مع انتشار لقطات الفيديو البشعة لجريمة مقتل الأميركي من أصول أفريقية جورج فلويد على يد شرطي أبيض في مدينة مينيابوليس، عمّت الاحتجاجات الشوارع في البلاد وخارجها وطبعاً على السوشال ميديا. أمام هذه الواقعة الصادمة، لجأت تانيا صالح إلى حساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي لتسجيل استنكارها تجاه ما يجري. بداية، نشرت نسختين من أغنية Strange Fruit بصوت نينا سيمون وبيلي هوليداي، وهي إحدى أشهر الأغنيات التي تحاكي الظلم والاضطهاد. بعدها، أفرجت عن صورة تُظهرها ببشرة سوداء وشعر أشعث، بعدما عدّلت إحدى الصور التي أعجبتها على Pinterest بواسطة الـ«فوتوشوب»، مرفقة إياها بتعليق: «كل عمري كنت أحلم أن أكون سوداء... اليوم أكثر من أيّ وقت مضى... أرسل حبي ودعمي الكامل لكل المطالبين بالمساواة والعدالة لكل الأعراق في العالم».
منشور كان كفيلاً بتحويل صاحبة ألبوم «تقاطع» إلى هدف لحملة تنتقد ما أقدمت عليه. اختزال معاناة السود بلون البشرة والشكل، التعبير عن قضية محقة وجوهرية باستخفاف، إضفاء رومانسية على معاناة طويلة من شأنها تسطيح النضال السياسي للسود في الولايات المتحدة، استحضار تاريخ طويل من تقليد عنصري كان سائداً في أميركا القرن الـ 19 معروف بالـ Blackface (الوجه الأسود ــ بات محظوراً اليوم) وهو نوع من الماكياج الذي كان يضع أبناء البشرة السوداء بصورة نمطية على المسارح والشاشات... هذه عيّنة من الاتهامات التي وُجّهت إلى صالح، وقد تكون محقة وقابلة للنقاش، في مقابل ارتفاع أصوات تنتقد بكثير من الإسفاف والإهانة، بعضها عائد لزملاء مهنة! ترافق ذلك مع مطالبة تانيا بإزالة البوست الإشكالي وتقديم اعتذار. غير أنّ تانيا صالح لم تُزل الصورة بل نشرت توضيحاً في وقت لاحق، جاء فيه: «لم ألوّن وجهي ولم أرتدِ ملابس غريبة ولا أدليت بما يسيء إلى المجتمع الأسود في الصورة التي شاركتها سابقاً». هنا، لم تهدأ النقاشات بل زادت حدّة، وهو ما واجهه فنانون كثيرون في السنوات الماضية في العالم العربي والعالم، من بينهم: الممثلة الأميركية زوي سالدانا، المغنية اللبنانية ميريام فارس، الممثلة اللبنانية ماغي بو غصن، الممثلة العراقية مريم حسين وغيرهن.
تؤكد الفنانة اللبنانية أن من المفيد فتح نقاش حول أشكال أخرى من العنصرية
«جزء من الانتقادات التي وُجّهت لي قد تكون محقة ولمطلقيها وجهات نظر قابلة للنقاش طبعاً، ولا مانع لديّ في ذلك، لا سيّما في الشق المتعلّق بالملكية الفكرية للصورة الأصلية التي استخدمتها وحصر معاناة السود بلون البشرة والشكل»، تقول صالح في مقابلة مع «الأخبار» عبر الفيديو. وتضيف أنّ «المشكلة في هذا العالم الذي نعيشه اليوم أنّ كل الكلام يصبح غير مقبول إذا لم يكن مُدرجاً تحت خانة اللائق سياسياً... في ظل سيطرة المنصّات الافتراضية، نستطيع القول إنّ حرية التعبير لم تعد موجودة... هل صارت القاعدة أنّه إمّا أن نتحدّث بالطريقة التي يعتبرها بعضهم لائقة أو أن نُجلد إذا كنّا مختلفين؟». في هذا السياق، تطرح تانياً سؤالاً مهمّاً بالنسبة إليها: «مَن يقرّر ما هو الـpolitically correct أصلاً في بلادنا؟»، ثم تشير إلى أنّه «لديّ علامات استفهام عدّة حول الجهات التي تقود بعض الحملات، والتوقيت وطريقة عملها».
