سكاي نيوز عربية
وضع الجيش الليبي قواته في حالة الاستنفار على الحدود مع تشاد لمنع دخول وخروج الميليشيات التابعة للمتمردين التشاديين، وسط مخاوف من أن يؤدي العجز عن ذلك إلى تدخل فرنسي عسكري بحجة حماية حلفاء باريس في دول الساحل الأفريقي من مصادر الخطر.

وتشهد الحدود منذ مقتل الرئيس التشادي إدريس ديبي، الثلاثاء الماضي، توترات أمنية كبيرة دفعت قوات الجيش الليبي لإعلان حالة الطوارئ ورفع درجة الجاهزية تحسبا لأي طارئ تشهده المنطقة.

وقالت منطقة الكفرة العسكرية في بيان لها إنه "بتعليمات من آمر المنطقة تم رفع درجة الاستعداد والجاهزية التامة لكافة الوحدات العسكرية للقوات البرية والجوية".

وأكد المكتب الإعلامي "تجهيز الوحدات بالإمكانيات والمعدات اللازمة لردع كل من تسول له نفسه المساس بأمن واستقرار المنطقة وذلك بتكليف دوريات برية وجوية على الحدود، وكذلك تمركز للسرية المقاتلة في قاعدة السارة والانطلاق منها في دوريات على الحدود مع دولة تشاد، وكذلك دعم الأجهزة الأمنية داخل المنطقة لتأمينها وضبط المخالفين".

وحصلت "سكاي نيوز عربية" على مجموعة من الصور لأرتال عسكرية متجهة إلى الحدود الجنوبية للمساعدة في فرض الأمن وضبط الحدود.

وتشارك القوات الجوية الليبية في التأمين؛ حيث تم تنظيم طلعات جوية لمسح المنطقة ومنع دخول أو خروج أي قوات من وإلى تشاد.

الأمور تحت السيطرة

وعلى وقع الأزمة الحادة بداخلها، وجهت تشاد، الجمعة، اتهامات لأطراف داخل ليبيا بأنها تساعد في تقوية المتمردين التشاديين، وجاء على لسان الحزب الحاكم: إن "المعارضة المسلحة تم دعمها بالسلاح والسيارات والوقود في ليبيا، خلال تواجدها هناك لأكثر من أربع سنوات".

وتشكلت الجبهة المعارضة التي تقاتل الحكومة التشادية في 2016 أثناء التحضير للانتخابات الرئاسية وعرفت باسم "اتحاد قوى الديمقراطية والتنمية" حيث يقود الجبهة مهدي علي محمد.

وانتقل محمد مهدي علي إلى ليبيا خوفا من الاعتقال وأعلن بعد ذلك إنشاء "الجبهة من أجل التناوب والوفاق" في أبريل 2016 على أن يكون مقرها ومعسكراتها داخل ليبيا.

وأعلنت الجبهة في أبريل 2016، أن لديها 1500 مقاتل، وأكدت تقارير دولية أن الجبهة تمتلك أسلحة ثقيلة وقاذفات صواريخ ومعدات متطورة حصلت عليها في ليبيا.

إلا أنه وسط حالة الاستنفار هذه، فإن روح الاطمئنان تسري بين القوات الليبية، فيقول مصدر عسكري ليبي على الحدود مع التشاد لـ"سكاي نيوز عربية" إن الأيام الثلاثة الماضية شهدت توترات كبيرة على الحدود، والقوات تعاملت مع بعض الحالات البسيطة التي لا تدعو للقلق، وجاءت 3 أرتال عسكرية للمساعدة في التأمين بتسليح خفيف ومتوسط، كما أن القوات الجوية نفذت أكثر من 10 طلعات في الأيام الثلاثة.

كما أن القيادة في المنطقة الجنوبية على تواصل مع غرف عمليات المناطق المحيطة بيهم؛ تحسبا لأي طارئ يدفع لطلب دعم عسكري، بحسب ذات المتحدث، الذي تابع قوله بهدوء، أن "الأمور على ما يرام وتحت السيطرة حتى الآن".

