الرأي

بساطة النخبوية..

يكمن الجمال في البساطة في أغلب الأحيان، فكلما ابتعدنا عن التعقيد ازدادت الأمور جمالاً وأصبحت أكثر جاذبية في مختلف المواضيع، فالوحي الإلهي والهدي النبوي كان سهلاً رقيقاً قريباً من الروح والقلب ولذلك استساغته جميع القلوب بمختلف اتجاهاتها.

أخذت وقتاً أطول من المعتاد في قراءة أحد الأعمدة لأحد الكتاب العرب والسبب في ذلك استخدامه لمفردات غريبة وعجيبة لربما يعود بعضها لما قبل العصر الجاهلي، فبالرغم من أهمية الموضوع وهذا ما جعلني أجاهد لإنهاء المقالة حتى النقطة الأخيرة إلا أنني توقفت مرات عديدة متأملاً بعض المفردات والتي بحثت عنها في محرك البحث لمعرفة مصدرها وسبب استخدامها في هذا السياق الذي كان من الممكن أن يستخدم فيه الكاتب الكثير من المصطلحات السهلة والسلسة والدارجة، ولكنه آثر الاستعراض وتعقيد المقالة قدر الإمكان لعله يوصف بالكاتب النخبوي.

وفي حاضرنا هذا تجد أن البعض يتعمد الكتابة مستخدماً مصطلحات معقدة وصعبة في النطق بل هي مصطلحات لم يسمع بها كثيرون وليست دارجة في هذا العصر ولدى هذا الجيل، وكل ذلك لاستعراض مخزونه اللغوي والتباهي به، غير مدرك أن القارئ العادي من الممكن أن يمل كتابته كونه ليس من النخبة التي تبحث عن المصطلحات غير الدارجة وتوظيفها في مقالاتك أو كتاباتك.

بينما تجد كاتباً أخر مهاراته اللغوية جيدة ويكتب نفس الفكرة ولكن بالسهل الممتنع ليكسب رضا النخبوية والعامة وذلك لأن كل يسير مقبول.

كذلك هو الوضع في علاقاتنا اليومية فكلما زادت بساطة العلاقة وعرف كل شخص حقوقه وواجباته دون أي تعقيد أو طلبات مشروطة، تجد أن الأمور كلها تسير برفق ويسر، ولكن عندما تتعقد المطالب وتتعقد معها الأوليات تنحرف تلك العلاقة لتواجه العوائق بشكل دائم كونها لجاءت للتعقيد لا للبساطة.

ولكن لا يمكن لبشر أن ينكر أن هناك بعض العلاقات التي يكمن جمالها في كمية العقد التي فيها والتي لا يستطيع فكها ألا أصحابها لأنها من صنعهم وتعقيدها لا يفكه ألا هم، وأذا حاول أحد من خارج دائرتهم الضيقة التدخل لفك التعقيد فأن مصيره تفجير هذه العلاقة كلها أو الفشل في تلك المحاولة التي سترتد عقباها عليه.