كتب - عبدالرحمن محمد أمين: كثيراً ما كنت أتردد في الكتابة عن حياة جدي المرحوم عبدالله أمين؛. لكنني حين التقيت بعدد ممن عايش جدي من الأصدقاء المطلعين على إنجازاته، وجدت عندهم رغبة كبيرة بالكتابة عن حياته. ومن مبدأ أن لكل إنسان الحق بأن ينال ما يستحق من تكريم؛ آمنت بضرورة الكتابة عن جدي، احتفاء بما قام به من أعمال جليلة. من مواليد 1910 المرحوم عبدالله بن أمين من مواليد المحرق 1910. درس القرآن الكريم على يد أحد المطاوعة، ولم ينل شيئاً من التعليم النظامي. كان والده المرحوم أمين بن محمد، الذي تنسب له عائلة أمين، من أثرياء المحرق، يمتلك متجراً لبيع المأكولات في سوق المحرق مقابل موقع المكتبة العصرية التي كان يملكها المرحوم عبدالله أحمد الجودر. كان محط أعين رجال المحرق في تلك الفترة خصوصاً من رجال العائلة المالكة الكريمة وأعيان المحرق وتجّارها. وعندما تقدم بأمين العمر تولى ابنه الوحيد عبدالله مساعدته في إدارة المحل. وبعد وفاة والده ترك عبدالله المحل واتجه إلى التجارة الحرة والعمل في العقارات. ونظراً لخبرته الواسعة ومن الله وتوفيقه نجح عبدالله نجاحاً باهراً وأصبح من أثرياء المحرق. أما حكمته وعقله الراجح فأهلهاه لأن يحظى بثقة القيادة الحكيمة، وتم اختياره من قبل صاحب العظمة المرحوم الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة حاكم البحرين وتوابعها آن ذاك ليكون عضواً في مجلس إدارة الصحة الذي كان برئاسة المرحوم الشيخ مبارك بن حمد آل خليفة، وعضواً في مجلس إدارة بلدية المحرق برئاسة المرحوم الشيخ عبدالله بن حمد آل خليفة، وعضواً في مجلس الأوقاف السنية برئاسة المرحوم الشيخ عطية الله بن عبدالرحمن آل خليفة. وكان أعضاء المجالس الأهلية المذكورة وغيرها، يعملون خلال أربعينات وخمسينات القرن الماضي دون مقابل، إلا أنّ إنجازاتهم بفعل إخلاصهم وتفانيهم كانت أكبر مما نشاهده اليوم. وكما ذكر لي أحد أصدقاء جدي؛ أن مجلس بلدية المحرق كان يعقد في المساء اجتماعاً برئاسة الشيخ عبدالله بن حمد آل خليفة، تتخذ فيه القرارات. هاو للطرب بصفتي أول حفيد لجدي، حيث عشت في كنفه حتى زواجي، كنت أرافق جدي في غالبية الاحتفالات التي يدعى لها، ومنها حفلات افتتاح عدد من مصانع المياه الغازية؛ مصنع الكندادراي وسفن أب. وكنت أرافقه في خمسينات القرن الماضي لسباقات الخيل التي تقام أسبوعياً في موقع سباق الخيل القديم بالرفاع الغربي، ويحضرها صاحب العظمة الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة. وكان جدي رحمه الله مولعاً بالفن الشعبي، وكان يجيد العزف على العود. وعرفت من زملائه أنه كان يتردد كثيراً على الدور الشعبية لكبار الفنانين أمثال محمد بن فارس ومحمد زويد وضاحي بن وليد. حيث تعلم العزف. ومن هوايته أيضاً صيد الطيور، ببنادق الصيد “الشوازن”. وكنت أرافقه أحياناً عند زيارته صديق عمره المرحوم محمد بن جاسم سيادي، الذي كان رامياً بارعاً علّمه الرماية. وكانت لدى جدي إجازة بالصيد من صاحب العظمة الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة، باستثناء الأرانب والغزلان والحبارى. وكان أغلب صيده من طيور الكيروى والعويفى. وكان يهوى تربية الدواجن والأغنام، وكان يعود دائماً وبيده البيض، ليقوم بتوزيعه على أصدقائه وجيرانه. وكان يفضل سيارة (البونتياك) الأمريكية الصنع بسبب ضخامتها. احترام عظيم لأبويه كان جدي رحمه الله، كشأن جميع أبناء تلك السنوات، يكن احتراماً وتقديراً كبيرين لأبويه. فكان لا يستطيع عمل أي شيء؛ إلا بعد أخذ الموافقة عليه من أبيه. ومن الطرائف التي سمعتها منه؛ أنه كان يتأخر في العودة إلى البيت، بسبب انشغاله في دور الطرب التي كانت منتشرة آنذاك في المحرق. وكانت أمه تضع نعاله أمام حجرته، وعندما يحضر والده للسؤال عنه توهمه بأنه نائم في الدار. وصدف أن عرف أبوه الحقيقة، فجمع أحجاراً كثيرة، وضعها على سطح البيت. وعندما فتح الباب انهالت الحجارة على رأسه. ومع ذلك لم ينطق بحرف واحد، احتراماً لأبيه. وقد تزوج جدي ثلاث مرات وكانت إحدى زوجاته من عائلة الوردي وهي أم والدي، وزوجته الثانية كان أصلها من دولة قطر، والثالثة كانت من عائلة المحميد وهي والدة كل من د.