تقطع حملات التطعيم وعوداً بتقويض جائحة كورونا، لكن الحكومات والشركات تقبل ما حذر منه علماء الأوبئة منذ فترة طويلة، وهو أن الفيروس المسبب للمرض سينتشر لسنوات، وربما لعقود، مخلفاً مجتمعاً يتعايش معه بذات القدر الذي يتعايش به مع أمراض متوطنة أخرى مثل "الأنفلونزا والحصبة وفيروس نقص المناعة البشرية".
ويقول علماء الأوبئة إن السهولة التي ينتشر بها فيروس كورونا، وظهور سلالات جديدة، وعدم القدرة على الوصول الفعال للقاحات المضادة في أجزاء كثيرة من العالم، تعني جميعها إمكانية تحوله من مرض وبائي إلى متوطن، ما يستلزم إجراء تعديلات دائمة على السلوكين "الشخصي والاجتماعي".
وقال المدير السابق للمراكز الأميركية لمكافحة الأمراض، توماس فريدمان: "نحتاج إلى أن نصل إلى مرحلة القبول والتسليم بأن حياتنا لن تعود كما كانت">
وأضاف: "لا أعتقد أن العالم استوعب حقيقة أن هذه التغيرات ستستمر على المدى الطويل".
ولا يعني توطّن "كوفيد-19" بالضرورة استمرار فرض قيود فيروس كورونا، كما يقول خبراء الأمراض المعدية، فالأمر يعتمد بدرجة كبيرة على فعالية اللقاحات في الوقاية من الأمراض الحادة، وتقليل نسب الدخول إلى المستشفيات وحالات الوفاة.
وتفيد صحيفة "وول ستريت جورنال" بأن معدلات إشغال المستشفيات جراء إصابات كورونا، تراجعت بالفعل بنسبة 30% في إسرائيل، بعد أن قامت حكومتها "بتطعيم ثلث السكان، ويُتوقع انخفاض نسبة الوفيات في غضون الأسابيع القادمة".
صناعة الوقاية
كما تخطط بعض المنظمات لمستقبل طويل الأمد تستمر فيه بعض الإجراءات الوقائية، كارتداء الكمامات وتوفير التهوية الجيدة، وإجراء المسحات.
وفي هذه الأثناء، تتشكل سريعاً ملامح "صناعة كوفيد- 19" جديدة ومربحة، إذ تستثمر الشركات في سلع وخدمات مثل "مراقبة جودة الهواء، والفلاتر، وأدوات التشخيص، والأدوية الجديدة".
ومن المنتظر أن يشهد العام الحالي زيادة في أعداد اختبارات "بي سي أر" للكشف عن الجينات على مستوى العالم، فبعض الشركات، من بينها "كويست دايجنوستيكس" في نيو جيرسي، تتوقع أن يحتاج ملايين الأفراد إلى إجراء مسحات قبل حضور الحفلات، أو مبارايات كرة السلة، أو المناسبات العائلية.
ويتوقع المتحدث باسم شركة "إس دي بيوسنسور"، جيون ليم في كوريا الجنوبية أن يستمر هذا الأمر لسنوات، أو أن يكون أبدياً مثل الأنفلونزا.
وتضرب صحيفة "وول ستريت جورنال"، أمثلة عديدة على هذه الصناعة، كاستثمار شركات الأدوية الرائدة، مثل "نوفارتس إنترناشيونال إيه جي" السويسرية، و"إيلي ليلي وشركاه" الأميركية في أدوية محتملة لـ"كوفيد-19"، إذ يجري حالياً تطوير أكثر من 300 منتج من هذا النوع.
كما تقوم بعض شركات الطيران، مثل "لوفتهانزا" بإعادة هيكلة نشاطاتها للتركيز على الرحلات القصيرة داخل أوروبا على حساب دول المحيط الهادئ التي أعلنت استمرار غلق حدودها حتى نهاية هذا العام على الأقل.
وتخطط بعض المطارات لتطبيق أنظمة جوازات سفر جديدة ترتبط باللقاحات، للسماح للركاب الذين تلقوا تطعيماتهم بالسفر، كما تستتثمر المطاعم في الطلبات الخارجية وطلبات التوصيل إلى المنازل "الدليفري".
