كتب - حسين التتان:حين أعطتنا الإشارة الضوئية لونها الأخضر إيذانا بالانطلاق، سألت صاحبي: لماذا تتلفتُ يمنة ويسرى؟ لماذا لا تمضي في طريقك السالك مباشرة، فالإشارة خضراء؟ ابتسم قبل أن يجيبني: لم يعد كثير من الناس كما كانوا بالأمس، ملتزمون بقواعد المرور، فاليوم هناك الكثير يخالفون الأنظمة المرورية وقواعد السير، فهم يكسرون الإشارات الضوئية، ولهذا ليس من ضرر لو تمهلت وتلفت قليلاً من الوقت قبل عبور الشارع، حتى لو كانت الإشارة تأذن لي بالمرور.هذا هو الواقع، عشرات الضحايا في البحرين يلقون حتفهم جراء عدم التزام بعض السائقين بأنظمة الإشارات الضوئية، ومئات الضحايا يقضون في الخليج العربي للسبب نفسه.الإشارة الضوئية وضعت للمحافظة على الأرواح، وهذا ما تركز عليه الحملات المرورية التي تنظمها إدارات المرور والطرق بمجلس التعاون الخليجي، لهذا كان شعار الخطة الفصلية الإعلامية المشتركة لدول مجلس التعاون الخليجي لهذا العام (خطورة قطع الإشارة الضوئية).هذا موضوع مهم سواء للبحرين أو لدول المجلس، لذلك تحركت "الوطن” للإسهام في هذه الحملة التي من شأنها توعية مرتادي الطرق، بأهمية الالتزام بقوانين الإشارات الضوئية واحترامها، وربما تقديسها أيضا.ما الذي تغيَّر؟ جميعنا يعرف أن أكثر العرب التزاماً بالأنظمة المرورية هم البحرينيون، لكن في الآونة الأخيرة، وجدنا أن مخالفة الأنظمة، خاصة فيما يتعلق بكسر الإشارات الضوئية، استشرت بين عموم المواطنين، فما الذي تغير؟ وما هي العوامل التي جعلت البحريني لا يلتزم بالنظام؟ وما علاقة ذلك بالمنظومة المجتمعية؟ هذه الأسئلة توجهنا بها بداية إلى الباحث الاجتماعي إبراهيم الدرازي في مسعى للحصول على تفسير لهذا التحول الاجتماعي في مجتمعنا، فأبدى اعتقاده بأن نوعاً من التراخي حصل لدى الناس في فهم منظومة القانون حصل، في الآونة الأخيرة، وبغض النظر عن طبيعة القانون ومواده، إلا أن الشعب البحريني عرف عنه بأنه من أكثر الشعوب التي تقدس الأعراف والتقاليد التي تحتوي على روح القانون، والتي من ضمنها احترام الطريق وقوانينه.ويُرجع الدرازي استشراء هذه الظاهرة في أوساط مجتمعنا إلى غياب الوعي الذي يدعو إلى احترام القوانين كافة، ويقول: لهذا يحتاج مجتمعنا من جديد وبصفة مستمرة لاحترام منظومة القيم والقوانين، ومن الخطأ اعتماد الحالات التوعوية الموسمية أو الطارئة التي تؤكد احترام القانون، بل يجب أن تكون هذه الحملات مستمرة وحاضرة يومياً.ويوجه الدرازي عتبه إلى المجتمع، ويقول: البحرينيون أوصلوا رسالة جيدة إلى العالم وسمعتهم طيبة فيه، والعالم يعرف أن شعب البحرين متحضر ويحترم قوانينه، ومن المعيب اليوم أن نخسر تلك السمعة الجيدة، ولهذا وجب استحضار هذا المفهوم، وهو أن نُعيد تلك الخاصية الحضارية إلى سلوك هذا الشعب، لنثبت أننا ما زلنا حضاريون. ويضيف : إن ثقافة مجتمعنا أصابها خلل في عمومها، ولهذا نحن أمام مسؤولية مجتمعية في استرجاع تلك القيم التي عرف بها أهل الخليج العربي عموماً والبحريني على وجه الخصوص.ويؤكد الدرازي أهمية دور مؤسسات الدولة ومنظماته المدنية في تربية الفرد على احترام القيم وتعزيز روح الشراكة المجتمعية، وفي أمور الطريق يجب أن يحترم المجتمع قوانينه، لأننا جميعاً شركاء في الطريق، كما أننا جميعاً نتمنى تفادي مخاطره. حوادث الضوئيةإذا كان ذلك هو رأي مختص اجتماعي فلنتوجه إلى من يتعامل مع نتائج مخاطر كسر الإشارة الضوئية على الأرض، وهو رئيس قسم الطوارئ والحوادث بمجمع السلمانية الطبي الدكتور جاسم المهزع الذي يحدثنا عن أزمة الحوادث المرورية وكثرتها في البحرين، وكيف يتعامل معها قسم الطوارئ، ويقول: من المؤكد أن الحوادث المرورية لها نصيب كبير من الحوادث اليومية التي يستقبلها قسم الطوارئ، ونحن كأطباء تنتصب أمامنا مجموعة من الأسئلة المهمة، عندما تصل إلينا حالات تتعلق بالحوادث المرورية، ولعل أهم تلك الأسئلة: هل المصاب هو السائق أم واحد من المشاة؟ فإذا كان المصاب هو السائق، نسأل: هل كان متقيداً بحزام الأمان؟، لكن هناك أسئلة ليست من اختصاصنا، بل هي من اختصاص المرور، وهي: هل سرعته كانت طبيعية أم متجاوزة للحد المسموح به؟ هل السائق حين قطع الإشارة الضوئية، كانت خضراء أم حمراء؟. نحن أيضا نسأل أيضا عن طبيعة تناول السائق للكحول من عدمه، ذلك كله ينفعنا في حالة أردنا إعداد دراسة أو إحصائية عن تأثير الكحول أثناء السواقة، مثلاً، أو تأثير عدم استخدام السائق لحزام الأمان وأثر ذلك على طبيعة الحوادث المرورية، أو في حالات عدم التزام المشاة بقواعد الطريق الصحيحة. أما بالنسبة لنسب كسر الإشارات الضوئية فهي بالتأكيد كبيرة لعدم التزام السائقين بقوانينها.ويؤكد المهزع أن قسم الطوارئ يستقبل نحو 300 إلى 350 حالة، كلها لحوادث بليغة، وهي ناتجة عن مخالفات عدة لعل من أبرزها، قطع الإشارة الضوئية، وعدم الالتزام بقيود السرعة في الشوارع، واستخدام الهاتف النقال أثناء القيادة.يعتقد المهزع أن كسر الإشارة الضوئية في حال كونها تشير إلى اللون الأحمر، يعدّ استخفافاً بالقوانين وبأرواح الناس، وأن من يخاف لا يؤذي نفسه، بل يؤذي غيره من الأبرياء، ويرى: إن شوارع البحرين السريعة جيدة، وإشاراتها الضوئية واضحة وكافية. أما الجو في البحرين فيمتاز بالمثالية للسائقين، ومع ذلك فالحوادث المرورية تزداد بمخالفة قواعد السير، ومن أبرزها كسر الإشارة الضوئية.وينصح المهزع المواطنين بالالتزام بقواعد الإشارات الضوئية، وبعدم الانشغال بالهاتف الجوال أثناء السياقة، والتأكد من استعمال حزام الأمان، متمنياً على الجهات المسؤولة أن تغلَّظ العقوبة الخاصة بالمخالفات المرورية، خصوصا كسر الإشارة الضوئية، ليس فقط العقوبات المادية، بل هناك عقوبات أكثر ردعاً، كسحب رخصة السواقة أو أن يُطلب منه إعادة الامتحان من جديد، وهذا الأمر معمول به في بعض الدول الخليجية والغربية.حرمة كسر الإشارة الضوئيةوالدين يحرم، من جانبه، مخالفة الأنظمة المرورية، فهذا هو مفتي المملكة العربية السعودية الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ يفتي بحرمة قطع إشارة المرور عمداً، عاداً من يتجاوزها ويتسبب في قتل أحد قاتلاً شبه متعمد، وقال عن حكم تجاوز إشارة المرور: المتخطي والمستخف بإشارة المرور آثم، والمتجاوز لها عاصٍ ويتحمل وزراً، وإذا حصلت جناية بهذا السبب فهو شبه متعمد لأنه تجاوز ما حدد له وتعدى الحدود وعمل أعمالاً سيئة، مشدداً على ضرورة ترويض النفس على احترام إشارات المرور وعدم العبث بها، وتحميل من يتجاوزها عمداً حين لا يرى أحداً عند الإشارة المقابلة جميع الأخطاء والأضرار ليعرف الناس الحدود، وأكد على أن كل نظام وضعه ولي الأمر هدفه منفعة الأمة وتيسير أمرها وإقامة العدل وردع الظلم وتحقيق المصالح التي جاءت بها الشريعة، مشيراً إلى وجود خلط عند بعضٍ ممن يدعون أن هذا النظام ليس منصوصاً عليه في الكتاب والسنة، بل يجب تربية الأبناء على احترام الأنظمة التي وضعها ولي الأمر.وتعقيباً على هذه الفتوى الشهيرة، يشير الداعية أحمد الكوس إلى فتوى العالم الشيخ ابن عثيمين، في خطورة قطع الإشارة وحرمتها ويقول: قول المفتي الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ متوافق مع الكتاب والسنة والقواعد الفقهية وموافق للمقاصد الشرعية التي أمرنا بها الشرع وكل ما تفضل به فضيلته مستخلص من القواعد الشرعية التي تدل على حرمة الاستهانة بالنفس البشرية؛ إذ أمر الشرع بالحفاظ على النفس وعلى المال.