كتب - علي الشرقاوي: الحديث عن دكان بن ريحان، مزحوم بذكريات الصبا والمراهقة والعمل السياسي والعمل الفكري. حديث له علاقة بتشكيل بدايات تجربتنا الشعرية والحياتية، وبدايات نظرتنا للمستقبل المكتظ بما لا يتوقع. والبحث عن ذواتنا بين الآخرين. كنا نلتقي المدرسين والطلبة والعمال والعاطلين عن العمل، والمثقفين والمتعلمين والأميين، السكارى، الشواذ أمام دكان بن ريحان، الذي يتوسط شرق الحورة وغربها. كان الجميع يمرون به، فهو أحد الشوارع الرئيسة التي لابد من عبورها من مكان لآخر. كان كل سكان شرق الحورة يرون في دكان بن ريحان، واحداً من أماكن تجمعات شباب الحورة. بن ريحان كان أحد المعروفين بالنكتة وسرعة البديهة والتعليق الظريف. في بعض الأحيان تكون تعليقاته لاذعة، لكن من يهتم؟! يكفي أنه كان قادراً على غرس الضحكة والابتسامة في قلوب مستمعيه. كنا نجتمع أمام دكانه؛ أنا وعبداللطيف راشد وعبدالله حيدر ومحمد عبدالله الحلواجي “التميمي” وعبدالرحيم السيد “ديمي” وعبدالرزاق الخاجة وأحمد الخاجة ومراد علي البلوشي، ونوح محمد وعبدالرحمن الحساوي وأحمد العسومي وسعد بوجندل وحسين الهين “المواطن” وبدر محمد بوشقر وحمادي ومحمد القطان ومحمد أحمد واعيال مريد حميد ومحمد ويوسف محمد بوشقر وبوكوات وعبدالرحمن صالح بوعلي وعبدالله وعبدالعزيز غنيم إخوان عبداللطيف من الأب، وسواهم من الأسماء التي لا أتذكرها الآن. ومن خارج الحورة كان يمر بالدكان كل من محمد المطوع من القضيبية ومحمد جبارة من الحد، بالإضافة إلى ثاني صخير الرفاعي الذي تولع بالحورة. بين دكان بن ريحان ونخل الحساوي «براحة محمد الحساوي، كانت عبارة عن دولاب نخل كالقلب النابض وسط جسم المريض “الحوره”. فمن يدخل هذا الدولاب لا يتصور أنه في الحورة التي كانت فقيرة في كل شيء إلا قلوب أهلها، وكأنه غابة من الفواكه زرعت وسط الصحراء. شاهدناها وهي تتصل ببيت د. مصطفى السيد وأخيه الأكبر منصور وأخيه الأصغر عبدالرحيم وأختهم بلقيس من الجهة الخلفية، وكانت عبارة عن كم هائل من الأحجار وبقايا أشجار. كان محمد الحساوي إن لم تخن الذاكرة، يتاجر بالأغنام. وكنا نرى مجموعات منها في نخل الحساوي الذي تحول إلى حوطة، لكن بعد أن تعب، ترك مهنة بيع الأغنام، وتحول إلى مؤجر لبعض الأراضي التي يملكها، ومنها أرض في مدخل الحورة، أي قبل بيت داود، الذي يعتبر بداية منطقة لبنان، أعني بيوت السعف المبنية في دفنه الحورة. طبعاً قبل أن ينشأ الشارع الجديد، شارع الحب، الذي فصل حالة بن انس وفريج بن سوار وبيوت الدوخي. لمحمد الحساوي ابنان، أحدهما عبدالرحمن الحساوي وآخر كان مقعداً هو إبراهيم. الاثنان انتقلا إلى رحمة الله تعالى. بالإضافة إلى ابنتين. كان رحمه رافضاً أن يزوجهن، لكن الله تعالى منّ عليهن بالزواج بعد رحيل الأب إلى العالم الآخر. يذكر عبدالله عبدالعزيز الذوادي في كتابه “رحلة العمر” عن بيت الحساوي: “أجمل بيت في الحورة هو بيت الحساوي، وهو عبارة عن فيلا وسط