قال الصديق: ألم تلاحظ أن الجميع سكت خلال هذه الجائحة الرهيبة، وبوجه خاص رجال الدين، وفي المقابل ارتفع صوت العلم والعلماء؟
قلت: نعم ارتفع صوت العلماء لأن المطلوب منهم العمل على إنقاذ البشرية من هذا الوباء، ولكن من الطبيعي وقت الأزمات والكوارث والمصائب الكبرى التي تحل بالبشر أن يتوقف الإنسان لحظة، وهو مندفع في عيشه اليومي، ليلتقط الأنفاس للحظة، ويلتفت يميناً وشمالاً بحثاً عن لحظة تأمل في الحياة وقيمتها، والوجود ومعناه. ففي العادة يكون أغلب الناس غارقين في دورة الحياة اليومية، ويتصرفون، وكأنهم يعيشون أبداً، فنادراً ما يلتفتون إلى القضايا الوجودية، إلا من كانوا من المنهمكين في عمق الروحانيات أو التأمل في الحياة. ولكن منذ اللحظة التي تبين فيها أن هذا الوباء القاتل ينتشر وكأنه الزلزال الذي يبقي ولا يذر بتوابعه التي تزلزل الأرض زلزالها، حتى بدا العديد من بني البشر يبحثون عن منقذ من الضلال، لهدايتهم إلى لحظة تنوير روحي، تخفف عنهم هول العدم الداهم. فحتى في البلدان الغربية المتقدمة وما تمتلكه من إمكانيات مادية وعلمية هائلة، فإن هذا الهول الجديد قد اكتسحها وباتت قوافل الضحايا والمصابين بلا حدود. وازدادت وتيرة «العائدين إلى الإيمان الديني»، بشكل أو بآخر، خاصة في ظل الأزمات النفسية بسبب وقوع الابتلاءات العديدة في حياة الإنسان والتي لا يجد لها رداً ويمتلك معها حيلة. حتى في تلك البلدان التي أقامت نظام حياتها على نوع من الإلحاد، بناء على التطور الحضاري لهذه المجتمعات والذي ارتبط بتاريخ طويل من الصراع مع الكنيسة ومع الدين، مما رسخ فكرة أن «الدين حاجز أمام جميع أشكال التقدم وأن الإلحاد والتخلص من الدين هو الوسيلة المثلى لمواصلة الحضارة الغربية الحديثة رحلتها في مسار تحرير الإنسان». ففي الولايات المتحدة الأمريكية تجتهد العلوم اليوم في البحث عن «جين» مفترض للإيمان، وفي فرنسا يزدهر سوق السحرة والعرافين «أكثر من أربعين ألف عراف وقارئ للكف يعملون اليوم، بشكل رسمي وبترخيص حكومي، ولهم مكاتب ومواقع إلكترونية معلومة، ويقبل عليها جمهور واسع من الناس بحثاً عن مستقبل مجهول في غياهب الغيب. وفي كل مكان من العالم تقريباً يعود «الإيمان بمختلف تعبيراته» بشكل كاسح في حياة المجتمعات، بما يعيد على المستوى الفلسفي البحث في السؤال القديم الجديد: هل يعتبر «الإيمان الروحي» حاجة غريزية في حياتنا؟
العلم والعقلانية والشيوعية -بالرغم من اختلافهم جذرياً- لم تتمكن مطلقاً من لجم فكرة الإيمان -بغض النظر عن شكل هذا الإيمان- ولا الحد من تأثير الأديان وتأثير المعتقدات الإيمانية للبشر، ولا في انتزاع الإيمان من قلوب المؤمنين. وذلك لأنه عندما تتعقد الحياة وتتعدد المرجعيات يصبح من السهل أكثر إلقاء الهواجس على «قوة عظيمة» خفية، وإن قوة الاعتقاد، تمكن الإنسان على الأقل من مواجهة «قوة العدم الجبارة» باعتبارها «صفة وجودية مضادة للحياة».
لقد عملت الفلسفة والعلوم على مواجهة «اللاعقلانية» في حرب لا هوادة فيها، بعد أن أسقط داروين «مقررات» الإنجيل عن «الخلق»، وبعد أن أعلن نتشه بأن «فكرة الآلهة» قد اخترعت لمعاكسة الإنسان، والحد من طموحه وإخضاعه للقوى الغبية، وبعد أن أكد فرويد بأن المعتقدات الإيمانية للناس هي مثل حالة «النيفروز» الكونية التي ستشفى منها الإنسانية مع تقدمها وتطورها. وبالرغم من ذلك، فإن هذه النظريات يتراجع أثرها اليوم في الفلسفة، وفي الفكر وفي الممارسة الاجتماعية، بعكس الاعتقاد في وجود «الله» الذي يتأكد يوماً بعد يوم، حيث الإنسان يمضي في التعلق بالإيمان بالخالق والاعتقاد بحياة أخرى، مهما كان نوع هذا الإيمان ومسماه، فالكل يتحدث عن «المهندس» الذي «برمج» الحياة والوجود، وأعطاهما معنى وقيمة.
* همس:
كل صباح
أبحث عن وجهي،
أغسل ماعلق به
من غبش الليل،
ولهفة اللحظة الهاربة.
