وليد شنيكات
يحافظ قطاع واسع من الإعلام على صورة نمطية واحدة للمرأة باعتبارها سلعة تسويقية في سوق الإعلانات التجارية، لجذب قاعدة جماهيرية عريضة لخطب ود المعلنين، أو بضاعة مزجاة بشكل استعراضي بجسدها وزينتها في الأعمال التلفزيونية والسينمائية.
في مشهدية تبعث على الأسى نالت المنصات الإعلامية على اختلاف أنواعها من دور المرأة في المجتمع وتقديمها فقط بوصفها وسيلة للجذب الغرائزي وخالية من المشاعر، رغم ما حققته من نجاحات غير مسبوقة وتركت بصمات غاية في الأهمية في مهن تخصصية مثل الطب والقضاء والتعليم والأكاديمية وغيرها من القطاعات المتعددة.
اليوم، قلما تجد مسلسلاً أو فيلماً أو فيديو كليب عربياً يخلو من مشاهد تركز على جسد المرأة، من دون مضمون يرقى لذائقة المشاهد الذي له الحق في متابعة أعمال فنية رائعة تؤدي رسالة وتخدم قضية وتنشر فكرة، بيد أن المشاهد اعتاد مع مرور الوقت على مثل هذا الأعمال الرخيصة، و"البياعة" التي تطمح الشركات التجارية من ورائها إلى تحقيق أهداف ربحية سريعة في تسطيح واضح للمشروع الفني والبحث عن كل ما هو شهواني، يخطف الأبصار ليس أكثر.
في سنوات سابقة كانت المشاهد المعروضة في الأفلام العربية هي العلامة الفارقة التي تميزها عن المسلسلات، بما تنطوي عليه من لقطات ساخنة، واليوم لا يمكن للمرء أن يفرق بين الفيلم والمسلسل فكلاهما يعرضان مشاهد استعراضية محورها المرأة، وزينتها، وإبقاءها في إطار "الحريم".
مسلسل "عائلة الحاج متولي"، الذي أنتج في سنوات سابقة وقدم المرأة المطيعة الخاضعة لسطوة الرجل، ومسلسل "باب الحارة" الذي جسد صورة المرأة المضطهدة لفظياً وجسدياً، التي لا تقوى على الوقوف في وجه "ابن عمي" و"سلاسل ذهب"، و "الحرملك" الذي يتقاطع ويحاكي بعض المسلسلات التركية حيث الجواري واستعراض الملابس وسطوة السلطان وشكل النساء الجاريات والخادمات في بلاط الأمراء، كلها أعمال درامية ترسخ من مفهوم "المرأة الحرمة".
حتى أن شركات إنتاج ضخمة تضع قائمة خاصة بأسماء ممثلات للقيام بمثل هذه الأعمال، تقابلها قائمة أجور "محترمة" لمن ترغب. اذ أصبح شكل المرأة وزيها الذي يركز على ابراز مفاتنها هو العامل الأهم والقاسم المشترك في نجاح ما يعرض من أعمال درامية، وهذا كله جاء على حساب الأداء الفني للممثلة الذي تراجع وأصبح ثانوياً.
وحافظ الإعلام أيضاً على صورة المرأة كزوجة وأم، تهتم بالطبخ ووصف الأكلات المنوعة، وحينما ظهرت إلى جانب الرجل على قدم المساواة قدمها بوصفها الضحية التي يتم التحرش بها في أماكن العمل، في استدعاء مهين لفكرة المرأة "الأقل حظاً".
ما يجري ينسحب أيضاً على الصحافة الورقية التي في غالبها تخصص صفحات وملاحق كاملة عن المرأة، غير أنها تركز على قضايا تختص بالموضة ومستحضرات التجميل ووصفات الطبخ، إلى جانب البحث عن آخر صرعات الجمال العالمية. وغير بعيد عن ذلك جاء الإعلام الاجتماعي ليحمل على عاتقه تلك المهمة، ففي منصة إنستغرام مثلاً تطل العارضات وهن يقدمن صورهن في أزياء فاتنة ومستحضرات تجميل جديدة بحثاً عن حلم الشهرة.
كما دخلت النكات "المهرجان" واخذت شكلاً جديداً للإعلام الشعبي الذي لعب دوراً بارزاً في تشوية صورة المرأة والتندر عليها في مختلف المناسبات، والنيل منها، وخلال أزمة كورونا لم تسلم المرأة وكانت حاضرة على الدوام في سوق النكات. ولعل تشبيه وزير الأمن الإندونيسي الذي واجه انتقادات حادة، فيروس كورونا بالزوجات، حينما قال إن "كورونا" مثل زوجتك، حيث تحاول في البداية السيطرة عليها، ثم تدرك أنك لا تستطيع، ثم تتعلم كيف تتعايش معها، مثال حي على هذا.