بستان جميل وبركة سباحة، مد إليها أنبوب سعة بوصتين من عين الحورة التي تبعد حوالي 200 متر، ومساحته قرابة 500 قدم في 300 قدم، يقع جزؤه الشمالي قبالة البحر، وتفصله عنه براحة الحساوي وشارع أبي ذر الغفاري. ويقع جنوبه شارع عمر عبدالعزيز الذي يبدأ من سور التلغراف وينتهي عند مسجد الحورة، ثم يتحول جزؤه الشرقي إلى دواعيس ليصل إلى ساحل الحورة الشرقي. يعيش في الفيلا محمد بن إبراهيم بن زيد الحساوي وزوجته أمينة وولده عبدالرحمن وإبراهيم الذي كان ذكياً جداً لكنه معوق، ولم يحاول أهله علاجه، وابنتيه هند وموزة ، ووالدته لها ملحق في البستان، أما في الجزء الغربي فيعيش شقيق زوجته عبدالله”. بيت عبدالرحمن الحساوي كنا نسمي الفيلا التي سكنها عبدالرحمن بالبيت الأخضر أسوة بالبيت الأبيض، لأن جدران الفيلا كانت ملونة بالأخضر، وهو لون وحيد، ربما في منطقة الحورة كلها. في مجلس الفيلا تعرفت لأول مرة على سيمفونية بحيرة البجع لتشايكوفسكي. وتشايكوفسكي، لمن لا يعرفه، هو مؤلف موسيقي روسي، يعد بطل تطور الموسيقى الروسية الحديثة. ولد في مدينة فوتكنسك في روسيا، ودخل مدرسة القانون في سان بطرسبرغ العام 1855، وكانت بدايته الجدية في التأليف في حوالي العام 1866 وتطورت أحاسيسه وانفعالاته في هذه الأثناء خلال فترات طويلة من الإحباط النفسي، ومن المثير للعجب أنه ألف بعضاً من أكثر مقطوعاته الموسيقية بهجة خلال هذه الفترة. غرفة عبداللطيف راشد صديقنا المرحوم عبداللطيف راشد والده من المملكة العربية السعودية، تركه والده مع أخيه صالح، لتربيهم والدتهم الحنون، ولم يلتق بأبيه إلا بعد أن أصبح موظفاً ـ قادراً على السفر، فذهب إلى السعودية ليتعرف على والده. في حجرة عبداللطيف راشد، كنا نلتقي كل ليلة تقريباً حيث كان يعمل في تلك الفترة، موظفاً في البنك العربي، الذي بني محل مجلة الخليج التي أحرقت العام 1956. ولأننا أنا وعبدالحميد القائد، كنا نكتب تجاربنا الشعرية الأولى، وجدنا في عبد اللطيف راشد، الذي عرف تجربة السجن في أحداث مارس العام 1965، والذي كان يحفظ كثيراً من القصائد للسياب والبياتي وقصيدة محمد صالح بحر العلوم “أين حقي” وديوان عبدالرحمن المعاودة “لسان الحال”، وسواهم من الشعراء الذين لم نتعرف على تجاربهم بعد. أقول وجدنا في عبداللطيف راشد الغنيم القارئ الأول والناقد لما نكتب ما نسميه شعراً. وبعد فترة اشتغل يعقوب المحرقي في البنك العربي، وتوطدت علاقته بعبد اللطيف، ولأن المحرقي هو الآخر يكتب الشعر، بدأت علاقتنا الشعرية منذ تلك الفترة، وتكررت زيارته لعبداللطيف بعد أن أخبره أن هناك من يملك تجارب في كتابة الشعر. ونحن نكتب ونقرأ ونتعلم، دخل علينا صديق عبدالحميد القائد، عبدالحميد خنجي الذي كان متابعاً جيداً لما يطرح من قصائد في الوطن العربي، وكان يحفظ العديد من القصائد لعبدالوهاب البياتي وأحمد عبد المعطي حجازي، واعتبرناه الناقد الشفوي الثاني لتجاربنا أنا وعبدالحميد القائد ويعقوب المحرقي. حيث كنا نحاول الوصول إلى أصواتنا الخاصة، مستفيدين من تجارب سبقتنا في الانتشار والتشكل، كتجربة علي عبدالله خليفة وقاسم حداد اللذين تواصلنا معهما بعد فترة. من هو أحمد بن ريحان؟ شخصياً لا أعرف الكثير عن أحمد بن ريحان وطفولته وصباه، إلا ما تناثر عنه هنا وهناك. فابن ريحان هو زوج خالة عبداللطيف راشد، حيث بيت عبداللطيف راشد داخل الزرنوق، ملاصق لبيت محمد الحساوي، ويكاد يكون جزءاً منه، مقابل بيت صالح العراقي زوج خالة عيسى زيد الهين الذي سافر مع عائلته للعيش في الدوحة أوائل السبعينات، في ما كان بيت خالته يطل على الشارع، ثم فضاء الدفنة الواسع الشاسع، والمساحة الواسعة للكلاب الضالة الباحثة عن وجبتها اليومية. كان بن ريحان في البداية يطل علينا من النافذة المفتوحة على الطريق، وكنا نعرف أنه وزوجته، يطلان على الشارع، وهو شارع أبو ذر الغفاري، ويبدآن في التعليق على من يرونه ماراً في الطريق، ثم بعد هدم الدريشة وتركيب باب مكانها، حول الحجرة إلى دكان، لبيع المرطبات والنخي والباجلا، وتحول الدكان إلى مكان للالتقاء بالأصدقاء من كل مكان. مراقب لصحة حيوانات المقصب قبل أن يكون هناك أي إشراف صحي علمي مختبري على الأغنام والأبقار المهيأة للذبح في مقصب الحورة، كان أحمد العسومي، الموظف في بلدية المنامة يقوم بهذا الدور على أفضل وجه. فيذهب ليلاً إلى الحوطة التي تجمع فيها الأغنام والأبقار، ليقوم بفحصها بالنظر، وإبعاد أي بهيمة لا تتناسب مع الذبح الصحي، فكان يبعد كل ما لا تتوفر فيها، كالقروح التي يراها في أنف وعيون الحيوانات أو بعض الجروح الواضحة على الجلد، من أجل أن تكون الذبائح صحية. وعادة ما يأخذ العمل عدة ساعات في المناسبات الكبيرة كشهر رمضان وعيد الأضحى. وكنا نذهب معه أحياناً لمعاينة الأغنام. «عطوا لمحرقل اعشي» كان إبراهيم الحساوي مقعداً مشلولاً، في الثانية عشرة من عمره، لكنه كان وسيماً ذكياً والابتسامة لا تكاد تغادر شفتيه، معتمداً على الإذاعة في معلوماته التي يجهلها الكثيرون، حتى الأكبر منه سناً. كان الجميع يحبونه لأخلاقه الكبيرة. وفي يوم ما طلب منا نحن الذين كنا قريبين من سنه، أن نأخذه في “جفير” كبير، عبارة سلة ملابس كبيرة مصنوعة من سعف النخيل، لندور به على كل البيوت في الفريج. وكان الاعتقاد السائد آنذاك، أن الأطفال المشلولين، حين يحملهم من هم في عمرهم، يساعدونه على المشي ويعود يمارس حياته مثل سائر الأطفال. عندما كبرت، علمت أن هذا الأمر، واحد من طرق الإيحاء لتحريك الرغبة عند الطفل المشلول بالتحرّك. لكن الناقص في هذه المسألة هو زرع الرغبة القوية الحقيقية في الطفل المشلول، وهو الذي نراه حالياً في عمليات الإيحاء الذهني للتخلص من كثير من الأمراض المزمنة والمستعصية ومنها شلل الأطفال. وأذكر أنني وبعض الأطفال الذين هم بين الثانية عشرة والرابعة عشرة من العمر، ربما منهم عبدالرزاق محمد الخاجة، وربما يوسف محمد بوشقر، ومحمد عبدالله الحلواجي