يُعد استهلاك الوقود الأحفوري السبب الرئيس وراء انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في مختلف دول العالم. ولخفض هذه الانبعاثات، يتم عادة خفض استهلاك الطاقة واستخدام مصادر طاقة متجددة ونظيفة. فما المستجدات التي حدثت في هذا المجال في عام 2019؟
تشير التقارير الحديثة إلى أن العديد من دول العالم قد واصلت تبنيها لسياسات مختلفة تهدف إلى خفض انبعاث غازات الدفيئة، كما وتوسعت في استخدام تقنيات الطاقة المتجددة في عام 2019. فالسويد مثلاً قد أعلنت التزامها بهدف إنتاج الكهرباء بشكل كامل من مصادر الطاقة المتجددة بحلول عام 2040. وضمن جهودها لتحقيق هذا الهدف، شرعت السويد مؤخراً في بناء مزرعة رياح بتكلفة تصل إلى 7 مليارات دولار أمريكي وذلك على مساحة تبلغ نحو 450 كم2 في شمال البلاد بما يتيح إنتاج الكهرباء لخدمة نحو 400 ألف مسكن.
كما وقامت كندا بفرض ضريبة الكربون وجددت انتخاب الحزب الذي اقترح فرض هذه الضريبة، وهذا ما يؤكد على سعيها الجاد نحو خفض انبعاثاتها من غازات الدفيئة. وفي بريطانيا، فقد تم الإعلان عن وقف استخدام التكسير الهيدروليكي وذلك في استخراج النفط والغاز الصخري بصورة مؤقتة. كما وأعلنت فنلندا عن بدء التوقف في استخدام الفحم ليتم منعه نهائياً في عام 2029، وأعلن صندوق الثروة السيادية للنرويج تحوله عن الاستثمار في شركات التنقيب عن النفط والغاز. وأعلنت أسكتلندا عن وقف انبعاثات غازات الدفيئة في عام 2045، لا سيما وأن 70% من الطاقة المستخدمة في إنتاج الكهرباء حالياً فيها تأتي من المصادر المتجددة.
ومنذ شهر واحد تقريباً، صرَح وزير تغير المناخ في نيوزيلندا بأن جميع القرارات الرئيسة للدولة سيُنظر إليها من منظور تغير المناخ من الآن وصاعداً وذلك إضافة إلى المعايير الأخرى. ويأتي هذا التصريح بالنظر إلى تأثر هذه الجزر بالفيضانات والحرائق وذلك منذ الأسبوع الأول لدخول فصل الصيف. وسوف يكون إلزامياً على جميع المشاريع التي تستهدف خفض انبعاثات غازات الدفيئة أن تُجري تقييماً للتأثيرات المناخية المتوقعة. كما وذكر الوزير بأن وزارة تغير المناخ في نيوزيلندا قد قامت بتطوير أداة لتقدير الآثار المتوقعة وتقييم مدى فاعلية المشاريع المختلفة في خفض الانبعاثات، وسيتم مراجعة وتقييم هذه الأداة في هذا العام. وفي نوفمبر الماضي، وافق مجلس الوزراء النيوزيلندي على قانون يقضي بتصفير انبعاثات الكربون بحلول عام 2050، ووافق أيضاً على وقف منح تراخيص جديدة للتنقيب عن النفط والغاز في البحر. كما وتعهد المجلس بزراعة مليار شجرة بحلول عام 2028، وتوعد بفرض غرامات مالية على المزارعين ومربي الماشية في حالة عدم التزامهم بالحد من انبعاثات غازات الدفيئة في عام 2025.
وبعد استعراض مجموعة من الإجراءات التي تبنتها الدول في عام 2019 إزاء تغير المناخ، نطرح هذا السؤال: ما هو تقييم هذه الجهود؟ يُجيب عن هذا السؤال تقرير مؤشر أداء الدول إزاء تغير المناخ لعام 2020 والذي يؤكد على أنه لا توجد أية دولة قد حققت مستوى أداء مرتفع جداً في عام 2019، كما كان عليه الحال في السنوات الأربع الماضية. وهذا ما يعني أنه لا توجد أية دولة على مستوى العالم قد حققت مستويات عالية جداً فيما يتعلق بخفض الانبعاثات واستهلاك الطاقة بالإضافة إلى التشريعات المتعلقة بتغير المناخ والطاقة المتجددة. وفي المقابل، حقق عدد من الدول مستويات أداء عالية في مواجهة تغير المناخ وتأتي في مقدمتها السويد والدانمارك والمغرب. أما ذيل القائمة، فقد جاءت فيه الولايات المتحدة الأمريكية وذلك ضمن فئة الأداء المنخفض جداً.
