غاضبون، ثائرون، مزعجون، خارجون على القواعد"، هكذا يرى كثيرون أبناء هذه المرحلة، ومن المدهش أن تشوش الفهم هذا عن المراهقة لا يقتصر على الراشدين، ولكنه موجود أيضاً لدى المراهقين كذلك عن أنفسهم. وفي هذا السن يعيش المراهق في حالة من الفوران النفسي، والبيولوجي، والجسدي، وهو ما يزيد من صعوبة الأمر، وصدق القائل: "الصِّبا مسٌّ من الجنون"، وهذه المقولة قد تكون صادمة إلى حد كبير، لكنها ستفتح لنا فهم هذه المرحلة وأهم سماتها.* ما المراهقة؟ المراهقة هي مرحلة الانتقال من الاعتماد الكامل نفسيّاً ووظيفيّاً على الأسرة حتى تحقيق درجة مقبولة من الاعتماد على النفس والاستقلالية، ففي المرحلة الأولى ينمو دماغ الفرد في الحجم والكم، ويكون في نهاية هذه المرحلة أشبه بقطعة الرخام التي سينحت فيها الفنان قطعته، ثم تأتي مرحلة التشذيب وفيها يتم قص ووصل الروابط الدماغية، فبعض الدوائر يتم تكثيفها وتعزيزها، وتضمر دوائر أخرى أو يتم قصّها بالكلية.
وتأتي في النهاية مرحلة العزل العصبي حيث تحاط الألياف العصبية بمادة المايلين Myelination، وهي الخطوة الفاصلة في سرعة التوصيل والنقل والترابط بين الألياف العصبية. والحقيقة أن هذه المعلومات توضح بجلاء أن الصفات التي يتم ذم المراهقين بسببها -مثل الاندفاعية وسرعة الانفعال- ترجع إلى أن تطور اللوزة [الجهاز الانفعالي] يسبق بعدة خطوات تطور قشرة الدماغ [الجهاز التحليلي العقلاني]. كما أن تطور الدماغ وظيفيّاً لا يتماشى مع الوظائف المتسارعة التي انفتحت على المراهق مع البلوغ، بالإضافة إلى تأخر مرحلة العزل العصبي نسبياً، وينتج عن كل ذلك بعض التأخر في الاستجابة أحياناً ما يؤدي إلى اتهامهم بالبلادة. يجد المراهق نفسه أمام أدلة حسيّة أنه لم يعد طفلاً كما كان، لكنه أيضاً لا يجد نفسه واحداً من الكبار، فيصارع بين احتياجين رئيسين، هما الاحتياج للاستقلال والاحتياج للانتماء، والهدف الكامل هنا يمكن توصيفه بالقدرة على الاختلاط بلا انصهار، الدخول في دائرة الآخر مع الاحتفاظ بالأنا، وتبعاً لإريك إريكسون يمكن وضع مرحلتين رئيسيتين من النمو النفسي في فترة المراهقة، هما: تحدي الهوية مقابل اختلاط الأدوار. والانتماء مقابل العزلة، ففي بدايتها يحاول تحقيق الاستقلالية النفسية واختبار الحدود والسلطة، واتخاذ قرارات بعيداً عن دائرة الطفولة وبيت التنشئة، ثم يبدأ في مرحلة ما قبل الرشد يظهر الاحتياج للانتماء لآخر حميمياً وهو ما يعبرون عنه بالفراغ العاطفي، وثبات وكفاية إشباع الاحتياجات في الطفولة هو الدعامة الأهم لاجتياز هذه المرحلة. ما أهدف إليه من هذا المقال هو "فهم المراهق"، لأن أهم احتياج للمراهق في هذه الفترة، من الوالدين هو الاحتياج للفهم والتفهّم، هذا الفهم والتفهم الذي يساعد الكبير على أن يحتوي المراهق ويساعده على فهم ما يمر به وما يختبره.
وتأتي في النهاية مرحلة العزل العصبي حيث تحاط الألياف العصبية بمادة المايلين Myelination، وهي الخطوة الفاصلة في سرعة التوصيل والنقل والترابط بين الألياف العصبية. والحقيقة أن هذه المعلومات توضح بجلاء أن الصفات التي يتم ذم المراهقين بسببها -مثل الاندفاعية وسرعة الانفعال- ترجع إلى أن تطور اللوزة [الجهاز الانفعالي] يسبق بعدة خطوات تطور قشرة الدماغ [الجهاز التحليلي العقلاني]. كما أن تطور الدماغ وظيفيّاً لا يتماشى مع الوظائف المتسارعة التي انفتحت على المراهق مع البلوغ، بالإضافة إلى تأخر مرحلة العزل العصبي نسبياً، وينتج عن كل ذلك بعض التأخر في الاستجابة أحياناً ما يؤدي إلى اتهامهم بالبلادة. يجد المراهق نفسه أمام أدلة حسيّة أنه لم يعد طفلاً كما كان، لكنه أيضاً لا يجد نفسه واحداً من الكبار، فيصارع بين احتياجين رئيسين، هما الاحتياج للاستقلال والاحتياج للانتماء، والهدف الكامل هنا يمكن توصيفه بالقدرة على الاختلاط بلا انصهار، الدخول في دائرة الآخر مع الاحتفاظ بالأنا، وتبعاً لإريك إريكسون يمكن وضع مرحلتين رئيسيتين من النمو النفسي في فترة المراهقة، هما: تحدي الهوية مقابل اختلاط الأدوار. والانتماء مقابل العزلة، ففي بدايتها يحاول تحقيق الاستقلالية النفسية واختبار الحدود والسلطة، واتخاذ قرارات بعيداً عن دائرة الطفولة وبيت التنشئة، ثم يبدأ في مرحلة ما قبل الرشد يظهر الاحتياج للانتماء لآخر حميمياً وهو ما يعبرون عنه بالفراغ العاطفي، وثبات وكفاية إشباع الاحتياجات في الطفولة هو الدعامة الأهم لاجتياز هذه المرحلة. ما أهدف إليه من هذا المقال هو "فهم المراهق"، لأن أهم احتياج للمراهق في هذه الفترة، من الوالدين هو الاحتياج للفهم والتفهّم، هذا الفهم والتفهم الذي يساعد الكبير على أن يحتوي المراهق ويساعده على فهم ما يمر به وما يختبره.