غسان علي عثمان

ذكر الجاحظ بأن موسى الأسواري، كان يجلس فتقعد العرب عن يمينه والفرس عن يساره، ليقرأ الآية من كتاب الله ويفسرها للعرب بالعربية، ثم يحول وجهه إلى الفرس فيفسرها لهم بالفارسية، فلا تدري بأي لسان هو أبين!.

إن المجهودات العظيمة التي قدمها المترجم الفلسطيني صالح علماني للأدب العربي عد أن تُحصى، فالرجل بالفعل يستحق لقب أسواري القرن العشرين، فقد عبرت الآداب اللاتينية إلى لغة الضاد بفضل ما قدمه صالح علماني من أشغال جليلة تتسم بالحرفية العالية، والمعرفة العميقة بطبيعة العوالم الإبداعية لكتاب أمريكا اللاتينية، ذلك أن المترجم ليس ناقلاً للغة بالمجان، بل هو الكاتب الثاني للنص، وهذا يتطلب منه أن يكون على دراية بالمناخ الثقافي والاجتماعي للغة التي ينقل منها، دع عنك ما تشكله الآداب اللاتينية من حالة غنى وثراء كبير يلمس ذلك كل من قرأ ماركيز وساراماغو وإيزابيل الليندي وغاليانو واستورياس وميندوثا وبارغاس وغيرهم. إن الفضل في كثيره يعود لهذا الرجل المولود في حمص سنة 1949م والذي وافته المنية بمدريد – أسبانيا في الأول من ديسمبر هذا العام 2019م.

إن علماني ظل وفياً لمهنة الترجمة، وعرف بأنه صاحب أوثق وأدق الترجمات الأدبية ناقلا لها من حضنها اللاتيني الغني بالصور والإشارات، بالرموز وتعرجات الذاكرة، ليقدم لنا أعظم الأعمال وأهمها على الإطلاق، وكانت أولى ترجماته رواية غابريال غارسيا ماركيز "ليس للكولونيل من يكاتبه" والتي نشرت لأول مرة في العام 1961م، ثم توالت أعمال الرجل ليقدم روائع مختارة من كتابات أمريكا الجنوبية، كما أن مجهودات علماني لم تقتصر على ترجمة الرواية اللاتينية فقط، بل في سجله المسرحيات ودواوين الشعر مثل ترجمته لقصيدة بابلوا نيرودا (النشيد الشامل)، لتكرمه مؤسسات عالمية بالجوائز والأوسمة التي يستحقها عن جدارة.

كنت وأنت تقرأ ترجمات صالح علماني لا تدري أهو نص لاتيني ينتمي إلى عالم غريب عن ثقافتنا العربية؟ أم أن علماني تقمص روح المؤلف ليبني عوالم عشنا معها بكل حداثتها وسحريتها، ننظر كيف صرنا جزءاً منها..

لقد فقدت الثقافة العربية بموت علماني مؤسسة ثقافية شاملة مثلها هذا الرجل، والوراق يقدم تعازيه لأسرته الصغيرة وأسرته الكبيرة والتي تضم كل قراء وعشاق الأدب اللاتيني مترجماً إلى العربية.