كان ذا مهابة. وكان شجاعاً صلباً. وفي الوقت ذاته حليماً كريماً، يطوي جناحه مودة لمن حوله. إبراهيم محمد جمعان هجرس الشخصية الوطنية والتربوي والقيادي الناصري، الذي أوجع قلوب محبيه برحيله الباكر، كان نموذجاً للرجل البحريني الشهم. وتجسيداً للأخلاق البحرينية الرفيعة صاحبة الفزعات.

في المحرق، في العام 1957. ولد إبراهيم جمعان. أثرت مدينة المحرق العريقة متماسكة التراث ذات التاريخ الوطني والعروبي في تكوينه الشخصي. وفي الإسكندرية، مصر، قلب العرب النابض، أكمل دراسته الجامعية. وما بين المحرق والإسكندرية نضجت الروح الوطنية لديه وتبلور الحس القومي. فالمكان هو المحتوى التربوي الأول الذي يصنع شخصياتنا. أحب جمعان المحرق. ورآها أم المدائن البحرينية، مصنع الرجال ومنبع الوطنية. وعشق مصر، لا بلد آخر غير مصر كان عشقها يضاهي عشق البحرين في عروقه. وكان لا يقضي إجازاته إلا متنقلاً بين القاهرة والإسكندرية. كان عروبياً منتمياً لهذه الأمة. ومنحازاً لقضاياها. ووطنياً يحث الجميع على الحفاظ على الوطن وهويته وسلامته. ويعزز فيهم روح العمل من أجل البحرين.

حين بدأ المشروع الإصلاحي لجلالة الملك مطلع الألفية الثانية كان من المبادرين للالتحاق بهذا المشروع. ومن مؤسسي جمعية الوسط العربي القومي ذات التوجه الناصري. وحين اندلعت أحداث 2011 كان من أوائل مؤسسي تجمع الوحدة الوطنية الذي واجه الأحداث وتصدى للحراك الطائفي. الوطنية عنده فعل وعمل وإنجاز وليست شعارات تتلاشى عند أول تحدٍ.

تميز الفقيد الراحل بثقافة موسوعية غزيرة. وقلم سيال مبدع. فهو من أوائل كتاب المقال في صحيفة الوطن البحرينية. وهو أحد الرموز التربوية في مملكة البحرين. إذ بدأ حياته المهنية في مدرسة الهداية الخليفية. واختتمها بتأسيس إدارة التعليم الثانوي. وكانت رؤيته التربوية والمنهجية تقوم على أن التربية حس إنساني وفعل اجتماعي. يستوعب الجميع ويحفز قدرات الكل. والغاية الأسمى من العمل التربوي هو خدمة الوطن والحفاظ على الوجه الحضاري التاريخي للبحرين.

الذين رافقوا إبراهيم جمعان في مختلف محطات حياته يشهدون له بالنباهة والنزاهة. ونقاء السريرة. والجرأة الزائدة عن الحد، والصراحة المربكة. وعلى عكس ما يبديه أحياناً من صرامة وشدة في اتخاذ المواقف. كان، رحمه الله، لين القلب، متواضعاً، متسامحاً، مترفعاً عن الضغائن والصغائر. لا يتأخر عن تقديم العون للآخرين. وفي هذه الرحلة غير الطويلة من العمر صار له، إلى جانب أسرته، عائلة أكبر. هي تلاميذه، وزملاؤه، ومحبوه من مختلف الفئات التي يقابلها في كل مكان. هؤلاء جميعاً استشعروا في وجوده، بالأبوة والأخوة، والسند في الشدائد. ولكل منهم قصصه الخاصة معه. ومواقفه التي لا تنسى.

رحمك الله يا أبا خالد. وجعل قبرك نوراً وضياءً ورياضاً من رياض الخلد. ما ظننا أن نرثيك سريعاً، هكذا، على عجل. لكنها إرادة الله وصنائع القدر. وهكذا هم الطيبون، يرحلون في صمت. كمن يغادر بعد زيارة قصيرة جداً.