لكل منا أكثر من بصمة في هذه الحياة، بعض هذه البصمات فريد من نوعه ويميز الفرد عن أقرانه كبصمة الإصبع وبصمة العين والبصمة الوراثية، وبعضها قد يتشابه كالبصمة البيئية وبصمة الكربون.

يعتبر مصطلح البصمة الكربونية حديث العمر نسبياً، فقد تم اشتقاقه من مصطلح البصمة البيئية الذي ظهر في التسعينيات من القرن الماضي، وذلك بعد أن حظيت قضية تغير المناخ بالاهتمام العالمي، وصار لزاماً خفض انبعاث غازات الدفيئة. وعليه، فقد بدأ احتساب البصمة الكربونية لمختلف الأشياء، حيث يتم احتساب البصمة الكربونية لمنتجات معينة أو صناعات محددة، أو حتى للإنسان نفسه، وذلك عن طريق حساب أو تقدير كمية انبعاثات مكافئ ثاني أكسيد الكربون المرتبطة باستهلاك المنتَج أو الإنسان. للوهلة الأولى، قد تبدو هذه العملية غاية في السهولة، ولكنها فعلياً تتطلب الكثير من البيانات وتتضمن وضع العديد من الفرضيات.

ما دعاني إلى كتابة هذا المقال هو كثرة المواقع الحديثة التي صارت تحسب البصمة الكربونية للإنسان والتي صادفتها خلال تصفحي مؤخراً لموقع LinkedIn. فخلال الشهر الماضي، وقفت على حاسبة للبصمة الكربونية للملابس التي نشتريها. نعم، فلكل نوع من الملابس بصمة كربونية مختلفة بحسب المواد المستخدمة في تصنيعه ونوع الطاقة المستهلكة ومكان التصنيع. كما وصادفت أيضاً حاسبة أخرى لمجموعة من السلع كالأحذية والحقائب وغيرها وذلك بحسب الماركات. ولكن ما لفت انتباهي هو حاسبة طورتها Global Footprint Network والتي تضمنت أبرز مصادر الكربون بحسب الأنشطة المختلفة للفرد واستهلاكه من الكهرباء والطعام والمنتجات الاستهلاكية. طبعاً ليس هذا بالأمر الجديد، إذ توجد العديد من الحاسبات، لكن الجديد هو أن بصمتي الكربونية كانت مماثلة لبصمة كاتب الموضوع الألماني، غير أن الاختلاف كان في مصدر الكربون الذي كان بسبب استهلاك الكهرباء من الوقود الأحفوري بالنسبة لي، في حين أنه كان بسبب كثرة سفر كاتب الموضوع وذلك باستخدام الطائرة. وهذا ما يؤكد على ضرورة أن تستجيب السياسات لأبرز مصادر انبعاث الكربون والتي تختلف من سياق إلى آخر. ولا يفوتني هنا أن أنوه إلى أن نتيجة هذه الحاسبة ليست دقيقة بالضرورة، إذ تختلف البصمة الكربونية لمختلف أنشطة الإنسان بحسب الدول، فالانبعاثات الناجمة عن إنتاج الكهرباء مثلاً في دولنا تختلف عن مثيلتها في دول أخرى بسبب اختلاف مصدر الوقود وكفاءة التحويل والتكنولوجيا المستخدمة وعمرها وغيرها من العوامل.

ما يهم في موضوع البصمة الكربونية هو الأثر الذي يحدثه الإنسان على بيئته نتيجة سلوكه واختياراته اليومية ونمط حياته. وثمة أمر آخر مهم وهو تأثير نمط حياة الفرد واختياراته على محيطه من العائلة والأصدقاء والأبناء، فإن كان يتبع نمطاً استهلاكياً غير مستدام، فقد ينتقل ذلك إلى محيطه بحيث يسير على خطاه الكثير ممن يخالطه وقد يستمر ذلك حتى بعد انقضاء عمر هذا الإنسان، والعكس صحيح.

* فائدة:

لنجعل لنا بصمة إيجابية في هذه الدنيا ليس على مستوى أعمال الخير فحسب، وإنما على مستوى حماية الموارد الطبيعية والبيئة أيضاً. فما هي بصمتك الكربونية؟ وما هو إرثك البيئي الذي ستتركه لمن بعدك؟

د. مها الصباغ، أستاذ سياسات الطاقة وتغير المناخ المساعد – جامعة الخليج العربي

mahamw@agu.edu.bh