هنالك من يكتب للوطن ومن أجله. وهنالك من يكتبون لذواتهم الفردية أو الحزبية، وهنالك من لا يكتبون إلا عن مصالحهم فحسب. وإذا كان الصنف الأول واضحاً والثاني مكشوفاً تماماً، لأنهما لا يتخفيان ولا يخافان من الإعلان عن نفسيهما، فإن الصنف الثالث هو الأخطر على الوطن والحزب والطائفة والناس أجمعين، لأنه استمرأ اللعب على الحبال، وأتقن لعبة الانتقال من موقع إلى آخر، بحسب ما تستدعيه الحاجة، ولذلك يمكن لهذا الصنف أن يكتب عن الوطنية، وهو في موقع الخيانة، وعن الشفافية وهو في موقع الشبهة، وعن القومية وهو في موقع الانعزال، وعن الوحدة وهو في موقع التجزئة، وعن الإصلاح وهو في موقع الفساد، وعن الإيمان وهو في موقع الكفر. وقد تزيد جرعة النفاق لديه ليتحول إلى الدجل والاحتيال، في طريقه إلى مواقع الهزيمة والخسران. هؤلاء غالباً ما ينسون أو يتناسون أن الوطن أعظم من أن يكون حفنة من تراب، وهو بالتأكيد أعظم من أن يكون غنيمة من المغانم العابرة، وهو أعظم من أن يكون مجرد خارطة جغرافية أو كتاب تاريخ، بل هو باختصار كرامة ووحدة وتضامن وحرية وبيت وعائلة وحقوق وواجبات، وانتماء وارتواء وقناعة راسخة في العقل والقلب. ومن دون ذلك لا يعود الوطن وطناً، بل يصبح مجرد مساحة جغرافية ومجموعة ذكريات.

الوطن في حاجة إلى من يكتب عن «الوطن» بروح الوطن وبمنطق الوطن وبمصلحة الوطن، وبلغة الناس الطيبين الذين يكدحون كل يوم من أجل أن يستمر الوطن في التاريخ. ويحتاج الوطن إلى عزل هذه الكائنات الكريهة التي تسرق مشاعر الناس وتتاجر بأحلامهم، لأنها تحتقرها ولا تحترمها.

يحتاج الوطن إلى من يسمي الأشياء بأسمائها، وكما يمليها عليه الضمير الحي، والتلطف والتعاطف، ينقد عندما يحتاج المقام إلى النقد البناء الذي يستهدف الخير كل الخير، ويثني في موقع الثناء، وينير العقول والدروب للناس بقول الحقيقة بلطف، بعيداً عن الإثارة والتهريج والتوظيف أو المتاجرة بالعواطف. باختصار الوطن يحتاج إلى من يحتضن أشواق الناس بصدق ومحبة، ولا يستعرض مفاتنه في حفلات الزار، ولا يرقص حواجبه لهواة التسكع على أرصفة الكلمات.

* همس:

على الربوة الخضراء،

تزدحم الأحلام البيض،

فيهجرني الصدى.

وأطير وراء الفراش المجنح،

خلف النافذة المفتوحة على البحر.