وتعكف مصانع تعبئة اللحوم من كندا إلى أوروبا على شراء أذرع آلية، لتحل محل العمالة البشرية في خطوط التجميع، وذلك للحد من مخاطر تفشي الوباء.
استيطان الأمراض
وتلفت الصحيفة الأميركية إلى أن الأمراض تصبح "متوطنة"، عندما تظل موجودة باستمرار، ولكن في الوقت نفسه، تخضع للسيطرة، مثل" الأنفلونزا"، وتتباين حدود الانتشار بحسب المرض والمكان، كما يقول اختصاصيو الأوبئة.
وعلى سبيل المثال، يعد "داء الكلب والملاريا وفيروس نقصص المناعة البشرية وزيكا أمراضاً معدية متوطنة"، لكن انتشارها وما ينجم عنها من خسائر بشرية يتباين من مكان لآخر على مستوى العالم.
ويعتقد مدير مركز أبحاث اللقاحات التابع لمعاهد الصحة الأميركية جون ماسكولا، أنه منذ فشل الدول في مرحلة مبكرة جداً احتواء الفيروس، وتفشي الوباء على مستوى العالم، "كان واضحاً للعلماء أنه سيصبح متوطناً".
وتابع ماسكولا: "عندما ينتقل فيروس بسهولة بين البشر ويفتقر الناس إلى المناعة، فإن هذا يعني أنه سينتشر في أي مكان تتاح له فرصة الانتشار فيه، الأمر أشبه بتسرب الماء من سد ممتلئ".
ويأمل علماء المناعة الآن في أن تتمكن اللقاحات من منع انتقال العدوى، وهو اكتشاف سيسهم بدرجة كبيرة في الحد من انتشار الفيروس.
وكانت دراسة أجرتها جامعة أكسفورد، ونشرتها الأسبوع الماضي، كشفت أن الأفراد الذين تلقوا لقاح "أسترازينيكا" أقل عرضة لنقل المرض.
قلة اللقاحات
ورغم ذلك لا يزال سكان في أنحاء العالم بمنأى عن أي أمل في الحصول على اللقاح في المستقبل، ما سيمنح الفيروس متسعاً لمواصلة انتشاره.
كما أنه لا يوجد حتى الآن لقاح مصرح به للأطفال الصغار، وستترك مشكلات قلة المعروض من اللقاحات دول العالم النامي من دون جرعات حتى وقت متأخر من العام المقبل.
في الوقت ذاته، تشهد أوروبا معدلات عالية لرفض تلقي اللقاحات، فقد أبدى أقل من نصف الفرنسيين استعدادهم لتلقي جرعة لقاح، وذلك في إطار مشاركتهم في استطلاع أجرته شركة "يوجوف" مؤخراً.
وبينما يعكف العلماء على تطوير أدوية جديدة، سيصبح "كوفيد-19" "عدوى يمكننا التعايش معها"، كما قالت راشيل بيندر إغناسيو، خبيرة الأمراض المعدية في مركز "فريد هوتشينسون لأبحاث السرطان" في سياتل.
وبهذه الطريقة "سيكون من المهم أن نقوم بتطوير أدوية للأعراض المنهكة المستمرة التي يعاني منها العديد من المرضى بعد أشهر من إصابتهم بالمرض، مثل ضبابية الذاكرة وفقدان حاسة الشم، ومشكلات الجهاز الهضمي والقلب"، وفقا لإغناسيو.
وتمكنت بعض الدول، مثل أستراليا ونيوزيلندا، من الهبوط بمتوسط أعداد الحالات اليومية فيهما إلى خانة الآحاد، لكن أياً منهما لم تعانِ من موجات التفشي العاتية التي ضربت، ولا تزال، الأميركتين وأوروبا، كما شهدت كلتا الدولتين المنعزلتين تجاوز الفيروس لقيود السفر الصارمة التي فرضتها كل منهما.
النجاح في السيطرة
وقال المدير التنفيذي لبرنامج الطوارئ التابع لمنظمة الصحة العالمية، مايك رايان: "لا أعتقد أننا يجب أن نضع القضاء على هذا الفيروس أو التخلص منه نهائياً كمعيار للنجاح"، وأضاف: "يجب أن نصل إلى نقطة نسيطر عندها على الفيروس، وليس العكس".
