حاوره - حسن الستري:نفى وكيل وزارة الخارجية للشؤون الإقليمية ومجلس التعاون السابق السفير حمد العامر، صحة ما نشرته صحيفة خليجية بشأن بيع الإمارات لجزرها الثلاث لإيران عام 1970، مقابل تنازل الأخيرة عن المطالبة بالبحرين، وقال «استقلال البحرين لم يكن يوماً موضع مساومة». وأكد العامر في حوار مع صحيفة «الوطن»، أن امتلاك إيران للنووي يمهد الطريق أمامها لمقعد دائم بمجلس الأمن الدولي، لافتاً إلى أن الوضع المتأزم في سوريا والعراق واليمن يتفق واستراتيجية أمريكا بشأن أمن إسرائيل.وقال العامر إن الحرب الأهلية في اليمن قادمة لا محالة، إذا لم تجلس الأطراف المتنازعة على طاولة الحوار على أساس المبادرة الوطنية ومخرجات الحوار الوطني، لافتاً إلى أن الحوثيين يشكلون 8% من مجموع الشعب، ولا يستطيعون اجتياح صنعاء دون دعم من الرئيس السابق علي عبدالله صالح.* ما رأيك في محادثات الدول الكبرى مع إيران بخصوص برنامجها النووي؟هناك اتفاق يجري التفاوض بشأنه، وهناك تفاؤل بأوساط الدول الغربية والولايات المتحدة بخصوص اتفاق وشيك، لكني أرى أن هذا الاتفاق يمنح إيران فرصة جديدة للمضي قدماً في امتلاك السلاح النووي.* لما هذا التشاؤم؟هذا ليس تشاؤماً بل أمر واقع، فالنظام الإيراني مع هذا الاتفاق لن يتغير للأفضل، لأن الأهداف الاستراتيجية الإيرانية العليا تقوم على أساس امتلاك السلاح النووي، وتلتقي مع الأهداف الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة، خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر وتداعياتها المختلفة.بالتأكيد قرأت وسمعت عما تحدثت عنه وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كوندليزا رايس عن الفوضى الخلاقة، وقرأت بعض التقارير المختلفة عن التغييرات في المنطقة، وهناك الكثير من المخططات تهدف لقلب الأنظمة، وما شهدناه في ما يسمى بـ»الربيع العربي»، وما أدى إليه من تغيير النظام في ليبيا ومصر وتونس، إلى جانب ما نشاهده الآن من اضطرابات وقلاقل وانعدام الأمن والاستقرار في سوريا والعراق واليمن بسبب أعمال العنف والإرهاب.ورغم ما صورته أجهزة الإعلام الغربية من أن ما يجري في البلاد العربية من تغيير سيحقق لشعوب هذه الدول حريات أوسع وارتفاع مستويات المعيشة والتنمية وغيرها، إلا أن شيئاً من ذلك لم يتحقق، بل بالعكس تعيش شعوب هذه الدول أوضاعاً كارثية.امتلاك إيران للسلاح النووي شيء مهم بالنسبة لها، فهو يساعد على تثبيت نظام ولاية الفقيه وبقائه، إلى جانب دخولها في النادي النووي، وكدولة نووية ستكون قد حققت أحد أهم أهداف استراتيجيتها وهي الهيمنة وبسط نفوذها على المستوى الإقليمي، وتحقيق هدفها الأبعد بالحصول على مقعد دائم في مجلس الأمن عن منطقة آسيا.هناك مباحثات في مجلس الأمن منذ أكثر من 15 عاماً، تهدف إلى تعديل نظام عضوية المجلس، بحيث يحقق عدالة أكثر لدول أخرى أصبح لها دور مؤثر، مثل ألمانيا التي تعتبر من الدول ذات القوة الاقتصادية على مستوى العالم، والهند في آسيا كأفضل نموذج للديمقراطية في العالم الثالث.وإذا عدنا لموضوع التغيير في المنطقة أو ما يسمى بـ»الربيع العربي»، أود التوضيح أن علاقات أمريكا ودول الاتحاد الأوربي مع دول العالم تقوم على أهمية احترام حقوق الإنسان وحرية التعبير، وهناك ضغوطات من البرلمانات الغربية على حكوماتها بأن تضع قضايا حقوق الإنسان وحرية التعبير كأولوية في العلاقات مع الدول الأخرى سواء دول مجلس التعاون أو غيرها، إلا أن ذلك يخضع أحياناً للمصالح الخاصة للدول الكبرى كبريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة مع هذه الدول.