^ يكاد الناس ينقسمون دائماً إلى فريقين عند مناقشة أي فكرة جديدة: فريق يؤيِّد الفكرة وفريق آخر يعارضها، لكني أعتقد أنهم لن يختلفوا إطلاقاً حول الرغبة في العيش حياةً أطول، خصوصاً في ضوء الإنجازات المذهلة التي يحققها الناس المعمِّرون حيث دخلت حديثاً موسوعة جينيس ماري هارديسون، من ولاية يوتا الأمريكية، والتي قررت أن تحتفل بعيد ميلادها الأول بعد المائة في الأول سبتمبر 2011 بطريقتها الخاصة حين تمكّنت من الطيران بالمظلة والهبوط بها بثقة تامة وأثبتت بذلك أن حياة المتقاعدين لها فعلاً مذاق خاص يستحق التجريب. لقد نالت ظاهرة التعمير اهتماماً خاصاً لدى المختّصين في الدراسات السكانية، خصوصاً بعد أن ازداد عدد الدول التي تغلب فيها نسبة السكان المسِّنين على نسبة الأطفال، ففي إمارة ماناكو مثلاً تصل نسبة الناس الذين تجاوزوا عتبة (65) عاماً إلى (22%)، وفي اليابان – (20%)، إيطاليا – (19%)، ألمانيا – (18%)، إسبانيا – (17%)، في حين أن نسبة الأطفال ممن تقل أعمارهم عن (15 سنة) لا تتعدى في هذه الدول أكثر من (14%). وللعلم فإن سكّان البلد يُصنّفون في عداد المسِّنين، بحسب تقديرات العلماء والمختصين في هذا المجال، إذا تجاوزت نسبة المواطنين الذين بلغوا سِّن الستين 8% من إجمالي عدد السكان. والسؤال الذي يفرض نفسه هو: ماذا تستطيع البلد أن تقدِّم لأبنائها المعمِّرين؟ فحينما يكبر المرء، تتضاءل طاقته الجسدية، وتصبح ممارسة المهنة عملاً شاقاً ومنبوذاً، وتنخر جسمه الأمراض الفتاكة، ويتنكر له في بعض الأحيان أبناؤه وذووه الذين اعتادوا أن يجدوه شخصاً قوياً مفعماً بالحيوية والمرح، فلا بّد إذن أن تكون هناك برامج واقعية قابلة للتنفيذ، يتم تخصيصها بالذات للمعمِّرين كي يتمكنوا من مجابهة أعباء الحياة، وشغل أوقات فراغهم بأعمال مفيدة تؤمِّن لهم كسباً مادياً معقولاً يخفف عنهم شظف العيش، ويحفظ كرامتهم. وإذا كان في بلاد العرب المترامية الأطراف يسود التصوّر بأن الإنسان حين يبلغ سِنّ الستين يجب أن يفكر في كيفية تربية أحفاده، والاستعداد للموت، فإن التجربة الإنسانية الممتدّة عبر الأجيال قد برهنت على حقيقة أن الحياة لا تنتهي حتى حينما يلامس الإنسان عتبة المائة، بل إنها تبدأ فعلاً بعد المائة!
الحيـــــاة تبــــدأ بعــــد المائــــــــة
15 أبريل 2012