كتب - محمد لوري:د.عبد الرحمن السميط هو أمة لوحدة، ووفاته شكلت فقداً كبيراً للأيتام والفقراء في القارة السمراء، الذين قضى بينهم 25 عاماً في الدعوة والعناية الإنسانية والعطاء.«رجل بأمة» مصطلح نتداوله كثيراً ولكنه لا ينطبق إلا على قلة، د.عبدالرحمن السميط سفير الإسلام في القارة الأفريقية أفني عمره وشبابه في غابات ومستنقعات القارة السمراء داعياً للتوحيد ونبذ الشرك وعبادة الأصنام كان فعلاً «رجلاً بأمة».ما قام به السميط عجزت عن القيام به دول بأكملها، وبعد هذا العمر في الدعوة إلى الله عز وجل خيمت أجواء الحزن على الأمتين العربية والإسلامية فور وقوع خبر وفاة مؤسس جمعية «العون المباشر» ورئيس لجنة مسلمي أفريقيا سابقاً فضيلة الشيخ عبدالرحمن السميط، ذي الأيادي البيضاء ورائد العمل الخيري والإنساني وخاصة في قارة أفريقيا والتي أسلم فيها على يديه أكثر من 10 ملايين شخص، لينتقض العالم كله معزياً للكويت في وفاة هذا العلم الذي وافته المنية عن عمر يناهز 65 عاماً قدم خلالها حياة حافلة بالإنجازات غير المسبوقة.وتخليداً لذكرى د.عبدالرحمن السميط رصد الإعلامي د.فهد بن عبدالعزيز السنيدي، بكتابه «في صحبة السميط رحمه الله.. رحلة في أعماق القارة المنسية»، الذي طرح بمعرض الرياض الدولي للكتاب، رحلة مع الدكتور عبدالرحمن حمود السميط، تحوي الكثير، وضح من خلاله خوافي الرحلة بدء بالحديث عن الدكتور السميط وأسرار حياته هناك وبعض القصص الغريبة في عمله الدعوي والإغاثي مثل حديثه عن عائلته، كتاب (في صحبة السميط رحمه الله.. رحلة في أعماق القارة المنسية) من منشورات دار عالم الكتب بالرياض مدعماً بالصور التي تم التقاطها أثناء الرحلة حاولنا اختزالها في هذا التقرير.المحفزاتلم يتحدث أبوياسر عن المثبطات والصعوبات لكي لا يثني عزم من ينوي المسير للمساعدة في تلك القارة، ولكنه أخذ في سرد المحفزات وأول هذه المحفزات هي وجود الدكتور عبدالرحمن السميط في مقدمة الفوج وهو رجل كبير في سن آبائنا والذي يعاني من العديد من الأمراض سنذكر بعضها خلال استعراضنا لحياته، أبوصهيب ترك حياة الراحة والعز وأقام في بيت متواضع في قرية «مناكارا» وقطع على نفسه العهد أن يمضي بقية عمره في الدعوة إلى الله هناك.أول الفشل بعد وصول أبوياسر والوفد إلى العاصمة قال لهم المرشد إن خط السير سيكون وعراً وتحتاجون 13 ساعة طائرة صغيرة لا تقلع إلا أحياناً ولا تكفي إلا 10 أشخاص، فسألوا المرشد وكيف يتنقل الدكتور؟ فأجابهم بأنه يتنقل براً وقد سافر بالقطار في أكثر من 40 ساعة بفتات الخبز، فقال الطاقم نظننا رسبنا في الاختبار وسنستقل الطائرة.دروس من السميطيقول أبوياسر مخاطباً السميط «تعلمنا منك يا دكتور أن الحياة شباب وإن كنت حينها كبير السن، وهذه الحياة واحة فريدة في صحراء العمر، أعني شبابك يا دكتور مع بياض شعرك وصعوبة حركتك وتثاقل أقدامك إنه الشباب الحي العامل الذي وضع له غاية في العيش أبعد من مجرد العيش فهو في جهاد مع وقته ونفسه والهوى والشيطان.تعلمت منك يا دكتور أن المال الصالح في يد العبد الصالح سلاح مضاء وعدة عتيدة وقوة مكينة لا يمكن معها التقاعس أو الكسل.