وإذا وضعنا في الاعتبار هذه المصالح الخاصة للدول الأوروبية وأمريكا، إلى جانب ضمان استمرار تدفق النفط عبر خطوط الملاحة الدولية، نجد كيف استغلت إيران هذه الأوضاع لتحقيق مصالحها في الشرق الاوسط، بهيمنتها على بعض البلاد العربية وسعيها لإقامة نظام إقليمي جديد تتحكم من خلاله بالقرار السياسي والاقتصادي في منطقة الخليج والشرق الأوسط.* ذكرت أن أسباب تغيير النظام لدى أمريكا هو انتهاك حقوق الإنسان وحرية التعبير، إضافة لضمان وصول النفط، وإيران تتصدر قائمة الدول المتهمة بانتهاك حقوق الإنسان، وليس من مصلحة أمريكا أن تسيطر دولة واحدة على منابع النفط، لماذا لا يكون النظام الإيراني هدفاً للتغيير من قبل الولايات المتحدة؟السياسة الأمريكية تجاه المنطقة تسير على مراحل خطوة خطوة، وفي المرحلة الحالية تريد واشنطن أن تصل إلى نتائج الخطوة الأولى وبعدها تنتقل للخطوة الثانية، فالوضع المتأزم في سوريا والعراق واليمن بسبب التدخل الإيراني، يتفق تماماً والاستراتيجية الأمريكية بشأن أمن إسرائيل الذي يعتبر أولوية أمريكية.وبالنسبة لدول مجلس التعاون فإن إيران ليست دولة عادية، بل هي دولة مسلمة وجارة لها وزنها وتاريخها، وتتطلع دول المجلس أن يكون لها علاقات حسن جوار ثابتة قائمة على الثقة المتبادلة، وإنهاء القضايا الخلافية العالقة بالطرق السلمية.الاحتلال الإيراني للجزر الإماراتية أحد معوقات تحسين هذه العلاقات، والتدخل الإيراني في اليمن والبحرين أمر آخر يعكر قيام علاقات طبيعية بين الجانبين. احترام سيادة واستقلال الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، يساعد على تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة، وإقامة علاقات طبيعية بين الدول الأطراف في الإقليم الواحد.* كلامك يبدو متناقضاً، إذا كانت أمريكا تريد الإطاحة بالنظام الإيراني، أليس من الأولى أن تطيح به الآن قبل أن يتعاظم شأنه، ويكثر عدد الأنظمة المتحالفة معه؟ليس هناك تتاقض فيما أقول، أنا أوضحت أن للولايات المتحدة خططاً استراتيجية تقوم بتنفيذها خطوة خطوة، ثم لاتنسى أن استخدام القوة كما حصل لصدام حسين غير مقبول الآن من المجتمع الدولي، وهذا يعني أنه لا يمكن استخدام القوة العسكرية لإسقاط أي نظام في المنطقة أو العالم، إلا أن القراءة الحالية للاستراتيجية الأمريكية والغربية هو السعي لإقامة أنظمة تعددية في كافة أنحاء العالم تتفق ومصالحها وتنسجم مع قرارات برلماناتها. * ولكن لم لا تعمل دول المنطقة على احترام حقوق الإنسان وحرية التعبير؟دول المنطقة تعمل على احترم حقوق الإنسان وحرية التعبير، كل دولة تعمل حسب ظروفها، إذ لا يمكن تطبيق النظام البرلماني الغربي على دول المجلس أو غيرها من دول العالم، ظروف كل دولة تختلف. لكن بالمقابل هناك توجه له تاريخ وقائم على أرض الواقع في دول مجلس التعاون، فتاريخ الحياة البرلمانية في الكويت يعود للستينات والبحرين بدأت منذ السبعينات واستأنفت النشاط البرلماني وفقاً للبرنامج الإصلاحي لجلالة الملك المفدى، وهناك تطور ملحوظ في السعودية يتمثل بمجلس الشورى، ودخول المرأة عضواً بالمجلس بنسبة 20%، وهناك مجالس بلدية منتخبة في البحرين وقطر والإمارات وعمان. المنطقة تسير نحو تحقيق النظام البرلماني والتزامها بحقوق الإنسان واحترام تطلعات شعوبها بما ينسجم مع قيمه وعاداته وموروثاته، وماهو مطلوب دعم هذه التطورات الإيجابية وتقديم الخبرات اللازمة لضمان نجاحها.* هل أفهم من كلامك أن أمريكا لا تهدف من وراء التغيير خدمة حقوق الإنسان، بل هدفها السيطرة على المناطق بذريعة حقوق الإنسان؟موضوع السيطرة على العالم، اختلفت أشكاله بمراحل التاريخ، بدءاً من المد الاستعماري بالقوة العسكرية مع بدء حركة النهضة الأوروبية في القرن الخامس عشر، وكانت بريطانيا على سبيل المثال يطلق عليها إمبراطورية لا تغيب عنها الشمس، وتغير الأمر وانحسر الاستعمار العسكري بعد ظهور حركات التحرر في الخمسينات.