قدم رئيس جهاز الاستخبارات التركية هاكان فيدان استقالته اليوم من منصبه، من أجل الترشح للانتخابات البرلمانية القادمة، المقرر إجراؤها في السابع من يونيو المقبل.وتنص اللائحة القانونية، التي أعلنتها اللجنة العليا للانتخابات بشأن الانتخابات البرلمانية، أنه يجب على المتقدمين بطلبات الترشيح الاستقالة من مناصبهم الحكومية حتى تاريخ أقصاه 10 فبراير الحالي.ويصادف يوم تقديم فيدان استقالته من منصبه التاريخ الذي استدعي فيه للتحقيق معه حول لقائه مع أعضاء في حزب العمال الكردستاني في العاصمة النرويجية قبل سنوات. وتناقلت العديد من وسائل الإعلام حينها احتمال محاكمته بتهمة التعامل مع تنظيم إرهابي، وهي تهمة تصل إلى الخيانة العظمى، واعتبرت الحادثة تلك السبب المباشر لضرب العلاقة المتوترة أصلاً بين الحكومة برئاسة رجب طيب أردوغان وقتها، وجماعة التنظيم الموازي الذي يرأسه فتح الله كولن المقيم في الولايات المتحدة الأميركية.والسؤال الذي يطرحه المراقبون لماذا يتخلى فيدان المعروف برجل تركيا القوي عن أهم إدارة في مؤسسات الدولة التركية؟ فأهمية المنصب تكمن أيضاً في أهمية ومحورية الملفات التي تقع مسؤولياتها على عاتقه، وهي الملفات الأخطر والأهم على أجندة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والحكومة، وتحديداً عملية السلام مع الأكراد ومكافحة الكيان الموازي.وسبق وأن تم تداول اسم هاكان فيدان لتولي حقيبة الخارجية في حكومة أحمد داود أوغلو. فمن المعروف أن القانون التركي لا يلزم أن يكون الوزراء نواباً، إلا في منصب رئاسة الحكومة، وعضوية البرلمان مجرد عنوان لتولي الحقائب الوزارية. وجرت العادة أن يكون الوزراء نواباً في البرلمان بحسب العرف السياسي في البلاد.وبالتالي، فمن المسلمات أن فيدان يستعد لتولي منصب وزاري في الحكومة التي ستشكل بعد الانتخابات، ويبقى احتمال أن يكون هو رئيس الوزراء القادم أمراً مرجحاً، وبذلك يمكن فهم استقالته الحالية بأنها مبررة لا سيما إذا تمكن حزب العدالة والتنمية من الحصول على الأغلبية التي تمكنه من إجراء التعديلات الدستورية، وجعل تركيا بنظام رئاسي، وحينها يكون دور رئيس الحكومة القادم إداري أكثر منه سياسي.فمن هو حقان فيدان والذي يصفه كثيرون برجل تركيا القوي؟شهد العام 2010 تحولاً كبيراً في الاستخبارات التركية، حين أعلن رجب طيب أردوغان، والذي كان يشغل منصب رئيس الوزراء آنذاك، تعيين مستشاره حقان فيدان على رأس الأجهزة الاستخباراتية التركية، واصفاً إياه بـأنه حافظ أسرار الدولة.ويعد فيدان القوة الدافعة الحقيقية وراء دور تركيا في العديد من الملفات الإقليمية. وأشارت صحيفة "وول ستريت جورنال" إلى أن المفاوضات التي جرت بين فيدان وقادة الـ PKK حزب العمال الكردستاني، في أوسلو قبل سنوات تمخضت عن اتفاق مصالحة تاريخي بين الجانبين، إلا أنهم أوصوا بالحذر عند التعامل معه.وقد يكون اسم حقان فيدان جديدا على الساحة العربية والشرق أوسطية، لكنّه في الحقيقة لاعب رئيسي في كثير من الأحداث التي تؤثر فيها تركيا اليوم، منذ حادثة أسطول الحرية والخلاف بين إسرائيل وتركيا، ووصولا إلى الربيع العربي.