تشدّد على أنّ القصد من البوست الذي أثار جدلاً واسعاً هو التضامن مع كلّ الأشخاص والشعوب التي تقاوم كل أشكال التمييز والعنصرية: «صدقاً، أنا كموسيقية لطالما حلمت بأن أكون سوداء... ربّما كنت صنعت موسيقى أفضل وغنيت ورقصت بطريقة أجمل... أقرب الفنانين إلى قلبي من أصول أفريقية... ماذا لو قلت أنّني أتمنى لو كنت ناجي العلي مثلاً؟ هل كنت سأتعرّض للسهام نفسها؟». وتتابع: «للأسف الجلد صار عادةً... وهنا لا بدّ من التساؤل حول إلى أي مدى يعتبر هذا التنمّر الإلكتروني من هذا القبيل مسموحاً؟». وتلفت كذلك إلى أنّ مفهوم التعبير عن النفس وتنوّع الآراء وتقبّل الآخر الذي تتحدّث عنه لا ينطبق على العنصرية فقط بل ينسحب أيضاً على مواضيع عدّة، من بينها النسوية، المساواة، مجتمع الميم، التحرّش...
وبرأيها، الأهم اليوم هو العمل على تحقيق المطالب المرتبطة بهذه الأمور على صعيد القوانين والممارسات الاجتماعية بدلاً من تحديد معايير يتعيّن على الناس التقيّد بها وإلا فسيُرجموا ويكفّروا. فهناك عوامل عدّة تحكم طريقة تصرّف الأشخاص، بدءاً بطريقة تفكيرهم وقناعاتهم، مروراً بالمجتمعات التي نشأوا فيها وصولاً إلى الخلفيات الدينية والعقائدية... كما تعتبر أنّ من المفيد (كما ذكرت على السوشال ميديا أخيراً) فتح نقاش حول «العنصرية الممارسة تجاه العرب واليهود والإيطاليين وذوي الأصول اللاتينية والصينيين وغيرهم في وسائل الإعلام الرئيسية»!
وفي النهاية، تستشهد بعمود نشره كورتلاند ميلوي في صحيفة «واشنطن بوست» عام 2019 بعنوان Figuring out what’s behind the use of blackface could depend on who you ask، متناولاً تضارب الآراء بشأن الـ Blackface في يومنا هذا. وفي معرض كلامه، يستند ميلوي إلى دوانالين ريس، أمين الموسيقى والفنون المسرحية في المتحف الوطني للتاريخ والثقافة الأميركية ــ الأفريقية، الذي يؤكد أنّ «نيّة أولئك الذين يعمدون إلى اللجوء للـBlackface يجب أن تؤخذ في الاعتبار». فكل شيء بالنسبة إليه يأتي ضمن سياق: «النية هي المفتاح. هل يختلف الـ Blackface عندما يستخدمه السود؟ الزولو يلجأون إليه كجزء من تقاليد وثقافة تاريخية... لكن الحساسية الزائدة تجاه الموضوع ستولّد قاعدة تنطبق على كل المواقف... من الصعب أن نفهم متى يكون الأمر مقبولاً ومتى لا يكون، إذا لم نعرف السياق والتاريخ والتقليد الكامن وراء الموقف نفسه».
منشور كان كفيلاً بتحويل صاحبة ألبوم «تقاطع» إلى هدف لحملة تنتقد ما أقدمت عليه. اختزال معاناة السود بلون البشرة والشكل، التعبير عن قضية محقة وجوهرية باستخفاف، إضفاء رومانسية على معاناة طويلة من شأنها تسطيح النضال السياسي للسود في الولايات المتحدة، استحضار تاريخ طويل من تقليد عنصري كان سائداً في أميركا القرن الـ 19 معروف بالـ Blackface (الوجه الأسود ــ بات محظوراً اليوم) وهو نوع من الماكياج الذي كان يضع أبناء البشرة السوداء بصورة نمطية على المسارح والشاشات... هذه عيّنة من الاتهامات التي وُجّهت إلى صالح، وقد تكون محقة وقابلة للنقاش، في مقابل ارتفاع أصوات تنتقد بكثير من الإسفاف والإهانة، بعضها عائد لزملاء مهنة! ترافق ذلك مع مطالبة تانيا بإزالة البوست الإشكالي وتقديم اعتذار. غير أنّ تانيا صالح لم تُزل الصورة بل نشرت توضيحاً في وقت لاحق، جاء فيه: «لم ألوّن وجهي ولم أرتدِ ملابس غريبة ولا أدليت بما يسيء إلى المجتمع الأسود في الصورة التي شاركتها سابقاً». هنا، لم تهدأ النقاشات بل زادت حدّة، وهو ما واجهه فنانون كثيرون في السنوات الماضية في العالم العربي والعالم، من بينهم: الممثلة الأميركية زوي سالدانا، المغنية اللبنانية ميريام فارس، الممثلة اللبنانية ماغي بو غصن، الممثلة العراقية مريم حسين وغيرهن.