وديمي عبدالرحيم السيد وعبدالله حيدر، ونوح محمد وآخرين، حملناه في جفير وبدأنا ندور به على بيوت الفريج، ونحن نغني ونردد بصوت جماعي “عطوا لمحرقل اعشي حـتى يجييكم يمشي.. عطوه حبيبة جريش حتى ينقز في العريش.. عطوه حبيبة شكر حتى يمشي ويقولوا كبـر”. لكن هذا لم يجد، فبعد فترة لم تكن طويلة، انتقل هذا الإنسان الرائع إلى رحمة الله، ليتركنا نحن الذين حملناه، نتحسر على جماله وابتسامته ومحبته للناس جميعاً. بن ريحان حارس في البنك العربي بعد أن وجد عبداللطيف راشد زوج خالته، عاطلاً عن العمل، لم يجد أمامه إلا أن يكلم المسؤولين في البنك العربي، عن إتاحة الفرصة لزوج خالته، بالعمل كحارس ليلي في البنك، أي ناطور. وبالفعل اشتغل لعدة شهور ، قام فيها بأداء واجبه على أفضل وجه، لكنه طرد من العمل، لا بسبب إهماله العمل ـ إنما لأنه كان يأخذ معه خيوط الغزل، أي شباك الصيد، ويقوم بغزلها في الليل، فقد كان هذا العمل يساعده على أن يظل صاحياً حتى صباح اليوم التالي. وكان عليه أن يفتح الباب للموظفين في الساعة السابعة صباحاً. لكن صادف أن سيطر عليه سلطان النوم في إحدى الليالي، وجاء الموظفون، ليجدوا الباب مغلقاً، وأتوا بالمفتاح من المدير أو من تحته، فتحوا الباب ليشاهدوا بن ريحان نائماً وأمامه الغزل مفروش على مساحة مدخل البنك. بن ريحان المسحر بن ريحان الذي اشترك مع أبناء الفريج في استقبال ووداع رمضان لفترة طويلة من حياته، بعد أن رأى الأبواب مقفلة في وجهه، قرر أن يكون مسحراً. لكن في الحورة هناك أكثر من مسحر، من هنا اختار أن يذهب إلى منطقة بعيدة لا ينافسه فيها مسحر آخر، فكان المكان الذي اختاره هو منطقة السليمانية والقفول، خصوصاً وأن القفول منطقة سكنية جديدة نسبياً، وكانت تعتبر للبيوت والفلل الموجودة فيها من أرقى مناطق البحرين السكنية في تلك الفترة. وكما أعرف فإنه ظل مسحراً لهذه المنطقة عدة سنوات، لكن ذلك لم يمنع أنه كان أيضاً المكان الذي يتجمع فيه شباب الحورة في الوداع، وبعد أن يتعشى الشباب في بيت بن ريحان المحمر المجبوس شعري، يبدؤون بالزحف على الفرجان مودعين رمضان. كان الفريق بقيادة بخيت ومعاونه كل شباب الفريج الذين يتناوبون على مساعدته في الغناء أو القرع على الطبل. سلوم قرون يحرق لسانه سلوم قرون شخصية معروفة ومشهورة في منطقة الحورة والقضيبية، وأشك أن هناك من لا يعرفه؛ لأنه كان موجوداً في كل المناسبات، في الأفراح والأحزان، يقدم الخدمة لهذا وذاك من الناس، وكان شاذاً لا يخاف منه الرجال على نسائهم وبناتهم. وكما سمعنا فإن سبب تسميته سلوم قرون، وهو من عائلة معروفة، إنه بعد أن عمل مساعد ممرض في المستشفى الأمريكي، دخل بوعي أو دون وعي، في الديانة المسحية. من هنا سخر البعض منه وسماه سلوم قرون، لأنه لا يعرف دينه أولاً، ولا يفهم معنى الخطوة التي اتخذها. وقد سمعت أن أهله تبروا منه، بعد اعتناقه النصرانية لفترة من الوقت. ثم بعد ذلك خرج منها. وبالنسبة لنا نحن أطفال