وتابع رايان: "حتى الآن لم نتمكن عبر التاريخ الحديث سوى من القضاء على فيروس بشري واحد فقط، وهو الجدري، ولكن، بينما يصيب هذا المرض الإنسان فقط، يستطيع فيروس كورونا المستجد الانتشار بين الثدييات الصغيرة مثل "المنك"، ثم العودة منها، بفاعلية أقل، إلى البشر مجدداً، ما يحول مزارع الفراء في العالم إلى مستودعات فيروسية محتملة".
واعتبر عالم الفيروسات في جامعة واشنطن في سانت لويس، سيان ويلان، أن إصابة عشرات الملايين بالفيروس منح فرصاً لتعزيز قدرته على إصابة ثدييات أخرى.
وأردف: "لقد منح التطفر الموجود حالياً في الفيروسات المتحورة بجنوب إفريقيا والمملكة المتحدة الفيروس الناقل للمرض القدرة على إصابة الفئران".
وتلفت "وول ستريت جورنال" إلى أنه من الصعب بشكل خاص القضاء نهائياً على الأمراض التي تنتشر من أفراد لا تبدو عليهم أي أعراض للمرض، وهو ما يحدث في الغالب في حالات فيروس كورونا.
وتمثل الصحيفة لذلك بمرض شلل الأطفال الذي لم تستطع جهود عالمية استمرت على مدى عقود وتكلفت مليارات الدولارات القضاء عليه نهائياً، ورغم اختفاء هذا المرض من الولايات المتحدة في سبعينيات القرن الماضي، إلا أنه ظل جاثماً على صدر أوربا حتى عام 2002، ولا يزال شبحه موجوداً حتى الآن في أفغانستان وباكستان.
قدرة على التحوّر
تتسم فيروسات الجهاز التنفسي، كحال فيروس كورونا المستجد، بالقابلية للتحول إلى فيروسات متوطنة عبر سلوكيات حياتية عادية مثل التنفس والتحدث.
كما أنها تمتاز بالقدرة على إصابة الخلايا، من بين هذه الفيروسات (OC43)، وهو فيروس تاجي يعتقد الباحثون الآن أنه المسؤول عن انتشار الأنفلونزا الروسية في العقد الأخير من القرن التاسع عشر، وهو الوباء الذي أودى بحياة مليون شخص.
وهذا الفيروس، الذي لا يزال موجوداً في روسيا حتى الآن، مسؤول عن العديد من نزلات البرد الشائعة، رغم أنه أصبح أقل ضراوة، ربما بسبب أن الناس طوروا مناعة ضده.
ويبدو أن التطفرات التي وقعت للفيروسات المتحورة من فيروس كورونا، زادت من قدرتها على إصابة الخلايا البشرية أو التحايل على بعض الأجسام المضادة، ما يثير مخاوف من أن تصبح اللقاحات الحالية أقل فعالية.
رصد التحورات للتطوير
ويرى باحثون أن رصد فيروسات متحورة جديدة، سيكون مهماً لبرامج التطعيم على المدى الطويل، إذ يساعد على فهم سماتها وتحديد ما إذا كانت الجرعات بحاجة إلى تحديثات دورية، كما هو الحال في الأنفلونزا. وستكون اللقاحات مهمة بالقدر ذاته عندما ينحسر وباء "كوفيد-19" ويتحول إلى مرض متوطن.
وتفسر عالمة الفيروسات في مركز "علوم وأمن الصحة العالمية" بجامعة جورجتاون، أنجيلا راسموسيين، اعتقاد الناس الخاطئ تجاه توطن الفيروس وتقول: "الناس يعتقدون أنه عندما يصبح الفيروس متوطناً، يصبح أقل حدة وخطراً" .
وتابعت راسموسيين: "ينبثق هذا الفهم الخاطئ من أن الفيروسات عادة ما تتطور، لتتمكن من إصابة عدد أكبر من الناس قبل أن تقضي عليهم، لكن معظم الناس ينجون منه، لذلك لا توجد ضغوط متزايدة على الفيروس ليصبح أضعف، لأنه ينتشر ويجد لنفسه مستقبِلين جدداً وفرصاً للتكاثر قبل أن يمرض مستقبل آخر" وختمت: "إنه يعمل بهذه الطريقة الجيدة".