وأضاف : ومن المؤسف أن بعض الشباب في الآونة الأخيرة تعاملوا بتهاون واستهتار مع هذا الأمر وإلقاء أنفسهم في التهلكة من خلال تجاوز الإشارة الحمراء ومن خلال السرعة الجنونية والتعدي على السيارات مما ينتج عنه موت رب الأسرة أو وفاة فتيات وأطفال وشيوخ، مطالباً بوجوب سن قوانين رادعة من خلال الترهيب والترغيب من جهات الدولة كلها.وقال الداعية الكوس: نأمل أن تكون لهذه الفتاوى أثرها في المجتمع الإسلامي فنحن أولى من الغرب ومن غير المسلمين الذين يلتزمون بآداب المرور، والحمد لله أمرنا ديننا الحنيف في الكتاب والسنة باحترام الطريق؛ إذ قال صلى الله عليه وسلم (أعطوا الطريق حقه)، وقوله تعالى : (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة)، وقوله صلى الله عليه وسلم (لا ضرر ولا ضرار). وأبدى الداعية الكوس أسفه من أن الكثير من الناس يتجاوزون الإشارة الضوئية مما يؤدي إلى الموت أو الإعاقة، والإحصائية تقول: إن المئات يموتون من حوادث السيارات وإن السيارة الآن أشد من المخدرات، وتصنف هذه الحوادث في عداد الجرائم فاللهو والسرعة الجنونية والتحدث بالهاتف أثناء القيادة وملاحقة الفتيات كلها تؤدي إلى موت رب الأسرة وإلحاق الإعاقة ببعضهم.قصة الإشارات الضوئيةالإشارة الضوئية أو إشارة المرور أو السيمافرو هي أجهزة إشارة توضع في تقاطعات الطرق أو أماكن عبور المشاة لتنظيم حركة السير وللسيطرة على تدفق حركة المرور بنحو آمن عن طريق استخدام أضواء ملونة تبعاً لنظام متفق عليه عالمياً. توجد الإشارة الضوئية في مدن كثيرة عدة في العالم، وتضيء جميع الإشارات الضوئية بلونين رئيسين: الأحمر ويعني التوقف، والأخضر ويعني السماح بالعبور، وغالباً ما يمزج اللون الأحمر بالبرتقالي والأخضر بالأزرق لتسهيل تمييزها من المصابين بعمى الألوان الذين لا يستطيعون التفريق بين اللونين الأحمر والأخضر، وفي الصين جرت محاولات فاشلة لتغيير معنى اللون الأحمر إلى السماح بدل التوقف خلال الثورة الثقافية. تاريخ الإشارات الضوئيةتم تركيب أول إشارة ضوئية بتاريخ 10 ديسمبر 1868م، خارج البرلمان البريطاني بلندن، وكانت من تصميم مهندس السكك الحديدية "جون بيك نايت” (بالإنجليزية: John Peake Knight) لذا كانت هذه الإشارة شديدة الشبه بالإشارات الضوئية الخاصة بالسكك الحديد في ذلك الوقت حتى أنها كانت تحوي على ذراعين متحركين أحدهما باللون الأحمر والآخر باللون الأخضر كانت تستخدم للتحكم بالحركة أثناء النهار، بالإضافة إلى الأنوار الغازية التي كانت تستخدم أثناء الليل، ولم تكن هذه الإشارة تعمل بنحو آلي إنما كان يتحكم بها شرطي مرور يقف بجانبها طوال الوقت، وانفجرت هذه الإشارة بعد سنتين من تركيبها - وبالتحديد في 2 يناير من العام 1869م وتسببت بإصابة، وفي بعض المصادر قتل شرطي المرور الذي كان يقف بجانبها. إشارة المرور بشكلها المقارب للشكل الحالي - بالأنوار الكهربائية ومن دون الأذرع-، بدأت في أمريكا في ولاية يوتا Utah في العام 1912م. في العام 1914م أضافت الشركة الأمريكية إلى الإشارات الضوئية منبه صوتي لإشارة المرور للتنبيه بالتغير في لون الإشارة وفي العام 1920م استبدل أحد رجال الشرطة المنبه الصوتي الصوتي بنور ثالث، أول تحكم آلي بالإشارات بدأ في شهر مارس من العام 1922م بولاية تكساس الأمريكية، وكانت مدينة تورنتو الأمريكية هي أول مدينة تتحكم بجميع الإشارات الضوئية فيها آلياً، ولكن هذا لم يتم سوى في العام 1963م، بدأ عرض عداد الثواني في الإشارات الضوئية في التسعينيات من القرن الميلادي الماضي، ليسمح لقائد السيارة بتحديد إمكانية قدرته على عبور الشارع قبل أن تتحول الإشارة إلى اللون الأحمر، ولكن هذه الفكرة لم تلق انتشاراً كبيراً.