تلك الفترة لم نهتم بهذا الموضوع، لأننا كنا نردد بعض الأبيات الشعرية التي تقول “صلى المصلي لأمر كان يطلبه.. لما انتهى الأمر لا صلى ولا صاما”، والبيت الآخر “سلوم ما زاد في الإسلام خردلةً .. ولا انتصر النصارى بإسلام سلوم”. ما أريد الوصول إليه، هو أن سلوم قرون ابتدأ في التردد على دكان بن ريحان، وبالتالي تكوين علاقة دكانيه معه، بمعنى أنه وجد أخيراً من يصغي إليه ويستمع إلى حكاياته الكثيرة والطريفة، تحت عنوان، خذ الحكمة من أفواه المجانين. وهو لم يكن مجنوناً ـ إنما هو أسلوب حياة، يستطيع أن يتعايش فيه مع الناس الذين رفضوه طويلاً. في إحدى جلسات سلوم قرون معنا ، كنا نتحدث فيه عن السحر وعن خرافة السحر، وهل السحر موجود أو غير موجود أو حقيقي أو خزعبلات؟ فقال لنا إنه مارس السحر ويعرف قوانينه، وهو قادر على إثبات ذلك، ولأننا كنا أطفالاً لا نقتنع بالشيء إلا بعد المشاهدة، ورؤيتنا للحياة لا تتركنا نؤمن بمثل هذه الخرافات؛ سخرنا منه وقلنا له إنك لا تقدر أن تفعل شيئاً. وكردة فعل على هذه السخرية، طلب من بن ريحان مقبس وجمر مع جم حبة بخور. وبعد أن أحضرها بن ريحان، وضع سلوم البخور فوق الجمر، وبدأ الدخان يتصاعد، ومع تصاعد الدخان، ارتفعت تمتمات سلوم .. لم نكن نعرف ماذا يقول، إنما بدا يتكلم بأصوات رجالية مبهمة. مر الوقت وهو يواصل الكلمات المبهمة، وبصورة غير متوقعة، أخذ جمرة ووضعها في حلقة وصرخ صرخة كبيرة من لسعة لسانه. ثم ما كان منه إلا أن رمى بالمقبس والجمر وبقايا البخور إلى أبعد مكان ، وبدا يبكي من الألم. صرخته هذه أخافتنا خوفاً شديداً. وهذه الطريقة الفاشلة في إثبات قدرته على السحر، أبعدته عن الدكان لفترة طويلة. ناصري يحفظ مقالات هيكل بعد هزيمة العرب في حربها مع إسرائيل، والتي سميت نكسة الخامس من يونيو العام 1967. كنا كغيرنا من أبناء العرب نناقش هذه التجربة المرة. وكان الدكان هو المكان أو المنتدى الوحيد ليدلي كل واحد منا بدلوه. وكان عبداللطيف راشد قد دعا أحد الموظفين الجدد في البنك وهو عبدالله علي الملا، من سكنة الحد لزيارته في بيته. وقد التقينا به عدة مرات عند دكان بن ريحان. ولأننا بعد النكسة، كنا نبحث عن أسبابها من خلال الكتب الماركسية، كان عبدالله الملا ناصرياً حتى النخاع، وكنا نتابع مقالات محمد حسنين هيكل من باب الاطلاع للتعرف على وجهات نظر الشخص الأقرب إلى عبد الناصر، وصديقنا الملا كان يحفظ هذه المقالات ويستشهد بها في كلامه. وفي تصوري إن هذه الحالة النادرة لم تعد موجودة الآن. لا أعرف أين هو الآن عبدالله علي الملا، الذي أعرف أباه وإخوانه الأكبر محمد وإبراهيم. ما ذهب لا عودة له أعرف أن الماضي لا يعود، لكن نكهة الماضي تبقى في القلب. البعض من رواد دكان بن ريحان غادر إلى العالم ومعهم بن ريحان نفسه، البعض الآخر سافر عن البحرين طويلاً، والبعض هاجر واتخذ موطناً آخر. وآخرون وأنا منهم مازالوا يحنون إلى تلك الجلسات البريئة التي تجمع الأصدقاء.