سكاي نيوز عربية

لا تتوانى سلطات الاحتلال التركي ومرتزقتها السوريين عن ارتكاب شتى صنوف جرائم الحرب في مناطق الاحتلال شمالي سوريا، إثر غزوتي "غصن الزيتون" و"نبع السلام"، من قتل واغتصاب وخطف مقابل فديات مالية واستيلاء على بيوت وممتلكات الأهالي إلى نهب المحاصيل الزراعية كالزيتون، وسرقة الآثار وتجريف المواقع الأثرية والتاريخية.

وقد نشر المرصد السوري لحقوق الإنسان في هذا الصدد مؤخراً فيديو جديداً يرصد نبش المرتزقة لموقع أثري في ريف منطقة كري سبي/تل أبيض المحتلة ما يشكل غيضاً من فيض فمنذ نحو ثلاثة أعوام مع احتلال عفرين خاصة تتصاعد وتيرة عمليات سرقة الآثار ونقلها إلى تركيا رغم المطالبات المتواصلة والمتكررة بوقف عمليات النهب المنظمة هذه سورياً، إن من قبل سلطات الإدارة الذاتية لشمال شرق سوريا أو حتى من قبل المديرية العامة للآثار والمتاحف السورية ودولياً خاصة وأن الآثار السورية أدرجت من طرف المنظمات الأممية المعنية ضمن لوائح الآثار المهددة بالخطر .

وليس سراً بطبيعة الحال أن هذه الجرائم المنظمة ضد التراث الحضاري الإنساني تتم وفق خطة ممنهجة تركية هادفة لتدمير كل ما هو جمالي وتاريخي في المناطق الكردية التي يحتلها الجيش التركي شمال سوريا بغية محو ملامحها وتشويهها.

وهكذا فقد توالت وتواترت طيلة هذه المدة التقارير والمعلومات المؤكدة والموثقة في هذا الصدد من قبل المرصد السوري وغيره من منظمات وهيئات معنية بمكافحة جرائم تهريب الآثار وقرصنتها في المناطق المحتلة شمال سوريا من قبل تركيا فمن منطقة النبي هوري (سيروس) في عفرين إلى منطقة تل حلف في سري كانييه/رأس العين تتواصل عمليات نهب الآثار وتخريب الأماكن الأثرية من قبل الاحتلال التركي ومرتزقته ومافيات تجارة الآثار المتورطة معه بلا هوادة.

ويرى المختصون أن الغاية هنا ليست فقط الربح المادي إنما تهدف أنقرة بالدرجة الأساس لتغيير الوقائع والحقائق الديمغرافية والقومية والثقافية وتحويل المنطقة إلى مشاع بلا هوية يعيث مرتزقتها فيها فساداً وتخريباً محاولين بذلك طمس العمق الحضاري للمنطقة.

ويقول الباحث والكاتب بختيار سعيد في تصريح إلى "سكاي نيوز عربية" في هذا المضمار: "هذه الآثار المنهوبة والمواقع التاريخية التي تطالها يد التخريب التركية هي ملك للإنسانية وهي ترمز إلى حقب ومحطات متنوعة من التراكم الحضاري في هذه المناطق الغنية بكنوزها الأثرية والفنية".

فمثلاً في معبد عين دارة في منطقة عفرين وثقت سرقة مرتزقة الاحتلال التركي الأسد البازلتي الضخم وغيره من آثار وتماثيل ومجسمات تعود لعصور سحيقة فضلاً عن تدمير المواقع الأثرية خلال عمليات التنقيب والجرف حتى أن بعض فصائل المرتزقة التابعين لأنقرة والائتلاف مثل "أحرار الشرقية" و"العمشات" و"الحمزات" و"السلطان مراد" و"صقور الشمال" لا تتوانى حتى عن تدمير بعض المحال التجارية والسكنية في عفرين وبلداتها كما وثق المرصد السوري غير مرة بحثاً عن آثار وكنوز ونفائس مدفونة.

وتقوم فصائل المرتزقة بهذا ضاربة عرض الحائط الاتفاقيات والمواثيق الدولية الخاصة بحماية التراث الثقافي الإنساني أثناء الحروب كميثاقي واشنطن وفينيسيا في 1935 وفي 1965 واتفاقية لاهاي في 1954 وملحقها في 1999 والتي اعتمدتها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونيسكو" كمعيار لحماية التراث الثقافي العالمي إبان النزاعات والصراعات المسلحة والتي تعتبر التعدي على أية ممتلكات ثقافية لشعب ما تعدياً على الممتلكات الثقافية للبشرية جمعاء إضافة إلى اتفاقية اليونسكو في 1970 بشأن التدابير الواجب اتخاذها لحظر ومنع استيراد و تصدير ونقل ملكية الممتلكات الثقافية بطرق غير مشروعة وصولاً إلى المبادرة الإماراتية - الفرنسية في 2016 والتي تبلورت عبر المؤتمر الدولي المنعقد أواخر ذلك العام في العاصمة الإماراتية أبو ظبي تحت عنوان "الحفاظ على التراث الثقافي المهدد بالخطر" والتي تمخض عنها إنشاء صندوق دولي لحماية التراث الثقافي المهدد أثناء النزاعات المسلحة وإنشاء شبكة ملاذات دولية آمنة لحماية الممتلكات الثقافية المعرضة للخطر في ظل تلك النزاعات.

لكن رغم كل هذه الجهود والعهود الدولية الناظمة لصون الممتلكات الثقافية حول العالم، تتم عمليات السرقة والنهب والعبث والتدمير من قبل تركيا بحق كنوز ودرر تراثية وروائع أثرية وثقافية لا تقدر بثمن على امتداد الشمال السوري المحتل من عفرين إلى سري كانييه/رأس العين تحت مرأى العالم ومسمعه.

ويطالب بختيار سعيد وهو مختص أيضاً في الفنون التشكيلية والفوتوغرافية وتنظيم المعارض الثقافية: "المنظمات الأممية والعربية والهيئات المعنية بحماية التنوع الثقافي العالمي بالتحرك الفوري والعاجل كون هذه القضية تتصل بالعبث بذاكرة وتاريخ السوريين عموماً والكرد منهم خصوصاً بل وهي تتصل بالعرب والكرد خارج سوريا وتعنيهم أيضاً".