واعتبرت جمعيات عالمية تتضامن مع المرأة أن النكات التي تستخدم النساء موضوعاً لها ستعمل على تطبيع ثقافة العنف والعنصرية ضد المرأة، وتضج مواقع التواصل الاجتماعي بنكات ارتبطت بتفشي فيروس كورونا ولكن جزءاً كبيراً منها مهين للمرأة ويختزن عنفاً ضدها واحتقاراً لها.
لكن السؤال إلى أي مدى ساهمت المرأة نفسها في صناعة هذه الصورة وسقوطها المدوي وتحولها إلى حالة، تحتاج لعقود للخروج منها؟
تقول الكاتبة الفرنسية سيمون دي بوفورا في كتابها "الجنس الآخر" الصادر في سنة 1949 "الأنثى تولد إنساناً ثم تُصنع امرأة"، وتقول أيضاً أن تحرر المرأة مرتبط بمدى استعدادها وقدرتها على تغيير الصورة التي ينظر بها الرجل اليها ولخصائصها الجسدية والنفسية".
هذا الرؤية للمرأة والأنثى وجدلية التحرر والانعتاق من وجهة نظر بوفورا تعكس حقيقة أن سلطة الآخر سواء كان رجلاً أو إعلاماً أو غيره تثير السؤال عن أولوية المرأة الإنسان وليس الأنثى بالمعنى الغريزي، وهل هي راضخة لمفهوم المرأة الأنثى أكثر من غيرها.
المؤلم أن المرأة وجدت نفسها متماهية مع الصورة السلبية التي رسمها لها الإعلام وظهورها بمظهر المرأة "العصرية"، خاصة في ما يتم عرضه في الأعمال الدرامية، وبحثها المستمر عن الشهرة السريعة، وكسب المال، فقد لعبت أدواراً سلبية مثل تاجرة مخدرات أو فتاة ليل أو مدمنة وبعض هذا النوع من الدراما قدمتها مخرجات شهيرات أي أن المرأة ساهمت في ظلم نفسها.
غير ان ثمة من يجادل بان ما يعرضه الإعلام هو مجرد مرآة لثقافة المجتمع ويعكس واقع متجذر ليس أكثر، بينما يرى آخرون أن الماكنة الإعلامية هي التي تحرك المجتمع والقوة التي تؤثر في صياغة ثقافته.
يحافظ قطاع واسع من الإعلام على صورة نمطية واحدة للمرأة باعتبارها سلعة تسويقية في سوق الإعلانات التجارية، لجذب قاعدة جماهيرية عريضة لخطب ود المعلنين، أو بضاعة مزجاة بشكل استعراضي بجسدها وزينتها في الأعمال التلفزيونية والسينمائية.
في مشهدية تبعث على الأسى نالت المنصات الإعلامية على اختلاف أنواعها من دور المرأة في المجتمع وتقديمها فقط بوصفها وسيلة للجذب الغرائزي وخالية من المشاعر، رغم ما حققته من نجاحات غير مسبوقة وتركت بصمات غاية في الأهمية في مهن تخصصية مثل الطب والقضاء والتعليم والأكاديمية وغيرها من القطاعات المتعددة.
اليوم، قلما تجد مسلسلاً أو فيلماً أو فيديو كليب عربياً يخلو من مشاهد تركز على جسد المرأة، من دون مضمون يرقى لذائقة المشاهد الذي له الحق في متابعة أعمال فنية رائعة تؤدي رسالة وتخدم قضية وتنشر فكرة، بيد أن المشاهد اعتاد مع مرور الوقت على مثل هذا الأعمال الرخيصة، و"البياعة" التي تطمح الشركات التجارية من ورائها إلى تحقيق أهداف ربحية سريعة في تسطيح واضح للمشروع الفني والبحث عن كل ما هو شهواني، يخطف الأبصار ليس أكثر.
في سنوات سابقة كانت المشاهد المعروضة في الأفلام العربية هي العلامة الفارقة التي تميزها عن المسلسلات، بما تنطوي عليه من لقطات ساخنة، واليوم لا يمكن للمرء أن يفرق بين الفيلم والمسلسل فكلاهما يعرضان مشاهد استعراضية محورها المرأة، وزينتها، وإبقاءها في إطار "الحريم".
مسلسل "عائلة الحاج متولي"، الذي أنتج في سنوات سابقة وقدم المرأة المطيعة الخاضعة لسطوة الرجل، ومسلسل "باب الحارة" الذي جسد صورة المرأة المضطهدة لفظياً وجسدياً، التي لا تقوى على الوقوف في وجه "ابن عمي" و"سلاسل ذهب"، و "الحرملك" الذي يتقاطع ويحاكي بعض المسلسلات التركية حيث الجواري واستعراض الملابس وسطوة السلطان وشكل النساء الجاريات والخادمات في بلاط الأمراء، كلها أعمال درامية ترسخ من مفهوم "المرأة الحرمة".