فهمت منك يا دكتور أن الأثرياء في الأمة كثيرون ولكن النافع منهم قليل.تعلمت منك يا دكتور أن يكون هم الدعوة إلى الله شغلي الشاغل حتى في اللقمة التي آكلها.خادم الدعوة.. عبدالرحمن السميطالنشأة والبدايات..ولد رحمه الله في الكويت عام 1947 للميلاد ولد وهو يحمل هم الدعوة، قال رحمه الله عن نشأته: أنا من عائلة متوسطة وكنت نشأت منذ نعومة أظفاري يسمونني «مطوع» لأني كنت أحرص على أداء صلاة الفجر وأنا في عمر الخامسة في المسجد، وكبرت وكنت دائماً أحب الالتزام بأحكام الإسلام وفي نفس الوقت أحب العمل الخيري بصورة عامة.تخرج السميط من كلية الطب في بغداد مطلع السبعينات وذهب لإكمال دراسته العليا في كندا وبريطانيا لمدة 8 سنوات، ويقول عن أيام دراسته في بغداد إنه أصيب بنوع من اليأس جراء ما كان يشاهده من اختلاط بين البنين والبنات ولباس الطالبات غير المحتشم، لذلك قرر أن يذهب إلى الحج ويقيم هناك، فقطع تذكرة طريق واحد من بغداد إلى مكة، وذهب للحج دون علم أحد، حيث حج كحجة النبي صلى الله عليه وسلم فلم يركب سيارة و كان يتنقل على قدميه بين المشاعر ولم يسلك طريقاً إلا وكان رسول الله قد سار فيه خلال حجته، ولم يدخل مكاناً قبل موعده ولا بعد موعده وكان ينام أي في مكان ويعيش مع البسطاء ويأكل أي شيء، ويقول «كانت هذه أجمل حجة في حياتي». قالوا عنه:قال المستشار عبدالله العقيل « معرفتي بالأخ عبدالرحمن السميط قديمة منذ أن كان طالباً فإن والده رحمه كان من أصدقائي، فبعد أن تخرج طبيباً وعمل في الكويت وكان طبيباً مخلصاً في مهنته ودوداً لمرضاه يقدم الخير للناس جميعاً دون تفرقة ويعتني بالفقير قبل الغني وقبل القوي ويبذل قصارى جهده في الخدمة لكل المرضى».وقال الشيخ نبيل العوضي «ما ترك الدكتور عبدالرحمن السميط شيئاً لنفسه أعطي جائزة الملك فيصل مليون ريال فتبرع بها كلها، ويقول إن البخيل من أبنائه من تبرع بنصف ماله».ويقول الدكتور عبدالرحمن عن زوجته «ورثت زوجتي أم صهيب مبلغاً كبيراً من المال ولكنها تصدقت به، وجلست وزوجتي معي في كندا لسنوات طوال ولا تملك إلا ملابس قليلة» هذه المرأة العظيمة التي هي وراء هذا الرجل العظيم والأبناء الصالحون الذين ضحوا بحياتهم وبأموالهم وبوظائفهم لله جل وعلا هم نتاج هذه الأسرة المباركة.بداية عمله الخيريأما البداية الحقيقة لعمله الخيري فقد كانت مع امرأة وكأن الله قدر لهذا العامل الباذل أن تفتح له هذه المرأة أبواب الخير، حيث كانت صدقتها هي نواة عمل السميط عام 1981م، إنها (موضي برجس السور) والدة الشيخ علي جابر الأحمد الصباح.تبرعت لهم لبناء مسجد بعد أن رفضت الأوقاف والجهات المعنية بالإغاثة مساعدتهم فانطلق مباشرة إلى مالاوي حيث كان الهدف الرئيس هو بناء مسجد ولكن ما أن حطت قدماه على تلك الأرض وجد ما لم يكن في الحسبان، وجد أئمة مساجد لا يتقنون الفاتحة ولما سألهم الشيخ قالوا بأننا أحسن من غيرنا، ليكتشف الشيخ أن هناك أقواماً لا يعلمون كم ركعة هي صلاة الفجر وبعضهم لم ير مصحفاً قط وآخرون مسلمون بالاسم فقط. همته في العمل الخيريكان همه الأكبر رحمه الله في حياته أن يعيش للعمل التطوعي، وولدت معه فكرة البذل والعطاء والسعي ليبدأ في البحث، كان مسكوناً بطاقة خيرية هائلة، أراد تفجيرها في العمل الخيري، وطرق أبواب المسؤولين بكل حرص وسعى من أجل أن يبني لأمته، لكن الله تعالى قد ادخر له في خزائن العلم ما كان خيراً.