كان يحدثه دائماً عن أعماله «العالقة» التي يقضي ساعات طوال لينجزها. بعضها كان ينسف وقته طوال أيام وشهور، وبعض تطلعاته تفرض عليه أن يعيش في «دوامة» لا تنتهي، بمعنى أنه في كل لحظة تفكير، في كل ثانية، حتى في منامه، تجده في «حالة انتظار»، وعليه كانت «حالة الاستقرار» لديه «مستحيلة»، بل نهاية طريق لن يتمكن إطلاقاً من الوصول لها!

أركبه سيارته، وقاد به حتى المقبرة، توقف عند بابها وأشار لها وقال: «أغلب هؤلاء الأموات، كانت لديهم أعمال لم ينجزوها»!

نظرة حيرة على وجهه، ترجمتها سؤال مفاده «ماذا تعني»؟! فكانت الإجابة بكلمتين «الحياة قصيرة»!

نعم، حياتنا قصيرة، بمقارنة مداها الزمني وبرغبة البشر الأثيرة للبقاء «مخلدين»، لكن رغم قصرها، إلا أن كثيراً من الناس، وقد نكون منهم، لا يدرك أهمية استثمار الوقت فيها بما يجعله «يثمن» و«يقدر» وجودها فيها، ويحولها بالتالي إلى «حالة مطاردة» لأمور يرى تحقيقها هو «الهدف من الحياة»، بدلاً من أن تكون «إضافات جانبية» على الحياة نفسها، تلك التي عليه أن يعيشها دون ربطها «بقائمة انتظار»!

مازالا في مواجهة المقبرة، ينظر إليه بحيرة، ماذا أفعل؟! أولست أعيش حياتي كسائر البشر؟! أهناك «نمط» أو «أنماط» أخرى أفضل؟!

الحياة جداً قصيرة، استثمارك لوقتها في إسعاد نفسك ومن تحب، هو الهدف الأثير والأجمل، لا الركض والانشغال كل الوقت بملاحقة الطموحات والأحلام، وكأن عدم تحقيقها يفرض عليك ألا تعيش فرحاً سعيداً، و«هادئاً» في قرارة نفسك.

الحياة جداً قصيرة، فلا «تعذب» عقلك أو «تُشقي» روحك بالمشاعر «السلبية»، ابتعد عن الأشخاص السلبيين، ابتعد عن الأفكار السوداوية، أغلق أذنيك عن الشائعات وأهلها، امسح من حياتك كل إنسان لم تجده بقربك في مواقف تكشف «المعادن الحقيقية» للناس، وتمسك فقط بأصحاب المبادئ والشرف، لا تقصر في عملك، لكن لا تجعله محور حياتك، فالمحور والأصل سعادتك، وسعادة عائلتك ومن تحب.

في النهاية الحياة قصيرة، سنمضي وكثير من الأعمال لم ننجزها، وكثير من الأحلام لم نحققها، لكن لنمضي وقد عشنا لحظاتها بسعادة وفرح وقناعة، مع من نحب، ومع من يستحق أن نمنحه مساحة من وقتنا المحدود.