لفت انتباهي مؤخراً، منشور يوزع إلكترونياً عبر وسائل التواصل الاجتماعي مصدق من مجلس الصحة لدول مجلس التعاون الخليجي بعنوان وتستمر الحياة، وتحت هاشتاق #العودة_ بعد_ الكورونا ، يوضح للناس التعليمات الخاصة بالرجوع التدريجي للحياة مع تأصيل فكرة التباعد الاجتماعي وإعادة المفاهيم الصحية للناس عبر الممارسات الجديدة للتأقلم مع ظاهرة انتشار فيروس كورونا، والتعايش معه حتى لو لا قدر الله، إذا استمر معنا لسنين وهو في تقديري أضعف الاحتمالات.

ما احتواه المنشور من أفكار، أغلبها كانت صحية، لكن لها طابع مبهج بألوان كريكاتورية، ولشدة استغرابي أنه انتشر بشكل قياسي لدى جميع مواطني دول مجلس التعاون الخليجي، وكأنه يهيئ الناس نفسيا لما بعد رمضان بصورة فطرية بتقبل العودة إلى الحياة وممارسة كل أنواع الرفاهية التي حرمت مجتمعاتنا منها لفترة بسيطة من الزمن في إطار الإجراءات الاحترازية للوقاية من الفيروس.

اللافت في الموضوع، هو القرار والعمل الموحد لدى منظومة مجلس التعاون، على الرغم من سوء الأحوال والانهيارات العالمية، وحتى الاعتماد على شبكات الاتصال عن بعد فقط، حيث أثبتت الإجراءات التصاعدية الأخيرة حسن تدبير صناع القرار في المنطقة.

من الواضح، أن استشرافي في المقالات السابقة، قد يوحي لنفس النمط الذي توقعته حتى بعد أزمه كورونا بثبات منظومة مجلس التعاون الخليجي وخسارة من لم يحالفهم الحظ بأن يكونوا جزءًا من هذه المنظومة حتى وسط هذه الظروف التي تعتبر جداً قاسية عالميا، إلا أنه من الواضح - وعلى الرغم من انتشار الفيروس وتأثير الوباءـ أن العمل الميداني الموحد لصناع القرار الخليجي مازال في أوج قوته ومازال يحتفظ بنفس بريقه ولربما بلمعان إضافي أيضاً.

إن التوجه لإعادة الحياة في مفاصل دول الخليج باعتبارها دولة واحدة، هو أفضل قرار تاريخي قد أصنفه، وقد لا يحتاج تصنيفا؛ لأنه معمول به سابقاً، وقد نراه واضحا أكثر الآن بعدما أجبرت أزمة كوفيد 19 جميع الدول المبنية على نظام السياحة والهجرة بأن تغلق أبوابها في شعارات مناهظة إلى العالمية والعولمة، إلا أن أساس دول مجلس التعاون لربما مختلف نظراً لثروات البلد الطبيعية وتقاربها الاجتماعي، إضافة إلى سيادتها وحزم الحكم في تذليل الصعوبات لرفاهية الشعوب والمواطنين وهو ليس بالجديد على قادة دول الخليج.

الحسابات الاقتصادية، ليست بمنأى عن البشرية ولكن وجد الاقتصاد لكي يخدم البشرية، وطالما كنت أميل في مقالات السابقة إلى انتقاء الأحداث وتأثيرها على المجتمع ومن ثم الدولة ومن بعدها منظومة مجلس التعاون الخليجي، ليقيني بأنه من الصعب جدا احتساب قصص النجاح بدون عواملها الأساسية.

ومن ضمن توقعاتي الماضية باستمرارية الحياة قريباً حتى بدون فرضية القضاء على الفيروس نهائياً، إلا أن التعايش مع الفيروس سيكون أقرب إلى تعايش مع الأوبئة المزمنة والتي فتكت بالبشرية مسبقا، ولكن فطرة الإنسان إلى العمل والتعايش وحب التعمير والتكاثر مازالت قوية وتجعله تاريخياً يتحدى أي وباء عظيم مر على تاريخ البشرية.

الخسارات الاقتصادية كبيرة نعم، لكن في اعتقادي الخاص أن البشرية أو الدوللم تخسر الإنتاجية بدليل ثبات معدلات النمو، كما إن قرارات العودة إلى الحياة تدريجياً، سيحسن فرص الاستثمار وخصوصاً مع إغلاق المؤسسات والشركات العملاقة المترهلة فقط، والتي باتت لا تناسب شكل الأسواق المعاصرة على الرغم من أني ضد الاعتماد على الاقتصاد الإفتراضي الذي من شأنه أن يخلق أزمة بطالة عالمية تتحدى الكساد العظيم من بعد 2014 على يحسب تحليلاتي.

إن كثيراً من الشركات العالمية أودعت قرارات إعلان الإفلاس لدى مقار منشآتها في توجه لحل الشركة والتسوية مع المساهمين، وهو أمر طبيعي، لأن شكل الشركات العملاقة لا يتناسب مع الأسواق المعاصرة التي ستضيق وستغلق.

ومن هنا نستبشر بأننا على أعتاب مرحلة تملؤها فرص استثمارية جديدة، بإقامة كيانات اقتصادية جديدة، وتصاعد وجوه استثمارية جديدة وتختفي الكيانات القديمة التي أعطت بما فيه الكفاية، وأدت دورات اقتصادية متلاحقة وتنشط فيها السياحة الخليجية بشكل كبير لا يصدق ويضاعف فيه الإنتاج المحلي والخليجي، خصوصا أننا دول مستهلكة وتملك ثروات طبيعية ومجتمعات فتية، حيث إن العدو الفيروسي البشري الحالي سيربحنا مستقبلا أكثر مما قدم على الخسارات العالمية!!!

بتول شبر - سيدة أعمال ومحللة إقتصادية

batyshubbar@gmail.com