تؤكد الفنانة اللبنانية أن من المفيد فتح نقاش حول أشكال أخرى من العنصرية
«جزء من الانتقادات التي وُجّهت لي قد تكون محقة ولمطلقيها وجهات نظر قابلة للنقاش طبعاً، ولا مانع لديّ في ذلك، لا سيّما في الشق المتعلّق بالملكية الفكرية للصورة الأصلية التي استخدمتها وحصر معاناة السود بلون البشرة والشكل»، تقول صالح في مقابلة مع «الأخبار» عبر الفيديو. وتضيف أنّ «المشكلة في هذا العالم الذي نعيشه اليوم أنّ كل الكلام يصبح غير مقبول إذا لم يكن مُدرجاً تحت خانة اللائق سياسياً... في ظل سيطرة المنصّات الافتراضية، نستطيع القول إنّ حرية التعبير لم تعد موجودة... هل صارت القاعدة أنّه إمّا أن نتحدّث بالطريقة التي يعتبرها بعضهم لائقة أو أن نُجلد إذا كنّا مختلفين؟». في هذا السياق، تطرح تانياً سؤالاً مهمّاً بالنسبة إليها: «مَن يقرّر ما هو الـpolitically correct أصلاً في بلادنا؟»، ثم تشير إلى أنّه «لديّ علامات استفهام عدّة حول الجهات التي تقود بعض الحملات، والتوقيت وطريقة عملها».
تشدّد على أنّ القصد من البوست الذي أثار جدلاً واسعاً هو التضامن مع كلّ الأشخاص والشعوب التي تقاوم كل أشكال التمييز والعنصرية: «صدقاً، أنا كموسيقية لطالما حلمت بأن أكون سوداء... ربّما كنت صنعت موسيقى أفضل وغنيت ورقصت بطريقة أجمل... أقرب الفنانين إلى قلبي من أصول أفريقية... ماذا لو قلت أنّني أتمنى لو كنت ناجي العلي مثلاً؟ هل كنت سأتعرّض للسهام نفسها؟». وتتابع: «للأسف الجلد صار عادةً... وهنا لا بدّ من التساؤل حول إلى أي مدى يعتبر هذا التنمّر الإلكتروني من هذا القبيل مسموحاً؟». وتلفت كذلك إلى أنّ مفهوم التعبير عن النفس وتنوّع الآراء وتقبّل الآخر الذي تتحدّث عنه لا ينطبق على العنصرية فقط بل ينسحب أيضاً على مواضيع عدّة، من بينها النسوية، المساواة، مجتمع الميم، التحرّش...
وبرأيها، الأهم اليوم هو العمل على تحقيق المطالب المرتبطة بهذه الأمور على صعيد القوانين والممارسات الاجتماعية بدلاً من تحديد معايير يتعيّن على الناس التقيّد بها وإلا فسيُرجموا ويكفّروا. فهناك عوامل عدّة تحكم طريقة تصرّف الأشخاص، بدءاً بطريقة تفكيرهم وقناعاتهم، مروراً بالمجتمعات التي نشأوا فيها وصولاً إلى الخلفيات الدينية والعقائدية... كما تعتبر أنّ من المفيد (كما ذكرت على السوشال ميديا أخيراً) فتح نقاش حول «العنصرية الممارسة تجاه العرب واليهود والإيطاليين وذوي الأصول اللاتينية والصينيين وغيرهم في وسائل الإعلام الرئيسية»!
وفي النهاية، تستشهد بعمود نشره كورتلاند ميلوي في صحيفة «واشنطن بوست» عام 2019 بعنوان Figuring out what’s behind the use of blackface could depend on who you ask، متناولاً تضارب الآراء بشأن الـ Blackface في يومنا هذا. وفي معرض كلامه، يستند ميلوي إلى دوانالين ريس، أمين الموسيقى والفنون المسرحية في المتحف الوطني للتاريخ والثقافة الأميركية ــ الأفريقية، الذي يؤكد أنّ «نيّة أولئك الذين يعمدون إلى اللجوء للـBlackface يجب أن تؤخذ في الاعتبار». فكل شيء بالنسبة إليه يأتي ضمن سياق: «النية هي المفتاح. هل يختلف الـ Blackface عندما يستخدمه السود؟ الزولو يلجأون إليه كجزء من تقاليد وثقافة تاريخية... لكن الحساسية الزائدة تجاه الموضوع ستولّد قاعدة تنطبق على كل المواقف... من الصعب أن نفهم متى يكون الأمر مقبولاً ومتى لا يكون، إذا لم نعرف السياق والتاريخ والتقليد الكامن وراء الموقف نفسه».