قال الدكتور السميط رحمه الله «في فترة من الفترات كنت مهتما جدا بتاريخ العرب والمسلمين في مدغشقر، فقمت بعمل بحث عينت فيه 19 باحثاً يساعدوني، وكانوا يقرؤون لي باللغة المحلية الملقاشية، ويسهلون لي اللغة الفرنسية، وعينت خمسة مترجمين وعدداً من السكرتارية والمندوبين جميعه يشتغلون في هذا المجال لعدة سنوات، فعلمت بعد كل هذا البحث أنه قد جاءهم رجل يمني أو عربي فبدأ يدخلهم الإسلام، فأحبوه حباً كبيراً وبدؤوا يذهبون للشمال باتجاه مكة للحج، فكانت تهب العواصف في طريقهم وتهاجمهم السباع فيموتون في الطريق، ومن هنا جاءت فكرة بناء مكة خاصة بهم سيأتي ذكرها في الحلقات القادمة.ولادة لجنة مسلمي أفريقيابعد انتهاء دراساته العليا في كندا وبريطانيا عاد أبوصهيب إلى الكويت ليزاول عمله في الطب وفي نفس الوقت ذهب إلى ملاوي وأسس لجنة صغيرة تحولت إلى لجنة مسلمي أفريقيا «العون المباشر حالياً»، فكأن قلب الرجل وعقله وتخصصه وعطاءه توجه نحو أفريقيا حتى أحبه الناس حباً كبيراً، لدرجة أنه خلال احتلال الكويت كانت القبائل الأفريقية متعاطفة مع القضية الكويتية وتؤازرها بسبب سفيرها غير المتوج الدكتور عبدالرحمن السميط والذي يجول في غابات أفريقيا داعياً ومداوياً وطبيباً.يقول الشيخ محمد الخميس عن السميط «من صفاته رحمه الله أنه كان ينكر ذاته كثيراً، قال لي أكثر من مرة: إن الله خلقني من أجل أفريقيا، وقال لي ذات مرة «يا محمد لو فتحت قلبي لوجدت فيه خريطة أفريقيا».بدأت جمعية العون المباشر قبل 25 عاماً، وتعد الآن من أكبر من المنظمات في العالم المتخصصة في أفريقيا، ولديها 3288 داعية ومدرساً يعملون فيها، ولديهم اهتمام كبير بالتعليم حيث إن الجمعية تملك 840 مدرسة ابتداء من الحضانة حتى الجامعة، ولديهم معهد العلوم الإدارية في الصومال وكلية الشريعة في كينيا وكلية تربية في زنجبار، وتقوم رؤية الجمعية على أن التعليم هو حق إلهي وهبه الله لكل إنسان في هذه الحياة.منهج السميط في العمل الخيرييبني د.عبدالرحمن السميط عمله على أسس وتخطيط، ويحرص على مواصلة البناء الدعوي والتعليمي والإغاثي وفي هذا يقول رحمه الله: «نحن نعمل في أربعين دولة، ومع الأسف الشديد فنحن توسعنا توسعاً كبيراً خلال خمس وعشرين سنة ماضية، وكنت أتمنى لو حصرنا عملنا وركزنا على مناطق معينة، نركز عليها ونحاول أن نعجل كل عملنا فيها، وفي كل بلد لدينا قبيلة او قبيلتان نحاول كسب أفرادهم للتوحيد، ولنا منهجنا وهو منهج يعتمد على التعليم، استناداً لدراسة أجريت مؤخراً حيث ثبت أن الدولار الذي يصرف على الصحة وعلى الإغاثة يكون أكثر تأثيراً عندما يصرف في التعليم، وحرصنا ألا يكون التعليم لمدة قصيرة سنة أو سنتين وإنما كان على المدى البعيد.وقد أكد رحمه الله من خلال القول والفعل على حرصه التام على التعليم وأنه الركيزة الأساسية لانتشال أفريقيا من الجهل الذي دمرها سنوات، ولذلك كان جل عمله مرتكزاً على التعليم.