وانعكس الأداء العالي نسبياً في جهود بعض الدول إزاء تغير المناخ على انبعاثاتها من غازات الدفيئة، إذ انخفضت كمية الانبعاثات من اليابان بنسبة 1.3% بين عامي 2016 و2017، كما وانخفضت بنسبة أكبر ما بين عامي 2017 و2018 وذلك بنسبة 3.1%. وكذا الحال بالنسبة إلى كمية الانبعاثات من دول الاتحاد الأوروبي وإن كان بنسبة أقل «0.2%». أما على الصعيد العالمي، فإن إجمالي انبعاثات غازات الدفيئة في العالم مازال في تزايد، إذ لا يبدو أن كمية هذه الانبعاثات ستنخفض في السنوات القليلة القادمة بحسب تقرير برنامج الأمم المتحدة للبيئة عن فجوة الانبعاثات والصادر في 2019. وتُشير البيانات إلى تزايد انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من الصين والهند مثلاً بين عامي 2016 و2017 وذلك بنسبة 2.1% و4.8% على التوالي.
ولا يخلو التقرير من جانب مشرق يتمثل في ارتفاع وعي الدول بضرورة اتخاذ إجراءات عاجلة حيال تغير المناخ، وتطور تقنياً تخفض الانبعاثات لتصبح أكثر فاعلية وأقل سعراً. كما وتوجد سبل أخرى لخفض انبعاثات غازات الدفيئة تتمثل في تقنيات الانبعاثات السالبة وتعزيز مصارف الكربون. ويُعلن العلماء بين الفينة والأخرى عن اكتشافات جديدة في هذا المجال، وهذا ما سيكون موضوع المقال القادم بمشيئة الله.
* فائدة:
قد لا يناسبنا ما قام به غيرنا إزاء تغير المناخ، فنحن لا نشتري الملابس دائماً وتناسبنا دون أية تعديلات. ولعل تفصيل الملابس قد يكون أفضل في بعض الأحيان من شرائها جاهزة رغم صعوبة الأمر، وكذا الحال بالنسبة لسياسات تغير المناخ. فليس المهم أن تكون سياساتنا تتناسب والاتجاه العالمي، إذ إنه ولكل دولة ظروفها الخاصة بها، ولكن المهم هو أن تتجه الانبعاثات نحو الانخفاض.
* أستاذ إدارة موارد الطاقة والبيئة المساعد – جامعة الخليج العربي
تشير التقارير الحديثة إلى أن العديد من دول العالم قد واصلت تبنيها لسياسات مختلفة تهدف إلى خفض انبعاث غازات الدفيئة، كما وتوسعت في استخدام تقنيات الطاقة المتجددة في عام 2019. فالسويد مثلاً قد أعلنت التزامها بهدف إنتاج الكهرباء بشكل كامل من مصادر الطاقة المتجددة بحلول عام 2040. وضمن جهودها لتحقيق هذا الهدف، شرعت السويد مؤخراً في بناء مزرعة رياح بتكلفة تصل إلى 7 مليارات دولار أمريكي وذلك على مساحة تبلغ نحو 450 كم2 في شمال البلاد بما يتيح إنتاج الكهرباء لخدمة نحو 400 ألف مسكن.
كما وقامت كندا بفرض ضريبة الكربون وجددت انتخاب الحزب الذي اقترح فرض هذه الضريبة، وهذا ما يؤكد على سعيها الجاد نحو خفض انبعاثاتها من غازات الدفيئة. وفي بريطانيا، فقد تم الإعلان عن وقف استخدام التكسير الهيدروليكي وذلك في استخراج النفط والغاز الصخري بصورة مؤقتة. كما وأعلنت فنلندا عن بدء التوقف في استخدام الفحم ليتم منعه نهائياً في عام 2029، وأعلن صندوق الثروة السيادية للنرويج تحوله عن الاستثمار في شركات التنقيب عن النفط والغاز. وأعلنت أسكتلندا عن وقف انبعاثات غازات الدفيئة في عام 2045، لا سيما وأن 70% من الطاقة المستخدمة في إنتاج الكهرباء حالياً فيها تأتي من المصادر المتجددة.