فوزي ود.شوقي أمين. أنجب منها 6 أولاد وبنتاً واحدة، وتوفي من الأولاد أكبرهم في حياته العام 1974 وهو والدي، كما توفي ابنه سامي بعد وفاته. وعندما قررت حكومة البحرين في ستينات القرن الماضي اجتثاث النخل الذي كان يملكه جدي بحجة توسعة مطار البحرين الدولي، تأثر جدي كثيراً، لأن النخيل كانت ثمرة سنين طويلة، ولأنه كان يقضي في البستان أجمل ساعات عمره. ولاأزال أذكر كلماته: لو فقدت أحد أبنائي لكان أهون علي من فقداني النخيل. وما زاد في حسرته تثمين الأرض بـ100 فلس للقدم فقط. في وقت عرض فيه مستثمر كويتي ديناراً واحداً للقدم. كان يساعد المحتاجين مع بداية وصول التلفزيون إلى الأسواق؛ كان القليل من البحرينيين من لديهم المقدرة المالية على شرائه، وجدي أحد من شرى التلفزيون ووضعه في “ليوان” بيتنا في “فريج” بن شدة بالمحرق. وكان أطفال وصبية “الفريج” يجتمعون لمشاهدة برامج التلفزيون التي تبث من محطة شركة أرامكو السعودية، وكان من أهم برامجها المصارعة الحرة التي كان يعلق عليها المرحوم عيسى قاسم الجودر، المعروف بتعليقه. ومن البرامج المفضلة في تلك الفترة مسلسل الفارس المغوار، والمباراة الثقافية بين المناطق الثلاث التي كان يقدمها المذيع القدير فهمي البصراوي. من أعمال جدي الأخرى مساهمته في بناء مسجد بن شدة بالمحرق في خمسينات القرن الماضي، الذي أشاد ببنائه صاحب العظمة الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة. وعرفنا بعد وفاة جدي أنه كان يقدم كثيراً من المساعدات المالية لعدد من العوائل المعوزه دون أن يخبرنا بأيّ منها. بستان أثير لديه بعد تقدمه في السن وانتهاء أعماله في المجالس الحكومية الثلاثة التي كان عضواً فعالاً فيها؛ تفرغ لإدارة أملاكه واقتنع بما قسمه الله له، وتفرغ أيضاً لتربية أبنائه وأحفادة ورفقة أصدقائه. وكان كثير السفر لجمهورية مصر العربية للراحة وللاطمئنان ومتابعة دراسة أبنائه د.فوزي ود.شوقي أمين أثناء دراستهم الطب في القاهرة، وقد رافقته في أول زيارة له إلى مصر العام 1971 برفقة زوجته المرحومة مريم حمد المحميد، لترتيب انضمام أبنائه فوزي وشوقي لكلية الطب. وكان يمضي في الوطن أغلب أوقاته صباحاً في عمارة المرحوم عبدالله الدوي وإخوانه ومتجر المرحوم حسن عبدالله سيادي المقابل لعمارة الدوي، وكان يجتمع بأقرب الأصدقاء إليه، أذكر منهم المرحومين؛ صالح بن سلمان المحميد، محمد جاسم سيادي، وعيسي محمد الحادي وغيرهم. وكان من أهم الشخصيات التي تزور عمارة الدوي الشيخ محمد بن سلمان آل خليفة والشيخ سلمان بن دعيج آل خليفة. أما في المساء فكان يتواجد يومياً في بستانه في الحد، حيث تتوافد عليه الشخصيات البارزة، ومن أهمها الشيخ دعيج بن حمد آل خليفة. أما في الليل فكان يقضي سهراته في مجلس المرحوم محمد بن جاسم سيادي في فريج المحميد بالمحرق. وكان لهذا المجلس شهرة واسعة في محافظة المحرق، وكان رواده من كبار شخصيات المحرق ووجهائها، وقد شاهدت المغفور له بإذن الله الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة أمير دولة البحرين أثناء زيارته المجلس لتقديم التعازي للمرحوم محمد يوسف الغاوي بوفاة والدته. وقد أصيب جدي في سنواته الأخيرة بمرض عضال ألزمه الفراش لسنوات، حتى لبّى نداء ربه تعالى العام 1996، عن عمر ناهز السادسة والثمانين عاماً. وكان في مقدمة المعزّين بوفاته المغفور له بإذن الله الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة بمقر جمعية الإصلاح بالمحرق.
عبدالله أمين.. رجل عصامي من المحرق أخلص لأهله ووطنه
15 أبريل 2012