قال الشيخ السميط رحمه الله «نحن المسلمون مع الأسف نهتم ببناء المساجد ولا نهتم ببناء الساجد، أنا أتمنى من إخواني أن يستثمروا في التعليم، فالتعليم هو وسيلتنا لتغيير المجتمعات وتغيير الواقع السيئ الذي تعيشه هذه المجتمعات، إذا أعطيناهم شهادة، فنحن أعطيناهم سلاحاً يعيشون به». الاهتمام بالجانب الإعلامي أكد د.السميط خلال مسيرته الدعوية على أن الإعلام الجماهيري ومنها إذاعات الراديو تستطيع أن تدخل كل بيت شاء رب البيت أم أبى، ويذكر في أحد القصص أن أحد القبائل لم نستطع الوصول إليها وكانت تعتنق «القاديانية» وتظن أن الإسلام هو القاديانية، ولكن بعد أن سمعت برامج التعريف بالإسلام في إذاعة القران الكريم في «سيراليون» غيرت ديانته للإسلام الصحيح.وهناك جزيرة من الجزر كانت منقطعة في البحر، ولا يأتون إلى البر إلا مرتين في السنة يشترون حاجاتهم ثم يعودون، فجاء أحد الصيادين للدكتور وقال له: لقد أجبرتمونا أن نأتي ثالث مرة للبر هذه السنة، وهذا يحصل لأول مرة في تاريخنا! فقال له الدكتور لماذا؟ قال لأن بطارية الراديو الوحيد في الجزيرة قد انتهت فأنا هنا لأشتري بطاريات لنستمع لإذاعتكم.تجرده للعمل الخيري بعيداًعن النزاعات السياسية والحزبيةأسهم رحمه الله تعالى في إغاثة الناس في المجاعات والحروب والويلات، رغم حرصه الشديد على الابتعاد عن أي نزاع طائفي أو حزبي أو سياسي، لم يكن رحمه الله ممن يستغلون العمل الإغاثي للابتزاز أو المتاجرة، كانت رحمته بالإنسان تحركه في كل مكان وكان حرصه أن ينشر أخلاق الإسلام هو المحرك لعمله.يقول رحمه الله «نحن عادة لا نصطدم بالناس، سواء كانوا مسلمين منحرفين أم نصارى وحتى وثنيين، نحاول أن نكسبهم عن طريق الهدايا والكلمة الطيبة والزيارات ونجحنا في ذلك في مرات عديدة».يقول الشيخ محمد الخميس «من الصفات التي كان يحرص عليها الدكتور عبدالرحمن السميط في العمل الخيري أنه يبعد عمله عن السياسة والسياسيين، ما كان يدخل السياسة في العمل الخيري، فإذا حصلت في أي دولة أفريقية انتخابات أياً كان نوعها سواء كانت مجالس بلدية أو تشريعية أو الرئاسية، فقد كان العديد من السياسيين يأتون، إما لمقابلته أو مساعدته أو الوقوف معه فكان يرفض هذا رفضا قاطعاً، بل يشترط على كل موظف أفريقي إذا انخرط في جمعية العون المباشر في المكاتب المحلية ألا يكون جزءاً من المنظومة السياسية في داخل البلد». أعظم أمانيهكانت أمنياته العظيمة رحمه الله لا تعلق لها بالدنيا ولا صلة لها بالأموال والدور والقصور بل كانت أعظم أمانيه أن يجوب البلاد للدعوة وأن يصرف وقته في هداية الناس يفرح إذا سمع من قال لا إله إلا الله، يستبشر إذا دخلت قرية من القرى في الإسلام، أمنيته التي دائما ما يكررها هي أن يموت ويدفن في أرضه التي عشقها وأحبها ودعا فيها قبائل الانتيمور ألا وهي مدغشقر.قال السميط رحمه الله «أمنية أتمنى أن أحققها، وأنا أستعد لها، وهي أن أشتري مزرعة صغيرة وأبني كوخاً أعيش فيه، وأربي فيه الأيتام، لأن لدي أكثر من 400 يتيم في مركز إسلامي قريب، ومدرسة، وهذه المنطقة في جنوب مدغشقر عند القبيلة التي أصلها من جدة، أنا أتوقع بعد 6 سنوات سيسلم 50% من أبناء القبيلة، وأريد أن أرتاح نفسياً.