لا يكاد يمر يوم من دون أن تضج الأوساط السياسية ووسائل الإعلام التركية بتصريح سياسي يصدر عن علاء الدين تشاكيجي، ضد شخصية أو جهة سياسية تركية أو أخرى.
تشاكيجي كان زعيما شهيرا لواحدة من أقوى تنظيمات المافيا التركية خلال عقد التسعينات من القرن المنصرم، وتمت إدانته من القضاء بارتكاب المئات من جرائم الاغتيالات السياسية وتجارة المخدرات وتأسيس تنظيم إجرامي وسجن لسنوات طويلة، إلى أن أطلقت السلطات التركية سراحه قبل عام بمرسوم تشريعي خاص، شككت فيه الأوساط الحقوقية والسياسية المعارضة واعتبرته "فُصّل على مقاس تشاكيجي"، المعروف بصلاته وعلاقاته الوثيقة مع تحالف الأمة الحاكم في البلاد، خصوصا زعيم حزب "الحركة الوطنية" المتطرفة دولت بهجلي.
وبعد 3 أشهر فقط من إطلاق سراحه، وجه تشاكيجي تهديدات مباشرة لزعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كليجدار أوغلو، قائلا: "إذا لم تتوقف عن إهانة الشعب، سوف أصلبك على خشبة وسط ساحة عامة، لا تنم مثل أبن آوى ولا تتحدث مثل الدجاجات"، الأمر الذي اعتبره كليجدار أوغلو بمثابة تهديد مباشر، ورفع دعوى ضد أمام محكمة العاصمة أنقرة، خصوصا أن تصريحات تشاكيجي جاءت على وسائل التواصل الاجتماعي، وصارت بمثابة أمر لأتباعه من التنظيمات السرية.
والأسبوع الماضي، هدد علي تشاكيجي، النجل الأكبر لعلاء الدين تشاكيجي، زعيم حزب التنمية والمستقبل علي باباجان، لأن الأخير أعاد التذكير بالمرسوم الخاص الذي صدر لصالح والده، متهما السلطة الحاكمة بالشراكة مع زعماء العصابات.
تشاكيجي الابن نعت باباجان بـ"الخائن"، و"وكيل أجهزة الاستخبارات الأميركية"، و"المتآمر على الدولة التركية"، الأمر الذي اعتبره المتابعون للشأن الداخلي التركي تهديدا أوليا للمنافسين المفترضين للتحالف الحاكم في الانتخابات المقبلة.
صحيفة "جمهوريت" التركية القريبة من حزب العدالة والتنمية الحاكم، كشفت قبل يومين عن مساعي تشاكيجي للرد على زعيم المافيا النظير سيدات بكر، الذي كان قد أطلق سلسلة من التسجيلات المصورة، وكشف فيها روابط الدولة العميقة في تركيا بالتنظيمات السرية، بالذات التي كان لوزير الداخلية التركي الحالي سليمان صويلو دور أساسي فيها.
وأصدر تشاكيجي تعليقات مدافعة عن صويلو، متهما سيدات بكر بـ"محاولة تفكيك الأمة التركية".
وكان علاء الدين تشاكيجي واحدا من الفاعلين البارزين في تنظيم "الذئاب الرمادية" السري، الذي كان بمثابة الجناح المسلح السري للتنظيمات التركية القومية المتطرفة، التي خاضت حربا دموية ضد التنظيمات السياسية المدنية اليسارية والكردية في البلاد، طوال عقدي السبعينات والثمانينات.
وكان تشاكيجي وأنصاره ينفذون عمليات الاغتيال بشكل دوري، بتغطية من الأجهزة الأمنية والسياسية التركية.
واعتقل علاء الدين تشاكيجي عام 1998 في فرنسا، حيث كان فارا ويتنقل بين دول العالم ويقوم بأعمال إجرامية بأوراق مزورة، وبعد ذلك كُشفت خبايا الخيوط السرية التي كانت تربطه بالأجهزة الأمنية والأحزاب السياسية التركية وقتئذ، إذ اعترف الضابط الشهير محمد أيمور بأنه كان قد جنّد تشاكيجي لصالح الاستخبارات الوطنية الداخلية التركية MIT، حيث كان أيمور من كبار ضباطها في الثمانينات.
المسؤول عن العمليات في جهاز الاستخبارات التركية يافوز أتاج كان قد ذكر تشاكيجي في أكثر من مناسبة بتصريحاته التي كانت بمثابة المذكرات المهنية، إذ قال إنه كان فارا في عقد الثمانينات بتهمة تأسيس تنظيم سري لتجارة الممنوعات وممارسة الاغتيال المأجور، لكن قسم العمليات قد كلفه بتنفيذ 7 عمليات اغتيال داخلية، ثم تم نقله إلى الخارج لإتمام مهامه.
توسعت عمليات تشاكيجي في الداخل التركي بعد العلاقة العائلية التي جمعته بواحد من أهم زعماء المافيا التركية، دوندار كيليش، الذي تزوج تشاكيجي ابنته الوحيدة نورية، لكن سلسلة من التضاربات في المصالح ضربت العلاقة بين الطرفين عام 1994، حيث تبادل أتباع الطرفين الاغتيالات التي سميت في الصحافة التركية "أحداث إنجين سيفان"، الأمر الذي أدى إلى انفصال الزوجين، وانخرط تشاكيجي فيما بعد أقل من عام في اغتيال زوجته السابقة أمام ولديها.
وصار تشاكيجي هاربا اعتبارا من ذلك الوقت، وأصبح واحدا من أهم زعماء المافيا المحلية، وفي قلب الاغتيالات التي طالت الشخصيات السياسية ورجال الأعمال في تركيا، فقد كان متهما باغتيال رجل الأعمال كافيت تشاجلار الذي كان شخصية سياسية محلية شهيرة من منطقة بورصة التركية وشغل مناصب وزراية عديدة من قبل، كذلك اتهم بالانخراط في حوادث "تُرك بنك" الشهيرة، التي أودت بحياة أكثر من شخصية اقتصادية وسياسية تركية، من رافضي خصخصة البنوك العامة في البلاد.
وخلال العمليات الخارجية، اتهم تشاكيجي بتنفيذ عمليات "قذرة" في الولايات المتحدة والبرازيل وسنغافورة واليابان وإيطاليا، إلى أن تمكنت السلطات الفرنسية من اعتقاله في صيف عام 1998، وسلمته للسلطات التركية مع وثائق دامغة حول تورطه في اغتيال 41 شخصية في تلك الدول.
وخلال سنوات سجنه، بقي تشاكيجي محافظا على علاقاته الشخصية والعامة مع زعيم حزب "الحركة الوطنية" التركية المتطرفة دولت بهجلي، الذي كان يزوره في السجن ويطالب بإطلاق سراحه، معتبرا أنه "قدم خدمات للأمة التركية".
وحصل بهجلي على إطلاق سراح مشروط عن تشاكيجي عام 2002، بحيث يمكث في الإقامة الجبرية، لكنه فر إلى اليونان بعد فترة قصيرة وتم إلقاء القبض عليه مجددا عام 2004 في النمسا، وسلم إلى السلطات التركية التي أطلقت سراحه في صيف 2020 بمرسوم خاص، بدعوى حماية السجناء من الإصابة بفيروس كورونا.