ويقول علماء الأوبئة إن السهولة التي ينتشر بها فيروس كورونا، وظهور سلالات جديدة، وعدم القدرة على الوصول الفعال للقاحات المضادة في أجزاء كثيرة من العالم، تعني جميعها إمكانية تحوله من مرض وبائي إلى متوطن، ما يستلزم إجراء تعديلات دائمة على السلوكين "الشخصي والاجتماعي".
وقال المدير السابق للمراكز الأميركية لمكافحة الأمراض، توماس فريدمان: "نحتاج إلى أن نصل إلى مرحلة القبول والتسليم بأن حياتنا لن تعود كما كانت">
وأضاف: "لا أعتقد أن العالم استوعب حقيقة أن هذه التغيرات ستستمر على المدى الطويل".
ولا يعني توطّن "كوفيد-19" بالضرورة استمرار فرض قيود فيروس كورونا، كما يقول خبراء الأمراض المعدية، فالأمر يعتمد بدرجة كبيرة على فعالية اللقاحات في الوقاية من الأمراض الحادة، وتقليل نسب الدخول إلى المستشفيات وحالات الوفاة.
وتفيد صحيفة "وول ستريت جورنال" بأن معدلات إشغال المستشفيات جراء إصابات كورونا، تراجعت بالفعل بنسبة 30% في إسرائيل، بعد أن قامت حكومتها "بتطعيم ثلث السكان، ويُتوقع انخفاض نسبة الوفيات في غضون الأسابيع القادمة".
صناعة الوقاية
كما تخطط بعض المنظمات لمستقبل طويل الأمد تستمر فيه بعض الإجراءات الوقائية، كارتداء الكمامات وتوفير التهوية الجيدة، وإجراء المسحات.
وفي هذه الأثناء، تتشكل سريعاً ملامح "صناعة كوفيد- 19" جديدة ومربحة، إذ تستثمر الشركات في سلع وخدمات مثل "مراقبة جودة الهواء، والفلاتر، وأدوات التشخيص، والأدوية الجديدة".
ومن المنتظر أن يشهد العام الحالي زيادة في أعداد اختبارات "بي سي أر" للكشف عن الجينات على مستوى العالم، فبعض الشركات، من بينها "كويست دايجنوستيكس" في نيو جيرسي، تتوقع أن يحتاج ملايين الأفراد إلى إجراء مسحات قبل حضور الحفلات، أو مبارايات كرة السلة، أو المناسبات العائلية.
ويتوقع المتحدث باسم شركة "إس دي بيوسنسور"، جيون ليم في كوريا الجنوبية أن يستمر هذا الأمر لسنوات، أو أن يكون أبدياً مثل الأنفلونزا.
وتضرب صحيفة "وول ستريت جورنال"، أمثلة عديدة على هذه الصناعة، كاستثمار شركات الأدوية الرائدة، مثل "نوفارتس إنترناشيونال إيه جي" السويسرية، و"إيلي ليلي وشركاه" الأميركية في أدوية محتملة لـ"كوفيد-19"، إذ يجري حالياً تطوير أكثر من 300 منتج من هذا النوع.
كما تقوم بعض شركات الطيران، مثل "لوفتهانزا" بإعادة هيكلة نشاطاتها للتركيز على الرحلات القصيرة داخل أوروبا على حساب دول المحيط الهادئ التي أعلنت استمرار غلق حدودها حتى نهاية هذا العام على الأقل.
وتخطط بعض المطارات لتطبيق أنظمة جوازات سفر جديدة ترتبط باللقاحات، للسماح للركاب الذين تلقوا تطعيماتهم بالسفر، كما تستتثمر المطاعم في الطلبات الخارجية وطلبات التوصيل إلى المنازل "الدليفري".
وتعكف مصانع تعبئة اللحوم من كندا إلى أوروبا على شراء أذرع آلية، لتحل محل العمالة البشرية في خطوط التجميع، وذلك للحد من مخاطر تفشي الوباء.