ويضيف السميط «أحس بمعاناة كبيرة وأنا هنا، لأن لدي بعض المشكلات الصحية التي تحتاج بين الحين والآخر للمراجعة، فلدي نزيف في العين بسبب السكر ولدي مرض السكر الذي يحتاج إلى خمس إبر في اليوم، والإبرة يجب أن تضعها في الثلاجة، والمشكلة عدم وجود الكهرباء هناك، إن شاء الله هذه نتغلب عليها، وأنا وزوجتي نصر على أن تذهب هي للتدريس وأذهب أنا لرعاية الأيتام.«قضيت في أفريقيا أجمل سنوات حياتي، لدرجة أني تمنيت أن أموت هناك وأدفن هناك، واشتريت لي أرضاً وحولتها إلى مقبرة، وحفرت فيها قبرين، واحد لي والآخر لزوجتي، ولكن مع الأسف لم يسمحوا لنا بالبقاء هناك». ماجونقا.. كعبة مدغشقروتقع مدينة ماجونقا في الشمال الغربي من جزيرة مدغشقر، وتسير إليها رحلات صغيرة من العاصمة، وتقطع المسافة في 4 ساعات تقريباً، وتتميز بكهوفها الكثيرة، وشلالاتها العديدة، والسكان هناك يعتبرونها سراً مهماً في حياتهم.وهناك أيضاً على بعد حوالي 15 كم من المدينة تقع القرية التي توجد فيها الكعبة أو «الدعاني»، وكلمة دعاني مركبة من جزأين.. دعاء: ويعني التوسل، وطلب الحماية من قوة عليا، و»ني» تعني المكان، فالمعنى مكان التوسل أو مقصد الدعاء.وتلك الكعبة يحج إليها مرة كل عام الملاجاشيون المقيمون في الغرب، أو الحجاج القادمون من جزر القمر، ويشبه الطواف بكعبتهم إلى حد ما مناسك الطواف حول الكعبة المشرفة، وهم يذبحون ويدعون وعند ارتكاب أي خطأ يذبحون الدم تكفيراً للخطيئة.والحج يبدأ في هذه المنطقة نهاية شهر يوليو بمراسم رمسية، يحضرها الملك ويفتتح الموسم حيث يكون الحجاج قد توافدوا على العربات من كل مكان، ولابد من أن يغتسل الجميع من ماء معين ثم يلبس الحجاج ملابسهم الخاصة وهي ملابس الإحرام، وتذبح البقرة أمام الكعبة قربانا لها، أما سور الكعبة من الخارج فهو من الخشب العادي المسقوف والمدهون بالزيت، وهو محاط بسياج لا يسمح لأحد أن يدخل حدود الحرم إلا في الموسم وبحضور مسؤول الكعبة وفي داخل كعبتهم هذه توجد ثياب الملك، وحقيبة قديمة، وطربوش وطبل قديم مهترئ.يقول السميط «بعد محاولات متكررة لزيارة الكعبة سمحوا لي بالدخول لها، فسمحوا لي أنا وعائلتي ولم يسمحوا للبقية لأنهم يلبسون البنطلون ومن يلبس البنطلون عندهم كافر، بعدها طلبوا مني أن تخلع زوجتي و بناتي حجابهن فرفضنا ذلك، وقلنا لهم في مكة عندنا النساء لا يرفعون حجابهم، فلماذا تريدون أن ترفعوا حجابنا هنا؟ فردوا علينا: هل نحن علمناكم كيف تحجون في مكتكم؟ إذاً لا تعلمونا كيف نحج في كعبتنا!!فذهبت أنا وأولادي وكلمت أميرهم فسمح وأخبرته بأننا أتينا من بعيد لزيارتكم ومنعوا بناتي من الدخول لأنهن محجبات، فقال الأمير لا مانع من دخولهم، وفي طريقهم التموا حولهم وأخذوا بالصراخ وأخذوا بالضرب على رؤوسهم، يقولون انزعوا هذا، وقبل أن نصل لمكتهم ثارت ثورتهم وهجموا علينا يريدون الفتك بزوجتي وبناتي وأول مرة أرى أم صهيب وبناتي يركضن بهذه السرعة لدرجة أنهن ركبن السيارة وهي تسير وأنا أخرجت أموالاً ورميتها لهم لكي أشغلهم ولكن بلا فائدة، ولكن سلمنا الله منهم.