أخوض آخر معاركي الصغيرة
مع الغيمة المسافرة
بلا وداع.
قلت: نعم ارتفع صوت العلماء لأن المطلوب منهم العمل على إنقاذ البشرية من هذا الوباء، ولكن من الطبيعي وقت الأزمات والكوارث والمصائب الكبرى التي تحل بالبشر أن يتوقف الإنسان لحظة، وهو مندفع في عيشه اليومي، ليلتقط الأنفاس للحظة، ويلتفت يميناً وشمالاً بحثاً عن لحظة تأمل في الحياة وقيمتها، والوجود ومعناه. ففي العادة يكون أغلب الناس غارقين في دورة الحياة اليومية، ويتصرفون، وكأنهم يعيشون أبداً، فنادراً ما يلتفتون إلى القضايا الوجودية، إلا من كانوا من المنهمكين في عمق الروحانيات أو التأمل في الحياة. ولكن منذ اللحظة التي تبين فيها أن هذا الوباء القاتل ينتشر وكأنه الزلزال الذي يبقي ولا يذر بتوابعه التي تزلزل الأرض زلزالها، حتى بدا العديد من بني البشر يبحثون عن منقذ من الضلال، لهدايتهم إلى لحظة تنوير روحي، تخفف عنهم هول العدم الداهم. فحتى في البلدان الغربية المتقدمة وما تمتلكه من إمكانيات مادية وعلمية هائلة، فإن هذا الهول الجديد قد اكتسحها وباتت قوافل الضحايا والمصابين بلا حدود. وازدادت وتيرة «العائدين إلى الإيمان الديني»، بشكل أو بآخر، خاصة في ظل الأزمات النفسية بسبب وقوع الابتلاءات العديدة في حياة الإنسان والتي لا يجد لها رداً ويمتلك معها حيلة. حتى في تلك البلدان التي أقامت نظام حياتها على نوع من الإلحاد، بناء على التطور الحضاري لهذه المجتمعات والذي ارتبط بتاريخ طويل من الصراع مع الكنيسة ومع الدين، مما رسخ فكرة أن «الدين حاجز أمام جميع أشكال التقدم وأن الإلحاد والتخلص من الدين هو الوسيلة المثلى لمواصلة الحضارة الغربية الحديثة رحلتها في مسار تحرير الإنسان». ففي الولايات المتحدة الأمريكية تجتهد العلوم اليوم في البحث عن «جين» مفترض للإيمان، وفي فرنسا يزدهر سوق السحرة والعرافين «أكثر من أربعين ألف عراف وقارئ للكف يعملون اليوم، بشكل رسمي وبترخيص حكومي، ولهم مكاتب ومواقع إلكترونية معلومة، ويقبل عليها جمهور واسع من الناس بحثاً عن مستقبل مجهول في غياهب الغيب. وفي كل مكان من العالم تقريباً يعود «الإيمان بمختلف تعبيراته» بشكل كاسح في حياة المجتمعات، بما يعيد على المستوى الفلسفي البحث في السؤال القديم الجديد: هل يعتبر «الإيمان الروحي» حاجة غريزية في حياتنا؟
العلم والعقلانية والشيوعية -بالرغم من اختلافهم جذرياً- لم تتمكن مطلقاً من لجم فكرة الإيمان -بغض النظر عن شكل هذا الإيمان- ولا الحد من تأثير الأديان وتأثير المعتقدات الإيمانية للبشر، ولا في انتزاع الإيمان من قلوب المؤمنين. وذلك لأنه عندما تتعقد الحياة وتتعدد المرجعيات يصبح من السهل أكثر إلقاء الهواجس على «قوة عظيمة» خفية، وإن قوة الاعتقاد، تمكن الإنسان على الأقل من مواجهة «قوة العدم الجبارة» باعتبارها «صفة وجودية مضادة للحياة».
لقد عملت الفلسفة والعلوم على مواجهة «اللاعقلانية» في حرب لا هوادة فيها، بعد أن أسقط داروين «مقررات» الإنجيل عن «الخلق»، وبعد أن أعلن نتشه بأن «فكرة الآلهة» قد اخترعت لمعاكسة الإنسان، والحد من طموحه وإخضاعه للقوى الغبية، وبعد أن أكد فرويد بأن المعتقدات الإيمانية للناس هي مثل حالة «النيفروز» الكونية التي ستشفى منها الإنسانية مع تقدمها وتطورها. وبالرغم من ذلك، فإن هذه النظريات يتراجع أثرها اليوم في الفلسفة، وفي الفكر وفي الممارسة الاجتماعية، بعكس الاعتقاد في وجود «الله» الذي يتأكد يوماً بعد يوم، حيث الإنسان يمضي في التعلق بالإيمان بالخالق والاعتقاد بحياة أخرى، مهما كان نوع هذا الإيمان ومسماه، فالكل يتحدث عن «المهندس» الذي «برمج» الحياة والوجود، وأعطاهما معنى وقيمة.
* همس:
كل صباح
أبحث عن وجهي،
أغسل ماعلق به
من غبش الليل،
ولهفة اللحظة الهاربة.
أخوض آخر معاركي الصغيرة
مع الغيمة المسافرة
بلا وداع.