استيطان الأمراض
وتلفت الصحيفة الأميركية إلى أن الأمراض تصبح "متوطنة"، عندما تظل موجودة باستمرار، ولكن في الوقت نفسه، تخضع للسيطرة، مثل" الأنفلونزا"، وتتباين حدود الانتشار بحسب المرض والمكان، كما يقول اختصاصيو الأوبئة.
وعلى سبيل المثال، يعد "داء الكلب والملاريا وفيروس نقصص المناعة البشرية وزيكا أمراضاً معدية متوطنة"، لكن انتشارها وما ينجم عنها من خسائر بشرية يتباين من مكان لآخر على مستوى العالم.
ويعتقد مدير مركز أبحاث اللقاحات التابع لمعاهد الصحة الأميركية جون ماسكولا، أنه منذ فشل الدول في مرحلة مبكرة جداً احتواء الفيروس، وتفشي الوباء على مستوى العالم، "كان واضحاً للعلماء أنه سيصبح متوطناً".
وتابع ماسكولا: "عندما ينتقل فيروس بسهولة بين البشر ويفتقر الناس إلى المناعة، فإن هذا يعني أنه سينتشر في أي مكان تتاح له فرصة الانتشار فيه، الأمر أشبه بتسرب الماء من سد ممتلئ".
ويأمل علماء المناعة الآن في أن تتمكن اللقاحات من منع انتقال العدوى، وهو اكتشاف سيسهم بدرجة كبيرة في الحد من انتشار الفيروس.
وكانت دراسة أجرتها جامعة أكسفورد، ونشرتها الأسبوع الماضي، كشفت أن الأفراد الذين تلقوا لقاح "أسترازينيكا" أقل عرضة لنقل المرض.
قلة اللقاحات
ورغم ذلك لا يزال سكان في أنحاء العالم بمنأى عن أي أمل في الحصول على اللقاح في المستقبل، ما سيمنح الفيروس متسعاً لمواصلة انتشاره.
كما أنه لا يوجد حتى الآن لقاح مصرح به للأطفال الصغار، وستترك مشكلات قلة المعروض من اللقاحات دول العالم النامي من دون جرعات حتى وقت متأخر من العام المقبل.
في الوقت ذاته، تشهد أوروبا معدلات عالية لرفض تلقي اللقاحات، فقد أبدى أقل من نصف الفرنسيين استعدادهم لتلقي جرعة لقاح، وذلك في إطار مشاركتهم في استطلاع أجرته شركة "يوجوف" مؤخراً.
وبينما يعكف العلماء على تطوير أدوية جديدة، سيصبح "كوفيد-19" "عدوى يمكننا التعايش معها"، كما قالت راشيل بيندر إغناسيو، خبيرة الأمراض المعدية في مركز "فريد هوتشينسون لأبحاث السرطان" في سياتل.
وبهذه الطريقة "سيكون من المهم أن نقوم بتطوير أدوية للأعراض المنهكة المستمرة التي يعاني منها العديد من المرضى بعد أشهر من إصابتهم بالمرض، مثل ضبابية الذاكرة وفقدان حاسة الشم، ومشكلات الجهاز الهضمي والقلب"، وفقا لإغناسيو.
وتمكنت بعض الدول، مثل أستراليا ونيوزيلندا، من الهبوط بمتوسط أعداد الحالات اليومية فيهما إلى خانة الآحاد، لكن أياً منهما لم تعانِ من موجات التفشي العاتية التي ضربت، ولا تزال، الأميركتين وأوروبا، كما شهدت كلتا الدولتين المنعزلتين تجاوز الفيروس لقيود السفر الصارمة التي فرضتها كل منهما.
النجاح في السيطرة
وقال المدير التنفيذي لبرنامج الطوارئ التابع لمنظمة الصحة العالمية، مايك رايان: "لا أعتقد أننا يجب أن نضع القضاء على هذا الفيروس أو التخلص منه نهائياً كمعيار للنجاح"، وأضاف: "يجب أن نصل إلى نقطة نسيطر عندها على الفيروس، وليس العكس".
