في زمان متقلب الأوضاع تغيرت فيه أساليب الحياة وأساليب التعامل مع الناس، واختلطت فيه المشاعر، بتنا في حيرة من أمرنا في اتخاذ قراراتنا واختيار ساحة إنجازاتنا. لم نكن نتوقع أن تمتد آثار كورونا حتى هذا الوقت، فكنا نعتقد أنه سحابة صيف عابرة حاله حال العديد من الأمراض التي غزت حياتنا ثم مضت. ولكن حدث ما لم يحدث في الحسبان وانقلبت الأمور وتغيرت الحياة بأمر المولى الكريم وقدره لحكمة لا يعلمها إلا هو. في كل يوم من أيام حياتنا في ظلال كورونا تتغير نظراتنا للحياة ونجد أنفسنا أمام خيار وحيد يجب أن نسلكه في حياتنا المتبقية القصيرة.. خيار القرب من الله عز وجل والارتماء في أحضان العبودية الخالصة. فلم يعد بالإمكان أن نجلس «مرغمين» في بيوتنا خوفاً من «كورونا» بلا هدف مرجو أو برنامج روحاني يطهر قلوبنا من الأدران غير مرتبط برمضان.. إنما مرتبط بمصيرنا في الآخرة. لم يعد الأمر مرتبط بقرارات هنا أو هناك لكي نحفظ أنفسنا من هذا الوباء الفتاك الذي غير خارطة العالم كله، بل مرتبط بنفوس يجب أن تعي غاية وجودها على هذه البسيطة، وتدرك أنه من واجبها أن تتحمل المسؤولية أكثر في حفظ نفسها من الأخطار المحدقة في هذه الحياة سواء من هذا المرض أو من غيره، فالأخذ بالأسباب واجب على كل مسلم «اعقلها وتوكل».

عندما يصر البعض أن يمارس حياته كما كانت من قبل بدون أخذ الحيطة والحذر، فإنه بذلك يعرض حياته والآخرين للمخاطر، فتراه يفتح الحياة على مصراعيها بلا قيود أو «كمامات إيمانية». الأصل الذي نفتقده أن نتناسى غاية وجودنا على الأرض ونظل نراقب أوضاع العالم بلا حصانة إيمانية، تلك الحصانة التي تتجدد كل عام في رمضان، ولكن متانتها يجب أن تبقى طيلة حياة المسلم، فهي غير مرتبطة بفترة دون أخرى. نحتاج أن نغير من أنفسنا ونهتم بذواتنا ونمضي إلى ساحات التغيير بعيداً عن الملهيات العقيمة والشرود الذهني في معظم الأحيان الذي يتسبب في ضياع أوقات الحياة بلا إنجاز يذكر!!

البعض ينتظر زوال «كورونا» ويعتقد أنها السبب في تغيير أحوال الحياة، ولم يعرف إن الحياة تتغير وتتجدد أصلاً بين الحين والآخر «بإنذارات ربانية» سواء على مستوى أحوال الناس أو صحتهم أو أمانهم وما أحوال فلسطين عنا ببعيد، فقد تجددت ملامح القضية، وبات الفلسطيني مهدد إما بانتهاء حياته أو بفقدان منزله وأرضه مصدر أمانه! إن هذه الصور إنما هي صور للتغيير والتجديد في حياة كل مسلم، فهو مطالب أن يقدم الأثر والخير في ساعات صباحه الأولى، ولا يترك لحظة دون أن يفعلها من أجل مرضاة الله عز وجل.. جميل أن نوقف حياتنا كلها لله، فهي بصمة يجب أن نتركها اليوم قبل الغد فلا نعلم ماذا ينتظرنا في الغيب؟؟

هي نفسنا وذاتنا فقط.. يجب أن نتحمل مسؤوليتها ولا نرمي الكرة في ملعب غيرنا «إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم». هي المسؤولية الذاتية التي تفرض علينا أن نحمل على عاتقنا منهج الإنجاز المكسو بحب ما عند الله عز وجل، وهو منهج مبني على أساس العلاقة الإيمانية الجميلة مع مالك الملك تبارك وتعالى. ثم البدء فعلياً لإنجاز قائمة التأثير التي تتعامل مع جميع ظروف الحياة بلا استثناء. لا تقولون كورونا السبب.. بل ذواتنا هي السبب.. فهي التي يجب أن تتحمل التغيير والتجديد وتكتسب المناعة الدائمة لكل أوجاع الحياة ومتغيراتها.

* ومضة أمل:

اللهم ارفع عنا الوباء والبلاء واحفظنا ومن نحب وجميع المسملين.