

هذا مشهد في حياتنا نتعلم منه الكثير، شخص رائع بكل ما تعنيه الكلمة يرحل، لكنه يزرع بيننا دروساً بالغة في الرقي، أهمها كيف تعيش وقلبك أبيض، تعمل يومياً على تنظيفه من الأدران والأحقاد، بحيث ترحل عن الدنيا وهو أبيض بالكامل لا تشوبه شائبة.

رحمك الله يا صديقي، ليتنا كلنا نحظى بقلب مثل قلبك.