قام السيناتور الأميركي عن ولاية تكساس، تيد كروز، بترشيح نفسه للانتخابات الرئاسية القادمة كأول مرشح جمهوري يعلن رسمياً عن اسمه في سباق التنافس الانتخابي الرئاسي القادم لعام 2016. غير أن كروز، ذا الجذور الكوبية، يثير الكثير من الجدل والصداع، ليس فقط لخصومه الديمقراطيين، لكن حتى لكبار القيادات في حزبه الجمهوري.ويثير كروز اهتمام الناس ووسائل الإعلام بسبب شخصيته التي تجمع المتناقضات، فهو مثقف يشهد له المختلفون معه على سعة اطلاعه ومعرفته السياسية، لكنه يتحول بسرعة إلى ديماغوجي يردد الشعارات الرنانة لإثارة حماسة الجماهير. يستخدم الأسلوب الفكري التحليلي لمخاطبة النخبة واللغة الموغلة في الشعوبية لمخاطبة رجل الشارع. شديد الطموح وخطيب مفوه ويملك لساناً حاداً كالسكين، إلا أنه يبدو فجأة كشخص لطيف وعذب اللسان وبطموحات محدودة. متنمر لكن أنيق، ديماغوجي ولكن مثقف. خريج جامعة هارفارد العريقة الذي يتحدث بلغة الشارع والأزقة الفقيرة.وأثار صعود كروز منذ البداية موجة صاخبة من المحبين والساخطين. وتصاعدت أكثر بعد ترشيح نفسه ليكون الرئيس الأميركي القادم، الأمر الذي صنع منه الرجل الأكثر إثارة للاهتمام في الداخل الأميركي.صعوده السياسيصعد نجم تيد كروز كأحد أهم الأسماء الجمهورية الشابة التي سددت طعنات قاتلة للمؤسسة الجمهورية التقليدية التي أعلن بتبجح، منذ البداية، أنها فشلت في مواجهة الديمقراطيين المنظمين الذين فازوا بالانتخابات الرئاسية في المرتين السابقتين.وقال كروز منذ البداية إنه لم يأت ليجلس في الخلف ويستمع كطالب في سنته الأولى الجامعية، بل ليدافع بقوة عن المبادئ التي ساهمت بإيصاله للكونغرس.وقال في مناسبة أخرى في نبرة تحدٍّ "أتيت واشنطن لأبقى". وبالفعل خلال أقل من سنة على وصوله للكونغرس شن حملة شعواء على نظام الرئيس باراك أوباما للتأمين الصحي وتسبب أيضاً بإغلاق الحكومة.وهذا الهجوم الكاسح أثار عليه غضب كبار الجمهوريين، مثل جون ماكين الذي يكرهه بشدة ويتهمه بالصلف والغرور، الذي يجعله يضع طموحه الشخصي فوق مصلحة الحزب.غير أن كروز، الذي ركب حصان حزب الشاي الجامح، لم يهتم بكل الاتهامات التي تقول إنه تسبب بتقسيم حزبه ودفع الناخبين المستقلين إلى أحضان خصومهم الديمقراطيين، مردداً الحجة القائلة إن الأساليب القديمة في التنافس مع الديمقراطيين أثبتت فشلها وعليهم اتخاذ أساليب جديدة لاستعادة البيت الأبيض من جديد.الطالب المتفوق والمتحدث البارعدرس كروز المرحلة الأكاديمية في أعرق الجامعات الأميركية وهي برنستون وهارفارد. ويقول أحد الطلاب الذي زامله إنه مغرم بالقراءة ويحمل بين يديه كتباً ثقيلة المحتوى مثل كتاب "هل كان كارل ماركس عالماً؟". ويقول عنه أحد أساتذته في الجامعة إنه "يملك رؤية عبقرية وتصدر قائمة الطلاب المتفوقين". وفي الجامعة أيضاً تعلم أساليب الخطاب وكان يقود فريق النقاش والخطابة.وسائل الإعلام تحبه وتكرههحاولت وسائل الإعلام الليبرالية المعادية للمحافظين تحطيمه كثيراً، لكنها وقعت في سحره. على الرغم من انتقاداتها المستمرة له فإنها تعترف بشخصيته المميزة والمختلفة عن بقية السياسيين الذين لا يغرون المشاهد أو القارئ بالحرص على متابعة أخبارهم وقصصهم كما هو الحال معه.أما وسائل المحافظة فهي تقف في صفه وتدعمه بالكامل بسبب إحباطها من الجمهوريين الكلاسيكيين مثل جون ماكين وميت رومني، اللذين فشلا في التغلب على أوباما على الرغم من كل الدعم الذي قدموه لهم .وكبار الإعلاميين الجمهوريين مثل بيل أورايلي وشون هانتي وراش ليمبو فيعقدون على نهجه الشبابي الملتهب الأمل في توحيد صفوف الجمهوريين، خصوصاً شريحة الشباب التي انفصلت تماماً عن الخطاب الإعلامي والسياسي القديم العاجز عن جلب أنصار جدد من الجيل الجديد.هل هو أوباما الجديد؟على الرغم من أن تيد كروز من أكثر السياسيين الذين شنوا هجوماً شرساً على الرئيس باراك أوباما إلا أنه يوصف من قبل البعض بـ"أوباما الجمهوريين" بسبب تشابهه مع مسيرة أوباما، فيما مسيرته السياسية نحو البيت الأبيض.تيد كروز، كأوباما، استخدم لسانه وليس مهاراته الإدارية وخبرته السياسية في الوصول بأقصر الطرق إلى واشنطن. أوباما تجاهل القوى التقليدية للصعود السريع واستخدم الإعلام لصالحه. الشيء ذاته قام به كروز الذي لا يهتم لغضب كبار حزبه إذا رضي مقدمو برامج التوك شو في محطة الفوكس نيوز. أوباما لم يجرب العمل كحاكم، والشيء ذاته حدث مع كروز الذي يفتقد للخبرة الإدارية في الحكم.ومن المؤكد أن كروز سيواجه منافسة شرسة من منافسيه الجمهوريين. وحتى إذا لم يصل للبيت الأبيض، إلا أنه سيخلق حالة من الضجيج والإثارة لا يجيد أحد غيرها فعلها.