زيارة قرية مكةالوصول إلى القرية التي تسمى مكة ليس بالأمر السهل فهو يستدعي السفر إلى «منكارا» بطائرة صغيرة لمدة ساعتين، ثم الانتقال إلى قرية «فايوبيونو» بسيارة في طرق وعرة ومسالك خطرة، ثم عبور نهر مليء بالتماسيح على قوارب صغيرة، لا يسمح فيها بالحركة الكثيرة حتى لا تسقط، ثم مشياً على الأقدام في الغابات والمستنقعات، ثم إكمال الرحلة عبر مستنقعات مائية خطيرة تصل فيها المياه أحياناً إلى الصدر.يقول الدكتور السميط «الوصول إلى مكة ليس بالأمر السهل، والحمد لله أسلم شخص منهم وبدأ ينشر الإسلام بينهم حتى أسلمت القرى المجاورة كلها، أما عن الأفاعي في المستنقعات فإني أنزل إلى الماء وأتحسسها ثم أمسكها فأخرجها ثم أطلق سراحها».أما أبوياسر فإنه يقول «كنت أحادث المترجم طيلة الطريق عن المسافة المتبقية بسبب قلقي الشديد أن تسقط الكاميرا في الماء ويضيع جهد المصور كله، وللعلم لم يستطع المصور أن يحظى بصور كثيرة بسبب انشغاله بالمشي ورفع الكاميرا فوق رأسه حتى لا يصيبها الماء وقد كانت معاناة شديدة داخل المستنقع».وفي طريقهم كان الدكتور السميط يحكي لهم عن مكة فيقول «عند زيارتي لهم في المرة الأولى صعقت بما رأيت الحقيقة، فقد سألتهم عن سبب تسميتهم قريتهم باسم مكة؟ فقالو إنها على اسم القرية التي أتينا منها.فقلت: من أين؟قالوا من الشمال؟قلت من أين بالشمال؟لا يعرفون، وما سمعوا من قبل عن السعودية ولا عن بلاد العرب.سألتهم عن دينهم؟قالوا: الحمد لله، نحن مسلمون بروتستانت!!تساءلت مندهشاً كيف مسلمون وبروتستانت؟قالوا أجدادنا قالوا نحن مسلمون، لكن لا نعرف شيئاً عن الإسلام، لا صلاة ولا صوم، فجاء هنا البروتستانت وقالوا لا يوجد فرق بين البروتستانية والإسلام أبداً!!، علمونا كيف نصوم ونصلي، بنوا لنا كنيسة، أعطونا الإنجيل ونحن كل يوم أحد نذهب للكنيسة.يقول السنيدي للدكتور السميط «سأرمي ملابسي كلها بعد أن خضنا فيها هذه المستنقعات والطين، فقال له الدكتور: أما أنا فلا أستطيع أن أرمي ملابسي فهذا يكلفني الكثير، فأنا عندي أثواب رخيصة بعشرة ريالات لدي منها أكثر من 20 ثوباً لأنني لا أستطيع أن أتوقى الطين فحتى الطاقية لا تخلو من الطين». الطفولة في أفريقياالطفولة الحالمة قتلت في مهدها في عدد من دول أفريقيا نظراً للفقر المدقع هناك، في مدغشقر يعيش الأطفال مأساة الكبرى، حيث يعمل الطفل الملاجاشي عملاً لا يستطيع أن يقاومه الكبار، ومشكلة تشغيل الأطفال أو الأطفال الفقراء في العالم تتفاقم رغم الدعوات العالمية للتصدي لها.فالتقارير تشير إلى أن أكثر من ستمائة مليون طفل يعاني من الفقر في العالم، منهم مائتان وخمسون مليون طفل في الدول النامية يجبرون على العمل الشاق يومياً.متاعب الأطفال تأخذ أشكالاً متعدد مع تساويها في مستوى أضرارها، أطفال يحملون الأعباء، ويسيرون حفاة الأقدام، يكسرون الحجارة الصماء بلا طعام ولا كساء، إنها الطفولة الموؤدة، ولكنه الوأد في قرون التطور والحضارة.أما أمراض الأطفال في أفريقيا فمعناة شديدة، حيث من النادر جداً أن تجد طفلاً يلبس لباساً كاملاً، بل إن بعض الأطفال كما سألنا أهله لم يغير ملابسه منذ سنة وسنتين وثلاث أحياناً، خصوصاً أنها ربما تصغر عليه وتتمزق وهي عليه!!.