من المفكرين الذين نشأنا على نصوصهم وكتاباتهم، ويداهمنا الحنين بين فترة وأخرى لقراءة كتبهم مرة أخرى «العبقري» عباس محمود العقاد. أشعر دائماً، مهما تقادم زمن إنتاجه الفكري أن كثيراً من كتاباته راسخ في الرصانة والإبداع الذي لا يمتلك آلياته كثير ممن أتيح لهم ظروف اجتماعية واقتصادية أفضل بكثير من الظروف التي نشأ فيها.
قبل عدة أيام كنت أطالع كتاب الثقافة العربية، الذي حاول فيه العقاد إثبات أن الثقافة العربية ثقافة قديمة وملهمة، بل من أقدم الثقافات التي أخذت عنها اليونانية الحروف وبنية اللغة والأدوات الثقافية كذلك. والعقاد، بذلك، يدحض المقولة السائدة إن العرب عامة أمة أمية بدوية لم تعرف الكتابة ولا الحضارة ولا السياسة. وفي نقل اليونانية عن الحضارة العربية كثيراً من الأدوات الحضارية يستشهد العقاد بالنقوش التاريخية وكتب المؤرخين من مختلف الجنسيات.
إن كتاب «الثقافة العربية» يكشف عن ثقافة موسوعية نوعية ومذهلة لدى العقاد، وإلمام بمختلف العلوم اللغوية والإنسانية، وإتقان للعديد من اللغات المعاصرة والقديمة. ويبرز الكتاب قدرة العقاد «النقدية» على الاستحضار والمقارنات والموازنات وترجيح الأقوال.
والنتاج الفكري للعقاد ليس في حاجة إلى إطراء وثناء بقدر ما يستحق إلى دراسة وتحليل، ولكن الوقوف أمام عبقرية العقاد يعيدني دائماً إلى نشأته، ونبوغه الفطري؛ فعباس محمود العقاد لم تمكنه ظروف نشأته في أسوان في نهايات القرن التاسع عشر إلا من إتمام الشهادة الابتدائية، وفي نزوحه للعمل في القاهرة تعلم اللغة الإنجليزية ذاتياً عن طريق التعامل مع الأجانب المقيمين في مصر، ثم انكب على القراءة بنهم شديد غطى جميع جوانب المعرفة الإنسانية والأدبية.
وكان العقاد شخصية متمردة، تمرد على الوظيفة الحكومية في ظرف تاريخي كان الموظفون الحكوميون فيه من ذوي الحظ العظيم، وتمرد على الوضع السياسي، ورفض الانحياز للنازية التي كانت مقبولة في الوطن العربي في حينها، وهذا التمرد انعكس على نمط تفكيره وكتاباته، فكان العقاد حالة فريدة في الفكر العربي الحديث، وكان شخصية أكثر منه كاتباً أو شاعراً أو ناقداً.
سيرة العقاد وعبقريته ألهمت كثيرين بأن إتمام المراحل الدراسية، أو الحصول على الشهادات العليا ليس السبيل الوحيد لتكون مثقفاً أو مفكراً. هي أدوات وأبواب، لكنها لا تصنع شيئاً إذا كانت في حد ذاتها غايات. أمثال العقاد كثيرون في هذا الاتجاه، وكثيرون ممن حولنا يتجاوز وعيهم وثقافتهم القدر التعليمي الذي حصلوا عليه.
وفي المقابل فالثقافة والمعرفة حين تصبح غاية للشهرة أو للتميز الاجتماعي، فإنها تصبح ادعاءً وتمثيلاً؛ فالعقاد كان عبقرياً بالفطرة، ومجتهداً بذكاء، ومخلصاً للعلم والثقافة، لم يكن دعياً، ولم يكن متسلقاً؛ لذلك تمكن من مقارعة أحد أعمدة الثقافة من معاصريه مثل طه حسين الحاصل على شهادة الدكتوراه من جامعة السوربون، وغيره من مفكري عصره ممن دخل معهم في مناظرات ومعارك فكرية كان السلاح فيها المعرفة العميقة والفهم والقدرة على التحليل والاستنتاج.
قبل عدة أيام كنت أطالع كتاب الثقافة العربية، الذي حاول فيه العقاد إثبات أن الثقافة العربية ثقافة قديمة وملهمة، بل من أقدم الثقافات التي أخذت عنها اليونانية الحروف وبنية اللغة والأدوات الثقافية كذلك. والعقاد، بذلك، يدحض المقولة السائدة إن العرب عامة أمة أمية بدوية لم تعرف الكتابة ولا الحضارة ولا السياسة. وفي نقل اليونانية عن الحضارة العربية كثيراً من الأدوات الحضارية يستشهد العقاد بالنقوش التاريخية وكتب المؤرخين من مختلف الجنسيات.
إن كتاب «الثقافة العربية» يكشف عن ثقافة موسوعية نوعية ومذهلة لدى العقاد، وإلمام بمختلف العلوم اللغوية والإنسانية، وإتقان للعديد من اللغات المعاصرة والقديمة. ويبرز الكتاب قدرة العقاد «النقدية» على الاستحضار والمقارنات والموازنات وترجيح الأقوال.
والنتاج الفكري للعقاد ليس في حاجة إلى إطراء وثناء بقدر ما يستحق إلى دراسة وتحليل، ولكن الوقوف أمام عبقرية العقاد يعيدني دائماً إلى نشأته، ونبوغه الفطري؛ فعباس محمود العقاد لم تمكنه ظروف نشأته في أسوان في نهايات القرن التاسع عشر إلا من إتمام الشهادة الابتدائية، وفي نزوحه للعمل في القاهرة تعلم اللغة الإنجليزية ذاتياً عن طريق التعامل مع الأجانب المقيمين في مصر، ثم انكب على القراءة بنهم شديد غطى جميع جوانب المعرفة الإنسانية والأدبية.
وكان العقاد شخصية متمردة، تمرد على الوظيفة الحكومية في ظرف تاريخي كان الموظفون الحكوميون فيه من ذوي الحظ العظيم، وتمرد على الوضع السياسي، ورفض الانحياز للنازية التي كانت مقبولة في الوطن العربي في حينها، وهذا التمرد انعكس على نمط تفكيره وكتاباته، فكان العقاد حالة فريدة في الفكر العربي الحديث، وكان شخصية أكثر منه كاتباً أو شاعراً أو ناقداً.
سيرة العقاد وعبقريته ألهمت كثيرين بأن إتمام المراحل الدراسية، أو الحصول على الشهادات العليا ليس السبيل الوحيد لتكون مثقفاً أو مفكراً. هي أدوات وأبواب، لكنها لا تصنع شيئاً إذا كانت في حد ذاتها غايات. أمثال العقاد كثيرون في هذا الاتجاه، وكثيرون ممن حولنا يتجاوز وعيهم وثقافتهم القدر التعليمي الذي حصلوا عليه.
وفي المقابل فالثقافة والمعرفة حين تصبح غاية للشهرة أو للتميز الاجتماعي، فإنها تصبح ادعاءً وتمثيلاً؛ فالعقاد كان عبقرياً بالفطرة، ومجتهداً بذكاء، ومخلصاً للعلم والثقافة، لم يكن دعياً، ولم يكن متسلقاً؛ لذلك تمكن من مقارعة أحد أعمدة الثقافة من معاصريه مثل طه حسين الحاصل على شهادة الدكتوراه من جامعة السوربون، وغيره من مفكري عصره ممن دخل معهم في مناظرات ومعارك فكرية كان السلاح فيها المعرفة العميقة والفهم والقدرة على التحليل والاستنتاج.