غالباً ما يحكم بعضنا على الآخرين من خلال مظهرهم الخارجي، فالملبس والشكل وطريقة الحديث هي دلالات ظاهرية بالقبول أو الرفض لبعض الأشخاص، قد لا يلام البعض أن حكم على من أمامه لمظهره فما تراه هو الظاهر والظاهر هو المكشوف ولا يمكن للإنسان بقدراته المتواضعة أن يعلم سريرة من أمامه وما يكنه هذا الشخص للآخرين من صدق أو كذب أو نفاق بمعنى لا يرى الجانب الخفي من شخصية التي أمامه، وكثيراً ما يحكم بعضنا على الآخرين حكماً لا يليق بهم فالبصر والسمع أشبه بجهاز المسح الخارجي لا يستطيعان التحكم بالمسح الداخلي فالله عز وجل وحده من يستطيع أن يرى داخل الإنسان مثلما يراه من الخارج، لذلك النوايا طيبة أو خبيثة لا يعلمها إلا الله جل شأنه.

يصادف أن نلتقي بأناس بسطاء في البنوك أو المطارات أو أثناء تخليص معاملة من المعاملات في المؤسسات المختلفة ويصادف أن يرتاب بعض منهم فيحكمون عليهم من خلال مظهرهم الخارجي ويؤولون أنهم سراق أو مجرمون وهم مثال للعفة بينما في الجانب الآخر يثقون ببعض الناس ثقة عمياء بسبب مظهرهم ولباقة لسانهم، ولكنهم قد يكونون عنواناً للخبث والجرم، فقد يسرقونك وأنت تضحك معهم أو يوهمونك بمشاريع غير حقيقية ويفرون بمالك وتعبك طوال السنين، حتى في مجال عملك تظن ببعض أنهم حامون للمال العام وهم أول من يغدر بك، ويمد يده على مال غيره، فنحن أقوام قد نحكم على الشكل الخارجي ونصدق الشكل الخارجي ونؤمن بالشكل الخارجي وقد لا ننصف أصحاب النوايا الحسنة لأن بعضنا تعجبه المظاهر فتعميه عن محاسن الأخلاق والأشياء.

ليس هذا فحسب، فالتعلق بالظاهر امتد إلى أبعد من ذلك، فأصبح السؤال عن زوج المستقبل مرتبطاً بالظاهر «كم يملك وابن من» ظناً بأن الإنسان «اللي شايف خير» سوف يعيش ابنتهم بسلام، ولكنه قد يظلم زوجته وأبناءه أو يمكن أن يكون «اللي شايف خير» إنساناً بخيلاً أو قد يمد يده للحرام أو تبدر منه تصرفات تحتار فيه وهو ابن العز والدلال، فالحكم على الظاهر من غير يقين لمجرد الحدس أو الشكل إنما هو ظلم للنفس وللآخرين.

صحيح أن الوجاهة وحسن المظهر قد تفتح الأبواب قبل القلوب، لكن هناك من يتستر وراء ذلك الحسن فهي خبايا لا يعلمها إلا الله ورب إنسان بسيط نقي من الداخل يعده البعض نكرة ولا يساوي حتى حفنة تراب وهو عند الله إنسان تقي وجميل النية، فهناك من يعطيك حلو الكلام وهو يكن لك البغض وهناك من يعد نفسه صديقاً ولكنه يحمل من النفاق آيات ودلائل، ويقول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم «رب أشعث أغبر مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره» ذلك لأن الله يرى النفوس الصادقة ولا تهمه المظاهر الخادعة، ومع ذلك أكرر أن من الصعب أن يصدر الإنسان أحكاماً على غيره أو يدخل في نواياه ولكن بقليل من التفكير وبقليل من التبصر تتجلى للإنسان حقيقة من أمامه.