الأمراض منتشرة بين الأطفال بشكل كبير، والأدوية غير موجودة، والتحصينات الطبية غير موجودة إلا عند بعض العوائل، لذلك يعاني الأهالي من مشكلات مرضية كبيرة مع أطفالهم، فعلى الرغم من جمال الطبيعة وكثرة الأنهار والحيوانات إلا أن الأمراض منتشرة، والفقر شديد والموت من الجوع أصبح ظاهراً وظاهرة. رعاية الأيتام المسلمينأما الأيتام فهم شغف هذا الرجل، يضع نصب عينيه دائماً حديث النبي صلى الله عليه وسلم: «أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين، وشبك بين أصبعيه السبابة والتي تليها».قال الشيخ السميط رحمه الله «عندنا الآن 204 مراكز في أفريقيا، منها مراكز للنساء، ومنها دور للأيتام، وأعتقد أن أفضل استثمار قمنا به هو في تربية الأيتام في هذه المراكز أولاً، فقد وفرنا لهم أفضل أنواع التعليم المتوفر في المناطق، بدليل أن مدارسنا دائماً هي الأولى على مستوى مناطقها، والشي الثاني أننا جردنا التعليم من القيم السلبية الموجودة في المجتمع وبدلناهم بقيم إيجابية إسلامية، من مثل أن الإنسان يجب أن يكد ويتعب لأجل لقمة عيشه وأنه يجب على الفرد أن يتصف في طريقة تحصيله لقمة العيش بالصدق والأمانة، وعدم التطرف، والاعتدال والسماحة وهذه قيم قد لا تكون موجودة في المجتمع.ويضيف «أضرب لكم مثالاً: ملاوي بلد لم يكن فيه أي خريج مسلم عندما بدأنا وذلك في عام 1980، وبفضل الله سبحانه وتعالى في سنة واحدة تخرج ثلاثون طالباً من أيتامنا وأولادنا وكلهم أطباء، و12 مهندساً، و6 محاسبين، و6 من حملة الدكتوراه، وعدد من السفراء ومن كبار المسؤولين هم من أيتامنا، ونحن لا نطلب منهم شيئاً، كل الذي نطلبه منهم أن يخلصوا لأهلهم وبلدهم ودينهم، وأن يعاملوا الناس معاملة طيبة، وأن يتذكروا أن هناك من أحسن إليهم دون أن يراهم». صديق كننيحكي أبوصهيب قصته مع أحد الأيتام فيقول «جاءني يتيم في عام 1992م وعمره سنتان وهو يعيش في المجاعة فقمت بوزنه وقياس طوله فوجدت أن وزنه 44% فرأيت ألا أمل له في الحياة فقلت لهم: أنا طبيب وأعرف حالته، فقط اتركوه ولا أمل في إنقاذه، وأدخلوا آخر وكان هناك عشرات الآلاف في ذلك الوقت في الطوابير، ثم واصلنا العمل وبعد 3 ساعات أحسست بالتعب فخرجت ووجدت أمه تبكي، وهو نائم على بطنه ووجهه محفر بالتراب، فتأثرت وتعاطفت مع الأم، وتغلبت عاطفتي على النواحي الطبية، فقلت لهم: أدخلوه مع المجموعة القادمة، وكنت أقول: إذا أعطيناه من مال الناس فأنا أعتبرها خيانة للأمانة، لأن الناس أعطوني المال كان لزاماً أن أستخدمها في أفضل الحالات، فقلت لهم: هذا علي أنا، وأنا سأدفع تكاليف علاجه، وكانت تكاليف الوجبة في اليوم تكلفنا 16 فلساً بحرينياً، وهي عبارة عن دقيق ودهن وسكر وأحياناً نضع قليلاً من الحليب أو فول الصويا المطحون، ولا يأكل غير هذا، فنخلط له كل هذه المكونات ويشرب من هذا الخليط حوالي 300 ملل، وبعد أسبوعين تجد هذا الهيكل العظمي قد عاد طبيعياً وقام ليمشي ويضحك.ثم نسيت هذا الموضوع وسافرت بعدها بمدة، وبعد عشر سنوات وصلت لمكتبنا صور هذا اليتيم اسمه: صديق كنن، وعمره اثنا عشر عاماً، وهو متفوق جداً في دراسته، وحافظ لعشرة أجزاء من القرآن، ويقولون الكثير عن أخلاقه العالية فانظر بعد عناية الله 16 فلساً أنقذته من الموت والجوع، فتذكروا هذا اليتيم صديق جيد وأمثاله الملايين الذين لا يحصلون على وجبة بـ16 فلساً تنقله من خانة الموتى إلى خانة الأحياء.