تأتي زيارة حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى إلى المملكة الأردنية الهاشمية الشقيقة، لتؤكد أن البحرين، قيادة وحكومة وشعبا، تقف قلبا وقالبا مع الأردن في مواجهته للإرهاب الذي حاول النيل من مواطنيه، مهددا وحدتهم واستقرار مجتمعهم، وأنها ستقدم كل عون ممكن لشقيقتها الأردنية، لا سيما قواتها المسلحة، في حربها الضروس دفاعا عن التراب والشعب الأردني والدين الإسلامي الذي تحاول فئة غاصبة تتدثر برداء الدين، وهو منها براء، اختطافه والنيل منه.وتعكس الزيارة المرتقبة تجسيدا واقعا على أن مملكة البحرين، وفي مقدمتها جلالة العاهل المفدى، لن تقف مكتوفة الأيدي أمام مثل هؤلاء الذين يتسببون بممارساتهم الإجرامية والوحشية في إشاعة الفوضى في المنطقة والعالم، خاصة أن البحرين نجحت في اجتياز أحداث وممارسات مريرة على غرارها، وأنها لن تتوانى عن تقديم الغالي والنفيس لمساعدة الأشقاء الأردنيين في مجهوداتهم ضمن التحالف الدولي ضد الإرهاب، مؤكدة تضامنها الواضح والصريح مع كل ما تراه الأردن مناسبا لها للدفاع عن حياض وطنها وحماية أمنه واستقراره، سيما أن للأردن دورا رائدا وطليعيا بحاجة للمساندة والمؤازرة، وذلك للتصدي لمواقع ومراكز ما يسمى بتنظيم "داعش" الإرهابي.في الحقيقة، ليس بغريب على القيادة الرشيدة أن تعلنها مدوية أنها تقف بجانب كل جهود الدعم والنصرة التي تقدمها الدول العربية والإسلامية للشقيقة الأردنية، حيث يحفل سجل البحرين الناصع بالعديد من البراهين الساطعة على أنها تغيث الملهوف، وتجيب المضطر، وتساند أي خطط وبرامج تسهم في رفعة الإنسانية وتساعد البشرية وتحمي القيم الإسلامية، وأنها لا تنسى أبدا من يقف بجانبها، وأنها تعمل بكل ما أوتيت من قوة لتعزيز حائط الصد العربي والإسلامي والعالمي في مواجهة من يسعى لتجيير القيم الدينية الأصيلة التي تدعو للعدل والتسامح لصالح فئة مأجورة لا يعلم غير المولى عز وجل من تعمل لصالحه، ولحساب من تمارس مثل هذه الأفعال الشنعاء، التي أثارت اشمئزاز الرأي العام العالمي بأجمعه، ووضعت كل المؤمنين بالإسلام في خانة واحدة، هم منها بعيدون بعد المشرقين.وتتجلى هذه المعاني والمواقف البحرينية العظيمة بشكل أكثر وضوحا مع الأردن الشقيق، وذلك لأكثر من اعتبار:أولها: قدم وتجذر العلاقة التاريخية الوطيدة بين البلدين التي أرسى دعائمها سمو الأمير الراحل الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة وملك مملكة الأردن الشقيق الراحل الملك حسين بن عبد الله، طيب الله ثراهما، والتي جعلها الأبناء نموذجا لما يجب أن تسير عليه العلاقات بين الأشقاء والأصدقاء، خاصة بين الدول العربية والإسلامية، حيث حافظ جلالة العاهل المفدى الملك حمد بن عيسى آل خليفة والملك عبد الله بن الحسين على أركان هذه العلاقات، ولم يدخرا جهدا في تنميتها وتطويرها ليؤكدا للقاصي والداني أنهما خير خلف لخير سلف، وأن رغبة الآباء المؤسسين، رحمهما الله، ستظل نبراسا ومنهاج عمل يقتديان ويهتديان به، وهو ما يجسد عمق العلاقات الأخوية التي تربط زعيمي البلدين.ويؤكد هذا المعنى ويوضحه أن الأردن الشقيق يعد الأكثر قربا من الدول الخليجية عامة، والبحرين بشكل خاص، سواء على صعيد تاريخ العلاقات وتشعبها أو على صعيد القيم والفكر والرؤى والمواقف المتناغمة إزاء المشكلات والملفات المختلفة، الإقليمية ومنها والدولية، ولعل زيارة العاهل الأردني للمنامة ولقائه جلالة العاهل المفدى في نوفمبر الماضي، حيث لم يمر أكثر من شهرين على الزيارة المرتقبة يوم الغد، تمثل دليلا واضحا على أن قيادات الدول الواعية والمتبصرة بحاجات دولها وشعوبها بمقدورها نقل العلاقات والتفاعلات من مرحلة لأخرى، والمضي بها قدما للإمام، بل والقفز بها خطوات وخطوات أكثر اتساعا ورحابة، وبما يسهم ويساعد في تلبية تطلعات الشعبين الشقيقين ومن أجل خيرهما ورفاهتهما في الحاضر والمستقبل سواء بسواء.