إن كنا سنتحدث في نوعيات البشر، وأنماطهم السلوكية التي تشكل شخصياتهم، فإننا سندخل في تصنيفات عديدة قد لا تنتهي، وبعضها تصنيفات غريبة في مصطلحاتها، لكننا في مجتمعنا اعتدنا على مصطلحات بسيطة لكنها تؤدي الغرض منها عبر إيصال الفكرة.

كثيرة من النوعيات التي تطرقنا لها في إطار حديثنا عن «الإدارة» وفنونها، في إطار السعي الدائم للدعوة إلى إرساء أسس ودعائم الإدارة الصحيحة في مجتمعنا، لأنها الأساس في كل شيء، هي أساس الإصلاح، وهي أساس البناء، وهي أساس التطوير، وهي أهم أداة في محاربة الفساد بكل أنواعه.

في مواقع العمل ستجد أنواعاً عديدة من البشر، وأنماط مختلفة ومتنوعة من السلوكيات، وكل سلوك فيها يمكن أن يكشف لك عن هذه النوعيات، منها السلوكيات الإيجابية التي تبين لك عناصر إيجابية بالإمكان أن تستند المنظومة عليهم، ويمكن للمسؤول الاعتماد عليهم، وهؤلاء بيدهم صناعة النجاح، وطبعاً في المقابل هناك السلوكيات السلبية، والتي هي أساس كل تراجع في الإطار المهني، وهي مصدر كل السلبيات والفساد، وإن تركت لهم الساحة لعاثوا فيها كل خراب، ولعمدوا لبذل كافة الجهود لتضليل المسؤولين أصحاب القرار، أو التأثير على قراراتهم أو جرهم إلى مستنقع خطر من الأخطاء والسلبيات.

وحينما نتحدث عن المسؤولين، فإنه من الضرورة بيان خطورة نوعية من الموظفين بغض النظر عن مناصبهم أو تراتبيتهم الوظيفية، هي نوعية خطرة جداً، لأنها تمارس أسلوباً متقدماً في عمليات «النصب والاحتيال»، والخطر أن هذه العمليات توجه لكبار المسؤولين وللتأثير على قراراتهم.

كتبت ذات مرة مقالاً موجهاً لكل مسؤول جديد يتولى مسؤولية أي قطاع، وكيف أن عليه «فتح عيونه» جيداً لما يحصل أمامه في أول أيامه، أو ما يسبق مجيئه مما يصله من أخبار معلومات، عليه أن يكون «منتبهاً» جداً لتصرفات البشر وسلوكياتهم، خاصة البعض منهم ممن يسارعون لإبراز صورتهم أمامه، أو التقرب منه، أو «التسكع» الدائم أمام عينيه، لأن كثيراً من هؤلاء هم موظفون بدرجة «نصابين»، لأن هدفه ممارسة «النصب» على المسؤول، عبر تضليله بالأكاذيب والترهات والافتراءات.

طوال هذه المسيرة في الكتابة، والاحتكاك مع الناس بالأخص الموظفين، لدي شواهد عديدة على سيناريوهات مشابهة لما أقوله أعلاه، وكيف أن مسؤولاً يأتي لقطاع ما، فيرى أمامه «جوقة» لا تكاد تفارق مكتبه أو مسارات طريقه، كل سعيها أن «ترسم» له صورة نمطية غير حقيقية عن موقع العمل، والممارسات فيه، ولربما وصلت لمستوى منحدر جداً -لو أتيح لها المجال- للحديث عن زملاء لهم، وموظفين جادين ومخلصين، بحيث يتم تشويه صورتهم منذ البداية، وإن انطلت عمليات «النصب» هذه على المسؤول فقل السلام على القطاع، وعلى البشر فيه.

لذلك أي مسؤول ذكي، وصاحب خبرة، لابد وأن ينتبه للبدايات، ويشخص الشخصيات أمامه، ويعرف كيفية تمييز «الصالح» من «الخبيث»، عليه أن يعرف هدف كل شخص يسعى للحديث معه أو التقرب إليه، لأن هناك «لوبيات» و«جوقات» وحتى «عصابات» ستجدها في بعض مواقع العمل، أكبر أخطارها أن يكون المسؤول نظيفاً، عادلاً، نزيهاً، لا يبني قراراته وتعاملاته على الأمور الشخصية، بل يبنيها على المهنية والحيادية والعدالة في التعامل مع الموظفين.

الموظف بدرجة «نصاب» ليس الوحيد الذي يمثل خطراً على المنظومات والمسؤولين، بل هناك نوعيات مختلفة بعضها يضاهي «النصابين» في الخطورة وبعض آخر قد يفوقونهم، والمتضرر في النهاية القطاع والموظفين، وحتى المسؤول نفسه إن صار ضحية لهم، لأنه سيكون الملام في النهاية أمام المجتمع والرأي العام على كل خطأ وكل تجاوز قد يدخل في تصنيف «الفساد».

ندعو الله أن يبعد «النصابين» عن كل مسؤول نزيه نظيف اليد، يسعى لإرساء دعائم الإدارة الصالحة، وندعو الله أن يثبت كل مسؤول بمثل هذه الشاكلة على الطريق القويم.