وتابع رايان: "حتى الآن لم نتمكن عبر التاريخ الحديث سوى من القضاء على فيروس بشري واحد فقط، وهو الجدري، ولكن، بينما يصيب هذا المرض الإنسان فقط، يستطيع فيروس كورونا المستجد الانتشار بين الثدييات الصغيرة مثل "المنك"، ثم العودة منها، بفاعلية أقل، إلى البشر مجدداً، ما يحول مزارع الفراء في العالم إلى مستودعات فيروسية محتملة".
واعتبر عالم الفيروسات في جامعة واشنطن في سانت لويس، سيان ويلان، أن إصابة عشرات الملايين بالفيروس منح فرصاً لتعزيز قدرته على إصابة ثدييات أخرى.
وأردف: "لقد منح التطفر الموجود حالياً في الفيروسات المتحورة بجنوب إفريقيا والمملكة المتحدة الفيروس الناقل للمرض القدرة على إصابة الفئران".
وتلفت "وول ستريت جورنال" إلى أنه من الصعب بشكل خاص القضاء نهائياً على الأمراض التي تنتشر من أفراد لا تبدو عليهم أي أعراض للمرض، وهو ما يحدث في الغالب في حالات فيروس كورونا.
وتمثل الصحيفة لذلك بمرض شلل الأطفال الذي لم تستطع جهود عالمية استمرت على مدى عقود وتكلفت مليارات الدولارات القضاء عليه نهائياً، ورغم اختفاء هذا المرض من الولايات المتحدة في سبعينيات القرن الماضي، إلا أنه ظل جاثماً على صدر أوربا حتى عام 2002، ولا يزال شبحه موجوداً حتى الآن في أفغانستان وباكستان.
قدرة على التحوّر
تتسم فيروسات الجهاز التنفسي، كحال فيروس كورونا المستجد، بالقابلية للتحول إلى فيروسات متوطنة عبر سلوكيات حياتية عادية مثل التنفس والتحدث.
كما أنها تمتاز بالقدرة على إصابة الخلايا، من بين هذه الفيروسات (OC43)، وهو فيروس تاجي يعتقد الباحثون الآن أنه المسؤول عن انتشار الأنفلونزا الروسية في العقد الأخير من القرن التاسع عشر، وهو الوباء الذي أودى بحياة مليون شخص.
وهذا الفيروس، الذي لا يزال موجوداً في روسيا حتى الآن، مسؤول عن العديد من نزلات البرد الشائعة، رغم أنه أصبح أقل ضراوة، ربما بسبب أن الناس طوروا مناعة ضده.
ويبدو أن التطفرات التي وقعت للفيروسات المتحورة من فيروس كورونا، زادت من قدرتها على إصابة الخلايا البشرية أو التحايل على بعض الأجسام المضادة، ما يثير مخاوف من أن تصبح اللقاحات الحالية أقل فعالية.
رصد التحورات للتطوير
ويرى باحثون أن رصد فيروسات متحورة جديدة، سيكون مهماً لبرامج التطعيم على المدى الطويل، إذ يساعد على فهم سماتها وتحديد ما إذا كانت الجرعات بحاجة إلى تحديثات دورية، كما هو الحال في الأنفلونزا. وستكون اللقاحات مهمة بالقدر ذاته عندما ينحسر وباء "كوفيد-19" ويتحول إلى مرض متوطن.
وتفسر عالمة الفيروسات في مركز "علوم وأمن الصحة العالمية" بجامعة جورجتاون، أنجيلا راسموسيين، اعتقاد الناس الخاطئ تجاه توطن الفيروس وتقول: "الناس يعتقدون أنه عندما يصبح الفيروس متوطناً، يصبح أقل حدة وخطراً" .
وتابعت راسموسيين: "ينبثق هذا الفهم الخاطئ من أن الفيروسات عادة ما تتطور، لتتمكن من إصابة عدد أكبر من الناس قبل أن تقضي عليهم، لكن معظم الناس ينجون منه، لذلك لا توجد ضغوط متزايدة على الفيروس ليصبح أضعف، لأنه ينتشر ويجد لنفسه مستقبِلين جدداً وفرصاً للتكاثر قبل أن يمرض مستقبل آخر" وختمت: "إنه يعمل بهذه الطريقة الجيدة".