لا شيء كالمصارحة والشفافية في التعاطي مع المعلومات الهامة عند الشعوب في أوقات الأزمات، فمنذ اللحظة الأولى لانتشار هذه الجائحة العالمية أخذت الدول منحنيين: أحدهما المصارحة المطلقة دون إخفاء أي صغيرة ولا شاردة أو واردة إلا أعلنت عنها لشعوبها، وثانيهما الإخفاء وتجنب المصارحة والتردد والتأخر سواء على شعوبها أو على المجتمع الدولي. والنتائج واضحة للعيان، دول نالت احترام العالم، ودول سقطت سقوطاً ذريعاً بامتحان الأخلاق.

كيف للمكاشفة أن تنقذ شعباً بأكمله؟ وكيف للكذب والتعتيم أن يهلك شعباً آخر؟ وكيف للمكاشفة أن تبني جسوراً من الثقة ممتدة بين الحكومات وشعوبها وبين الدولة والمجتمع الدولي؟ وكيف للكذب مهما كان حبله طويلاً أن ينكشف ويهدم الثقة في تلك الحكومات داخل دولها ومع المجتمع الدولي؟

أثبتت هذه الجائحة أن الحكومات بحاجة لتعاون شعوبها معها في كبح انتشار الوباء، ودون مصارحتها وكونها مصدراً موثوقاً للمعلومات، فإن هذا التعاون سيكون صعباً.

لأن الحكومات في هذه الظروف تحتاج إلى تسليم مطلق وكامل من الشعوب لزمام أمرها، وإلى أن تتخلى الشعوب عن كثير من حقوقها وحرياتها كالتنقل والحركة والعمل وحتى التعبير والكلام لحكوماتها وهي على ثقة تامة بأنها تستند إلى جهة تعمل لصالحها ومن أجل سلامتها، لهذا، فإن أي اهتزاز وضعضعة لتلك الثقة المطلقة بإمكانها أن تعرقل هذا التسليم وتجعل من الشعوب فعل مقاومة مما يعني انتشاراً للوباء وهلاكاً لتلك الشعوب، والأخطر أن هذا التصرف يعد تهديداً لا لتلك الشعوب وحسب، بل للعالم أجمع!

درجة الشفافية تتضح من دقة المعلومات وعدم تضاربها وسرعة تقديمها وبساطة شرحها وخطابها المباشر وخطوط التواصل المفتوحة مع العامة ومع المجتمع الدولي أيضاً، وما ذلك إلا للارتباط الشديد بين الشعوب وتاثير أحدها في الآخر بشكل كبير جعل من العالم قرية صغيرة فعلياً.

درجة الشفافية تتضح من المصارحة الشديدة أياً كانت خطورة المعلومات أو بشاعتها أو مقدارها الصادم، هذه الدرجة من الشفافية هي التي تزرع الثقة في الإجراءات، والثقة في مصدر تلك الإجراءات والتعليمات وليس أن تجعل من المصدر جهة لاستقصاء المعلومات فقط، بل تجعله مصدراً لاتخاذ القرارات نيابة عنها والتسليم له بصحتها وسلامتها، وهذا ما جعل بعض الدول تنجح في توحيد الجهود الرسمية والشعبية وتجعل من الشعوب سنداً لحكوماتها.

البحرين على سبيل المثال، حيث كانت المصارحة والشفافية وسرعة تقديم المعلومات ومصدرها وخطوطها المفتوحة عنصراً من عناصر التسليم المطلق للمواطنين والمقيميين للحكومة البحرينية دون مقاومة أو تشكيك في إجراءاتها، بل كان البحرينيون مدافعين في كثير من الأحيان عن محاولة قام بها بعضٌ في البداية للتشكيك أو التقليل من الجهود.

المكسب لم يكن محلياً فقط، أي إن الشعبية والإشادة لم تكونا بين الحكومة وشعبها في البحرين، فدرجة المصارحة والمكاشفة في الإفصاح عن جميع البيانات وتوقيتها كان عنصراً أساسياً للمكانة الدولية التي اكتسبتها الحكومة البحرينية في تعاملها مع أزمة عالمية لا تختص بها وحدها فقط.

أثبتت هذه الجائحة أن التعاون الدولي مسألة ضرورية وحتمية إن أردنا أن نعيش على هذا الكوكب، وأن الأهمية والمكانة والثقة والمصداقية والاحترام، بل وحتى حجم التأثير، لم تعد لتلك الدول التي تمتلك القوة العسكرية والتي تغزو الفضاء وتمتلك المصانع والتجارة، بل هي لتلك الدولة التي تحترم شعوبها وتحترم العالم وتتعاون معه إلى أقصى درجة.

شكراً وطني.. شكراً حكومة مملكة البحرين.

* هامش:

الصدق منجاة، والكذب مهواة، والشر لجاجة، والحزم مركب صعب، والعجز مركب وطيء.

أكثم بن صيفين وهو القائل: «تباعدوا في الدار تقاربوا في المودة»!!