وقالت إسرائيل إن رئيس المخابرات التركية هو صاحب فكرة الأسطول والمخطط الرئيس لها. وأبدت تل أبيب تحفظها منذ تعيين حقان فيدان، على اعتبار أنه كان قد شارك في المفاوضات السرية للملف النووي الإيراني ومفاوضات السلام غير المباشرة والسرية بين سوريا وإسرائيل، واتهمه مسؤولون إسرائيليون بمحاباة طهران.أما سفير للولايات المتحدة الأميركية في تركيا والعراق جيمس جيفري فقال إن "فيدان هو وجه الشرق الأوسط الجديد. وعلينا أن نعمل معه لأنه يستطيع إنهاء المهام، لكن لا يجب افتراض أنه الصديق الساذج للولايات المتحدة، لأنه ليس كذلك،"، بينما وصفه الخبير في شؤون الاستخبارات إيمري أوسلو بأنه "أقوى كثيراً من أي وزير، بل إنه أقوى من الرئيس عبدالله غول نفسه".وتزامن ظهور حقان فيدان مع بداية الاندفاع التركي في السياسة الخارجية التركية في عهد رئيس الوزراء أردوغان آنذاك. فبعد نجاحات أنقرة الكبيرة في مجال الاقتصاد ولتلبية حاجات دور تركيا المتنامي، الأمر الذي يتطلب جهداً مخابراتياً، يتركز عمله بالأساس، على العمل الخارجي. ومن هنا تمت إعادة بناء الاستخبارات التركية بقيادة رئيس جديد مقرب من الحكومة وتقسيمها إلى جهازين، أحدهما للداخل والآخر للخارج، على غرار مكتب التحقيقات الفيدرالي ووكالة المخابرات المركزية، لتعزيز حضور تركيا في المناطق الساخنة، بدءاً من الشرق الأوسط وروسيا والقوقاز وآسيا الوسطى وأفريقيا وحتى الأميركيتين وأوروبا وإسرائيل.وتم تعيين فيدان على رأس الاستخبارات التركية في 27 أيار مايو 2010. وكان قد ترأس في السابق الوكالة التركية للتعاون والتنمية، كما شغل منصب وكيل الشؤون الخارجية لدى رئيس الوزراء التركي، ومثّل تركيا لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهو من المقربين كذلك لرئيس الوزراء أحمد داود أوغلو.ويتداول اسم فيدان في الصحافة التركية خلافاً لرجال الاستخبارات السابقين الذين غالباً ما كانت أسماؤهم مخفية. وتعيين المستشار السابق للسياسة الخارجية التركية ليس الانقلاب الوحيد في جهاز المخابرات التركية، بل إن الانقلاب الأكبر يبرز في أن فيدان، رغم أنه كان ضابط صف سابق، إلا أنه عين بصفته مسؤول مدني، وليس مسؤولاً من الجيش، في خطوة زادت من الفجوة بين رجال الجيش، ذوي الميول الأتاتوركية، الذين كانون يحكمون قبضتهم على أهم معاقل الدولة التركية ورئيس الحكومة.وفيدان هو المستشار الثاني الذي يعتلي ذلك المنصب من خارج المؤسسة الاستخباراتية، حيث كان تبتان جوسال هو المستشار الأول الذي عيّن من خارج المؤسسة عام 1992.ومن خلال خلفيته الأكاديمية والعسكرية استطاع فيدان إدخال تعديلات كبيرة في تكوين جهاز المخابرات، وأقنع أردوغان بتجميع جميع أجهزة المخابرات في الخارجية والأمن والجيش تحت جهاز المخابرات العامة، الأمر الذي أزعج الأوساط في الأمن والجيش.وترجح العديد من التقارير الإخبارية أن الجهود الاستخباراتية التي بذلها فيدان كانت وراء الإفراج عن الرهائن اللبنانيين التسعة بعد احتجازهم 17 شهراً لدى معارضين سوريين.