انتقلنا بعدها للاستعمار الاقتصادي الذي أصبحت الدول النامية تعتمد فيه على المنتجات الغربية، فبتنا لا نستطيع شراء إبرة إلا من عندهم، سلاحنا وسياراتنا وطعامنا من عندهم، ثم جاءت مرحلة جديدة للتدخل وهي الحالية، وفيها ترفع شعارات دعم حقوق الإنسان في العالم، وأعطوا لأنفسهم حق التدخل بشؤون كل دولة تحت هذا الشعار. * نشرت صحيفة خليجية أن الشارقة باعت الجزر الإماراتية الثلاث لإيران عام 1970، وأن هذه الصفقة جاءت مقابل تنازل إيران عن المطالبة بالبحرين؟هذا لا يعدو كونه خبراً صحافياً، ولا مصداقية له، موضوع استقلال البحرين ليس في خانة المساومات، بل كان مبنياً على أسس صحيحة بين الأمم المتحدة والبحرين وإيران، وإصرار القيادة في البحرين على أن المملكة دولة عربية مستقلة وأن الادعاءات الإيرانية باطلة.وتم الاتفاق بين الأمم المتحدة والبحرين وإيران على تشكيل لجنة تقصي حقائق أجرت اجتماعات مكثفة مع أهل البحرين، وأثبت شعب البحرين بكل وضوح أنه عربي مسلم وبايع بالإجماع آل خليفة حكاماً على البحرين، وفي 11 مايو 1970 قدم ونسبير رئيس اللجنة تقريره لمجلس الأمن الذي أصدر قراره التاريخي بأن البحرين دولة عربية مستقلة. لا نقحم موضوع البحرين بموضوع إيران واحتلالها للجزر الإماراتية، هذا موضوع آخر، والقيادة السياسية في الإمارات تسعى بكل الطرق الدبلوماسية لإنهاء الاحتلال الإيراني إما بالمفاوضات المباشرة أو رفع القضية إلى محكمة العدل الدولية، وكل ما أتمناه أن تدرك إيران أن علاقات صداقة قوية مع جيرانها أفضل لها من احتلالها لأراضيهم والتدخل في شؤونهم الداخلية.* ما دور البحرين إبان الحرب العراقية الإيرانية؟دور البحرين كان في إطار الدور الخليجي، كان هناك تحرك خليجي لإيجاد حل سلمي بين البلدين، وكان يهمها وقف الحرب لما لها من تأثير على أمن واستقرار المنطقة، وكان من تداعياتها احتلال صدام حسين للكويت.* برأيك كيف يمكن حل الأزمة اليمنية؟المبادرة الخليجية أساس حل الأزمة اليمنية وأيضاً مخرجات الحوار الوطني، ولكن التدخل الإيراني في شؤون اليمن والانقلاب الحوثي والتحالف الداخلي مع الرئيس السابق يؤزم الوضع، وإذا لم يتم الحوار السياسي بين الأطراف اليمنية على أساس هذه المبادرة، فإن الحرب الأهلية قادمة في اليمن. * هل تعتقد أن الرئيس السابق علي عبدالله صالح تحالف مع الحوثيين؟الحوثيون يشكلون 8% من مجموع الشعب اليمني، كيف استطاعوا اجتياح صنعاء لو لم يكن هناك من يدعمهم؟* ما رأيك في مقترح الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بتشكيل قوة عربية مشتركة لمواجهة الإرهاب؟رؤية مناسبة بسبب الأوضاع العربية الراهنة، وتأتي في إطار اتفاقية الدفاع العربي المشترك الداعية لوجود قوة عربية تستطيع أن تحمي وتدافع عن الدول العربية، لذلك فوجود قوة عربية دائمة تتحرك وقت الحاجة عامل مهم للردع وتثبيت الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط.* ما أبرز ما واجهته من صعوبات خلال عملك الدبلوماسي طيلة 45 عاماً؟ لنترك الحديث عن الصعوبات في كتابي القادم، هناك الكثير من الذكريات الجميلة والمؤلمة مررت بها أثناء عملي الدبلوماسي، ولكنها كانت تجارب أثرت حياتي وزادت من ثقتي بنفسي وعززت خبرتي السياسية.* هل هناك كلمة أخيرة تود قولها؟الحديث عن السياسة الخارجية للبحرين طويل ويحتاج لملفات، إلا أن الدبلوماسية البحرينية منذ الاستقلال إلى اليوم بقيادة وزيرها الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة، حققت الكثير من النجاحات في الدفاع عن مصالح البحرين وسياستها الخارجية.للبحرين مواقف مميزة ومعتدلة في المحافل الإقليمية والدولية، وتمكنت من حل مشاكلها الإقليمية وفقاً لمبادئ الأمم المتحدة، وأقامت علاقات صداقة مع كافة دول العالم، قائمة على عدم التدخل في الشؤون الداخلية وحسن الجوار.