ثانيها: مسعى قيادات البلدين التاريخي، والذي استمر حتى اليوم وبوتيرة منتظمة دون توقف، لتمثل البلدان لكل منهما المرجعية والعمق الاستراتيجي للآخر، وهو أمر مهم عند دراسة التفاعلات بين الدول وبعضها، حيث تقوم وتنبني العلاقات البحرينية ـ الأردنية على أسس متينة توصف باعتبارها راسخة وعميقة وشاملة. وبمفهوم آخر، فإذا كان الآباء المؤسسون للمملكتين الشقيقتين، طيب الله ثراهما، وضعوا الدعائم اللازمة للعلاقات بين البلدين الشقيقين، ونجح الأبناء في تدعيمها وتوطيدها والنهوض بها في شتى المجالات والقطاعات، فإن هذه الأسس والدعائم كانت، وما زالت، أسسا ركينة وواضحة وعميقة ساهمت إلى حد كبير في تعزيز وشائج القربى وأواصر العلاقات الوثيقة بين البلدين، ليس فقط على المستوى الرسمي بقطاعاته المختلفة، ولكن على المستوى الشعبي أيضا.يتضح ذلك من الدور الذي ساهمت به الدولتان ناحية الأخرى في مجال دعمها ونصرتها إزاء المستجدات والتطورات التي حفل بها الإقليم والمنطقة، والتي تمثل في واقع الأمر القاعدة التي لا يمكن تجاهلها في تفسير متانة العلاقات المشتركة البحرينية ـ الأردنية، فمن ناحية يشار إلى أن البحرين تستذكر دائما وبإجلال وتقدير كبيرين الدور الأردني في تأسيس قوة دفاع البحرين، التي احتفل بذكرى إنشائها مطلع شهر فبراير 2015 الجاري، حيث كان الأردن ورجاله المخلصون بمثابة الانطلاقة في تحقيق الدعم لمؤسسة الدفاع الوطنية حتى أصبحت قوة الدفاع، ذلك الصرح العسكري الكبير، مثالا في التنظيم والتطور والجاهزية القتالية والتزود بمختلف العلوم العسكرية، ومن ناحية أخرى، لا يخفى دور الخبرات الأردنية في المجالات المختلفة، والتي ساهمت في نهضة البحرين التنموية، خاصة في القطاع التربوي والتعليمي والطبي، وهو ما كان له عظيم الأثر بدوره في تنمية الخبرات والكوادر الوطنية.ثالثها: شمولية العلاقات التي تربط الجانبين البحريني والأردني، ودعم الدولتين لمواقف الأخرى إزاء القضايا والمشكلات الدولية والإقليمية المعاصرة، حيث لم تقتصر العلاقات الأخوية على الجانب التاريخي والسياسي والعسكري بين الدولتين، مثلما اتضح سلفا، حيث إدامة التنسيق والتشاور المشترك حيال مجمل القضايا الثنائية والإقليمية، وإنما تجاوزت هذه الجوانب لتشمل أبعادا أخرى غير تقليدية في العلاقات الثنائية، حيث دعم الطرفين لأمنهما واستقرارهما المشترك في مواجهة التحديات والتهديدات المختلفة، وعلى رأسها الإرهاب، وذلك مثلما وقفت البحرين مع الأردن عام 2005 في مواجهتها للتفجيرات التي شهدتها في تلك الفترة، وراح ضحيتها أكثر من 60 شخصاً و150 جريحا، وكذلك فعلت الأردن عندما واجهت البحرين أحداث عام 2011.ولم يتوقف الأمر عند ذلك الحد، حيث عملت الدولتان، وما زالتا، على كل ما من شأنه أن يعود بالنفع على مصالح البلدين والشعبين الشقيقين، وبما يصب في تعزيز العمل العربي المشترك، ويتضح ذلك في مجلس الأعمال المشترك وتواجد الشركات والاستثمارات الأردنية في البحرين والعكس بالعكس، حتى بلغ حجم التبادل التجاري بين البحرين والأردن 28 مليون دينار بحريني في عام 2011، مقارنة بـ 24 مليون في 2010، ناهيك بالطبع عن التبادل السياحي والطلابي والثقافي، فضلا عن الجهود الإغاثية البحرينية، التي تعد الأردن شاهدا حيا عليها، وذلك بعد وضع حجر أساس مدرسة مملكة البحرين للاجئين السوريين مؤخرا في مدينة أربد الأردنية بكلفة إنشاء تبلغ مليوني دولار، وتسليم 1000 وحدة سكنية لمخيم الأزرق التي كان حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى كلف بإنشائها في وقت سابق تلبية لحاجات اللاجئين السوريين، ومساهمة إنسانية بحرينية في دعم جهود المملكة الأردنية التي تأوي نحو 620 ألف لاجئا سوريا.