ومنذ شهر واحد تقريباً، صرَح وزير تغير المناخ في نيوزيلندا بأن جميع القرارات الرئيسة للدولة سيُنظر إليها من منظور تغير المناخ من الآن وصاعداً وذلك إضافة إلى المعايير الأخرى. ويأتي هذا التصريح بالنظر إلى تأثر هذه الجزر بالفيضانات والحرائق وذلك منذ الأسبوع الأول لدخول فصل الصيف. وسوف يكون إلزامياً على جميع المشاريع التي تستهدف خفض انبعاثات غازات الدفيئة أن تُجري تقييماً للتأثيرات المناخية المتوقعة. كما وذكر الوزير بأن وزارة تغير المناخ في نيوزيلندا قد قامت بتطوير أداة لتقدير الآثار المتوقعة وتقييم مدى فاعلية المشاريع المختلفة في خفض الانبعاثات، وسيتم مراجعة وتقييم هذه الأداة في هذا العام. وفي نوفمبر الماضي، وافق مجلس الوزراء النيوزيلندي على قانون يقضي بتصفير انبعاثات الكربون بحلول عام 2050، ووافق أيضاً على وقف منح تراخيص جديدة للتنقيب عن النفط والغاز في البحر. كما وتعهد المجلس بزراعة مليار شجرة بحلول عام 2028، وتوعد بفرض غرامات مالية على المزارعين ومربي الماشية في حالة عدم التزامهم بالحد من انبعاثات غازات الدفيئة في عام 2025.
وبعد استعراض مجموعة من الإجراءات التي تبنتها الدول في عام 2019 إزاء تغير المناخ، نطرح هذا السؤال: ما هو تقييم هذه الجهود؟ يُجيب عن هذا السؤال تقرير مؤشر أداء الدول إزاء تغير المناخ لعام 2020 والذي يؤكد على أنه لا توجد أية دولة قد حققت مستوى أداء مرتفع جداً في عام 2019، كما كان عليه الحال في السنوات الأربع الماضية. وهذا ما يعني أنه لا توجد أية دولة على مستوى العالم قد حققت مستويات عالية جداً فيما يتعلق بخفض الانبعاثات واستهلاك الطاقة بالإضافة إلى التشريعات المتعلقة بتغير المناخ والطاقة المتجددة. وفي المقابل، حقق عدد من الدول مستويات أداء عالية في مواجهة تغير المناخ وتأتي في مقدمتها السويد والدانمارك والمغرب. أما ذيل القائمة، فقد جاءت فيه الولايات المتحدة الأمريكية وذلك ضمن فئة الأداء المنخفض جداً.
وانعكس الأداء العالي نسبياً في جهود بعض الدول إزاء تغير المناخ على انبعاثاتها من غازات الدفيئة، إذ انخفضت كمية الانبعاثات من اليابان بنسبة 1.3% بين عامي 2016 و2017، كما وانخفضت بنسبة أكبر ما بين عامي 2017 و2018 وذلك بنسبة 3.1%. وكذا الحال بالنسبة إلى كمية الانبعاثات من دول الاتحاد الأوروبي وإن كان بنسبة أقل «0.2%». أما على الصعيد العالمي، فإن إجمالي انبعاثات غازات الدفيئة في العالم مازال في تزايد، إذ لا يبدو أن كمية هذه الانبعاثات ستنخفض في السنوات القليلة القادمة بحسب تقرير برنامج الأمم المتحدة للبيئة عن فجوة الانبعاثات والصادر في 2019. وتُشير البيانات إلى تزايد انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من الصين والهند مثلاً بين عامي 2016 و2017 وذلك بنسبة 2.1% و4.8% على التوالي.
ولا يخلو التقرير من جانب مشرق يتمثل في ارتفاع وعي الدول بضرورة اتخاذ إجراءات عاجلة حيال تغير المناخ، وتطور تقنياً تخفض الانبعاثات لتصبح أكثر فاعلية وأقل سعراً. كما وتوجد سبل أخرى لخفض انبعاثات غازات الدفيئة تتمثل في تقنيات الانبعاثات السالبة وتعزيز مصارف الكربون. ويُعلن العلماء بين الفينة والأخرى عن اكتشافات جديدة في هذا المجال، وهذا ما سيكون موضوع المقال القادم بمشيئة الله.
* فائدة:
قد لا يناسبنا ما قام به غيرنا إزاء تغير المناخ، فنحن لا نشتري الملابس دائماً وتناسبنا دون أية تعديلات. ولعل تفصيل الملابس قد يكون أفضل في بعض الأحيان من شرائها جاهزة رغم صعوبة الأمر، وكذا الحال بالنسبة لسياسات تغير المناخ. فليس المهم أن تكون سياساتنا تتناسب والاتجاه العالمي، إذ إنه ولكل دولة ظروفها الخاصة بها، ولكن المهم هو أن تتجه الانبعاثات نحو الانخفاض.
* أستاذ إدارة موارد الطاقة والبيئة المساعد – جامعة الخليج العربي