تدخل فرنسي

ويتفق المحلل السياسي إبراهيم الفيتوري مع الاتهامات التشادية، فيقول إنه بنسبه كبيرة بالفعل خرجت المليشيات التشادية التي قتلت الرئيس ديبي من ليبيا، وتلقت التدريب داخل معسكرات في الجنوب الليبي.

ولفت الفيتوري إلى الطرف الخارجي المساعد في هذا، فيقول لـ"سكاي نيوز عربية" إن دولا أجنبية، على رأسها تركيا، غزت ودعمت هذه الميليشيات بالسلاح، وساهمت في بناء قواعد ومعسكرات لهم داخل ليبيا؛ لتكون البلد بعد سقوطها في هذه الفوضى نقطة انطلاق لعمليات إرهابية موجهة دوليا لضرب دول الجوار.

وبقلق، لمَّح الباحث الليبي إلى احتمال تأزم الحال بشكل كبير في الأيام القادمة إن تم رصد دخول وخروج أية ميليشيات، خاصة وأن الحكومة في تشاد ترى أن تعزيز قوة المتمردين تأتي من ليبيا، معتبرا أن الحل السليم لكل هذه المخاوف هو خروج كافة المرتزقة الأجانب من ليبيا.

أما السيناريو الأكثر تشاؤما، فهو أن تعجز القوات الليبية عن ضبط الحدود، وتستمر الميليشيات في الدخول والخروج؛ فتتحول ليبيا إلى ساحة عمليات للقوات الفرنسية الموجودة في تشاد، على غرار التدخل الفرنسي في دول الساحل؛ نظرا لأن الاتفاق الفرنسي مع هذه الدول يقضي بضرب كل الأهداف التي تعمل على زعزعة الأمن والاستقرار فيها، فما بالك بقتل الرئيس التشادي- حليف فرنسا- على يد الميليشيات، بحسب تعبير الباحث.

وتشهد منطقة جبال تيبستي، قرب الحدود مع ليبيا، منذ سنوات مواجهات مستمرة بين الجيش التشادي والمتمردين، والمواجهات الأعنف شهدتها في 2019 عندما أوقفت عمليات قصف فرنسية بطلب من الحكومة التشادية تقدم المتمردين في إحدى محاولتهم الإطاحة بإدريس ديبي.

غير أن "جبهة التغيير والوفاق" المتمردة قتلت بالفعل ديبي، يوم 20 أبريل الجاري، خلال مشاركته مع الجيش في المعارك ضدها شمالي البلاد، وأعقب ذلك إصدار الجبهة بيانا تهدد فيه باجتياح العاصمة أنجمينا.

ويعتبر إدريس إديبي، منذ توليه السلطة في انقلاب 1990، أبرز حلفاء فرنسا في وسط وغرب أفريقيا، والمساعدة متبادلة بينهما في حماية مصالح الآخر؛ ففرنسا تتدخل لحماية النظام الحاكم من السقوط أمام المتمردين، وديبي كان يمد فرنسا بما يلزمها من مناطق لاستقرار قواتها داخل تشاد، أو يمدها بقوات لتأمين دول بالساحل الأفريقي من الجماعات الإرهابية، إن لم يكفِ الجنود الفرنسيين، هذا بخلاف المصالح الاقتصادية المتبادلة، خاصة وأن تشاد لديها ثروة بترولية.

أما الشاهد الأبرز على العلاقة غير التقليدية بين فرنسا ونظام الحكم في تشاد، فهو دعمها لديبي رغم تسلمه الحكم عقب انقلاب عسكري صريح، ثم دعم ابنه محمد إدريس ديبي- المشهور بمحمد كاكا- رئيس المجلس الانتقالي، في تسلم مهام الحكم بدل والده لفترة انتقالية قبل إجراء الانتخابات، رغم تعارض هذا مع ما تتبناه فرنسا من إجراءات ديمقراطية.