قصة قصيرة - ندى فردان
جلست مريم على طاولة الطعام، وراحت تحتسي قهوتها التركية السوداء بيد، واليد الأخرى مشغولة بتدوين بعض الملاحظات بقلم حبر أسود.
وما أن نضب قدح قهوتها، حتى همت لتسرح شعرها الطويل الأسود الفاحم وتلفه عدة لفات، ثم تحشره حشراً تحت حجابها الأسود الهادئ، كما حشرت قبل ذلك جسدها المكتنزِ بعباءة مطرزة سوداء.
غادرت منزلها لتجد أن السماء التحفت بغيوم هي الأخرى سوداء!. وجهت نظرها إلى الأسفل حيث قدميها، وكدرتها فكرة أن حذاءها الأسود الجديد اللامع قد يتسخ بالوحل والمطر، لكنها على أية حال أكملت خطواتها وركبت السيارة.
وقبل أن تدير المفتاح جاءها اتصال من أعز صديقاتها بشرى:
- "صباحو يا حلوة". كيف الاستعداد لمقابلة العمل الجديدة؟
- تقصدين مقابلة العمل العاشرة.
وضافت ساخرة:
- أحضرت جميع شهاداتي وأوراقي، وذاكرت كل ما جمعته من معلومات عن الشركة الجديدة، والباقي على رب العالمين.
مطمئنة ردت بشرى:
- بإذن الله ستحصلين هذه المرة على وظيفة في هذه الشركة الكبيرة، بل وستقابلين فيها -إن شاء الله- فارس الأحلام الذي سيحقق حلمي برؤيتك عروسا فاتنة تخطف الأنفاس بجمالها وفستانها الأبيض البراق.
ضحكت مريم على خيالات بشرى، وبعد أن نظرت إلى ساعتها ذات الحزام الجلدي الأبيض قالت:
- علي الذهاب الآن يا عزيزتي. أكلمك لاحقاً.
تمنّت لها بشرى أطناناً من التوفيق وأغلقت الخط.
أخذت مريم نفساً عميقاً، ثم أغمضت عينيها ورددت:
- هذه المرة سأحصل على وظيفة.
كررت عبارتها تلك ثلاث مرات. ونظرت إلى مفتاح السيارة ذي الميدالية اللؤلؤية البيضاء، ثم أدارته وانطلقت بسيارتها ذات اللون الصدفي الأبيض. وحينما وصلت إلى الشركة، كانت السماء قد غيرت رأيها، واستعادت الشمس بذلك سطوتها وبريقها.
دخلت مريم الباب المعدني الأبيض برجلها اليمين وقالت:
- لعل في اسم مدير التوظيف السيد "وايت" بشارة خير.