غرائب ونوادر في القارة المنسية.. التعدد والإنجابهناك الكثير من القرى التي فيها تقاليد غريبة جداً، فضمن التقاليد ما يتعلق بالنساء خصوصاً الفتيات، فبعض القرى خاصة التي دخلتها النصرانية بشكل كبير لا توجد عندها مشكلة إذا حملت الفتاة سفاحاً، وبعضها يكون للمرأة حرية اختيار طريقة حياتها على غير المألوف.هناك اختلافات معينة تختلف من قرية إلى قرية، فالتعدد مثلاً موجود ونادراً أن يتزوج الإنسان 4 زوجات، خصوصاً في مثل جزيرة مدغشقر، لكن في أماكن أخرى في أفريقيا كلما زاد غنى الملك، أو رئيس القبيلة، أو غيرهم، فإن له أن يعدد أكثر وبعضهم يصل لعدد كبير من النساء.على سبيل المثال توجد قرية في أطراف السنغال بها أحد السلاطين متزوج من أكثر من سبعين امرأة، وعنده ما يربو على مائة ولد، الذين في المرحلة الابتدائية منهم حوالي 50 طفلاً، والمدرسة الوحيدة في المنطقة التي فتحت هناك سجل أبناءه فيها دفعة واحدة. وقابل السميط أحد الملوك الذين أسلموا وزار السعودية لأداء فريضة الحج مع ضيوف خادم الحرمين الشريفين، كان لديه أكثر من 90 زوجة ولديه غرف كثيرة ومستشار مسؤول عن شؤون زوجاته يحدد لم تكون الليلة، فمن كانت ليلتها أتت إلى غرفته الكبرى المعدة له، وقد طلب منه الدعاة أن يطلق ما زاد عن أربع من نسوته لكنه رفض، ثم بعد مدة قال سأختار أربعاً ثم أجعل الباقيات (جواري !!) وعلمت فيما بعد أنه تركهن واكتفى بأربع وحج مع بعضهن. وداعاً.. خادم الدعوةعجيب أمر هذا الرجل!! مرض مراراً، وأنهكه التعب، وأشيع خبر وفاته مرات ومرات، وكأن الدعوات من المسلمين أبت إلا أن تشق باب السماء للواحد الأحد سبحانه يحفظه، أصابته أمراض كثيرة وجلطات، فكانت من خيرة الله له.قال الشيخ نبيل العوضي «في ليلة مرضه التي انتشر خبرها، من دخل على الشبكة العنكبوتية وعلى «تويتر» بالذات فإنه لن يجد أحداً يتحدث إلا عن هذا الرجل الجبل، بل الملايين في أفريقيا في تلك الليلة اهتزت، والأيتام بكوا، والأرامل أقمن الليل دعاء له، وفي صلاة الفجر قام الناس يدعون ويقنتون له، قد تكررت إشاعة موته وفي كل مرة تضج الدنيا بالدعاء له.أول ما استيقظ من غيبوبته التي مات فيها كانت أول كلمة قالها: أريد أن أصلي، ائتوني بوضوء فإن لم يكن أريد أن أتيمم، أين القبلة؟ ما سأل عن أحد ولا سأل عن شيء بل سأل فقط عن الصلاة، الصلاة الصلاة. انتقل الداعية الإسلامي د.عبدالرحمن السميط إلى رحمة الله عن عمر ناهز 64 عاماً، بعد صراع طويل مع المرض، وكان السميط أصيب بثلاث جلطات في الرأس والقلب إضافة إلى داء السكري، كما أصيب بجلطة في القلب عندما كان في الصومال وأجريت له عملية في الرياض، وكسرت فخذه وأضلاعه والجمجمة أثناء قيامه بأعمال إغاثة ومساعدة للمحتاجين في العراق، فضلاً عن الآلام التي كان يعاني منها في قدمه وظهره، ومع ذلك لم تثنه هذه المعوقات عن السفر والترحال لإكمال مشروعه في الدعوة للدين الإسلامي، ومشاريع التنمية في أماكن كانت تختفي خلف الأدغال وسط المرض والفقر في أفريقيا.