كريم رضي
قال الأدب أولاً
أصبح المكان موضوعاً للدراسات الثقافية منذ عدة سنوات ويمكن أن يمثل كتاب (لا أحد ينام في المنامة) للدكتور نادر كاظم مثالاً مهماً على دراسة المكان والناس بهدف إبراز عراقة التنوع الإثني والثقافي وقيمة التسامح منذ عهد طويل، ما يجعل المنامة اسكندرية أخرى على ضفاف الخليج العربي بعد تلك التي على ضفاف المتوسط.
ما أود الإشارة إليه هنا، هو هجران الدراسات الثقافية للأدب، حتى لا أقول تأسيس بعض الباحثين لقطيعة على نحو ما مع الأدب! مع أن كلا الدراسات الثقافية والأدب صنوان لا خصمان. بل أن بواكير موجة ما بعد الحداثة في الغرب كانت أساسا ذات جذور تتصل بالأدب والفن.
وإن كانت الدراسات الثقافية كوليد شرعي لموجة ما بعد الحداثة قد جاءت على أنقاض جماليات الحداثة الأدبية واتخذت لها شعارا (لا أدب بعد اليوم)، تعبيرا عن الضجر المعاصر من المجاز ومن نقد المجاز أيضاً، فإنه على هذه الدراسات في الوقت نفسه - ولئلا يأخذها الغرور العلمي - أن تلتفت إلى ريادة الأدب، الشعر خصوصا في أنسنة المكان وإكسابه تنوعه وثرائه بكل مكوناته الهندسية والإثنية، فلقد قرأنا واحتفينا بتنوع المنامة كعاصمة وفرجانها وتوابعها "الحورة" و "الفاضل" و "المخارقة" وغيرها من أحياء المنامة في شعر العليين الشرقاوي والجلاوي وشعر علوي الهاشمي وعبد الحميد القائد وغازي القصيبي وسرد أمين صالح وعبدالله خليفة ومحمد عبد الملك وغيرهم، كما قرأنا المحرق في شعر علي عبد الله خليفة وقاسم حداد وابراهيم بوهندي وفي سرد فواز الشروقي، والرفاع في شعر حمدة خميس، وسماهيج في شعر حسين السماهيجي قبل أن تأتينا الدراسات الثقافية بزمن طويل.
التفاتة عرفان ثقافي لا بد أن تبديها الدراسات الثقافية للأدب بدل أن تؤسس للقطيعة معه!، وهو ما سيفيد كلا الحقلين معاً، فلئن كان موضوع الدراسات الثقافية هو توقيع الناس في المكان، فإن موضوع الأدب هو توقيع المكان في الناس.