حتى أن شركات إنتاج ضخمة تضع قائمة خاصة بأسماء ممثلات للقيام بمثل هذه الأعمال، تقابلها قائمة أجور "محترمة" لمن ترغب. اذ أصبح شكل المرأة وزيها الذي يركز على ابراز مفاتنها هو العامل الأهم والقاسم المشترك في نجاح ما يعرض من أعمال درامية، وهذا كله جاء على حساب الأداء الفني للممثلة الذي تراجع وأصبح ثانوياً.
وحافظ الإعلام أيضاً على صورة المرأة كزوجة وأم، تهتم بالطبخ ووصف الأكلات المنوعة، وحينما ظهرت إلى جانب الرجل على قدم المساواة قدمها بوصفها الضحية التي يتم التحرش بها في أماكن العمل، في استدعاء مهين لفكرة المرأة "الأقل حظاً".
ما يجري ينسحب أيضاً على الصحافة الورقية التي في غالبها تخصص صفحات وملاحق كاملة عن المرأة، غير أنها تركز على قضايا تختص بالموضة ومستحضرات التجميل ووصفات الطبخ، إلى جانب البحث عن آخر صرعات الجمال العالمية. وغير بعيد عن ذلك جاء الإعلام الاجتماعي ليحمل على عاتقه تلك المهمة، ففي منصة إنستغرام مثلاً تطل العارضات وهن يقدمن صورهن في أزياء فاتنة ومستحضرات تجميل جديدة بحثاً عن حلم الشهرة.
كما دخلت النكات "المهرجان" واخذت شكلاً جديداً للإعلام الشعبي الذي لعب دوراً بارزاً في تشوية صورة المرأة والتندر عليها في مختلف المناسبات، والنيل منها، وخلال أزمة كورونا لم تسلم المرأة وكانت حاضرة على الدوام في سوق النكات. ولعل تشبيه وزير الأمن الإندونيسي الذي واجه انتقادات حادة، فيروس كورونا بالزوجات، حينما قال إن "كورونا" مثل زوجتك، حيث تحاول في البداية السيطرة عليها، ثم تدرك أنك لا تستطيع، ثم تتعلم كيف تتعايش معها، مثال حي على هذا.
واعتبرت جمعيات عالمية تتضامن مع المرأة أن النكات التي تستخدم النساء موضوعاً لها ستعمل على تطبيع ثقافة العنف والعنصرية ضد المرأة، وتضج مواقع التواصل الاجتماعي بنكات ارتبطت بتفشي فيروس كورونا ولكن جزءاً كبيراً منها مهين للمرأة ويختزن عنفاً ضدها واحتقاراً لها.
لكن السؤال إلى أي مدى ساهمت المرأة نفسها في صناعة هذه الصورة وسقوطها المدوي وتحولها إلى حالة، تحتاج لعقود للخروج منها؟
تقول الكاتبة الفرنسية سيمون دي بوفورا في كتابها "الجنس الآخر" الصادر في سنة 1949 "الأنثى تولد إنساناً ثم تُصنع امرأة"، وتقول أيضاً أن تحرر المرأة مرتبط بمدى استعدادها وقدرتها على تغيير الصورة التي ينظر بها الرجل اليها ولخصائصها الجسدية والنفسية".
هذا الرؤية للمرأة والأنثى وجدلية التحرر والانعتاق من وجهة نظر بوفورا تعكس حقيقة أن سلطة الآخر سواء كان رجلاً أو إعلاماً أو غيره تثير السؤال عن أولوية المرأة الإنسان وليس الأنثى بالمعنى الغريزي، وهل هي راضخة لمفهوم المرأة الأنثى أكثر من غيرها.
المؤلم أن المرأة وجدت نفسها متماهية مع الصورة السلبية التي رسمها لها الإعلام وظهورها بمظهر المرأة "العصرية"، خاصة في ما يتم عرضه في الأعمال الدرامية، وبحثها المستمر عن الشهرة السريعة، وكسب المال، فقد لعبت أدواراً سلبية مثل تاجرة مخدرات أو فتاة ليل أو مدمنة وبعض هذا النوع من الدراما قدمتها مخرجات شهيرات أي أن المرأة ساهمت في ظلم نفسها.
غير ان ثمة من يجادل بان ما يعرضه الإعلام هو مجرد مرآة لثقافة المجتمع ويعكس واقع متجذر ليس أكثر، بينما يرى آخرون أن الماكنة الإعلامية هي التي تحرك المجتمع والقوة التي تؤثر في صياغة ثقافته.