العربية
خلال الأيام القليلة الماضية، انشغلت الأوساط العلمية بنتائج بحث قام به باحث بيولوجي سوري ونشرته مجلة Nature Communication العلمية العريقة، محققاً آلاف القراءات لما نقله من نتائج إيجابية تبشّر بإمكانية إيجاد حلول لأمراض مستعصية قاتلة، أهمها السرطان والألزهايمر.
فقد لاقى هذا البحث أهمية كبيرة في الأوساط العلمية، حيث أتت دراساته بمعلومات جديدة حول فهم الخلية الواحدة الموجودة في جسم الإنسان.
وعلى مبدأ "اعرف عدوك"، استغرق البحث بحسب صاحبه، ما يقارب 1650 يوماً من العمل والتجارب المتواصلة.
ساعات طويلة من العمل
وفي تصريح خاص لـ"العربية.نت"، شرح الباحث السوري مهند الملك الحاصل على الدكتوراه في علم الأحياء من جامعة كلود برنارد ليون الأولى في فرنسا، وعلى أبحاث ما بعد الدكتوراه من كامبريدج وبرلين، PostDoc in Cambridge & Berlin، أن نتائج بحثه استغرقت ساعات متواصلة من الدراسة تخللتها نقاشات وأبحاث طويلة وصعبة.
وشرح الملك الفكرة الأساسية لبحثه في تصريحه موضحاً، أن لكل إنسان عدداً كبيراً جداً من الخلايا التي تشكل في نهاية المطاف جسده الذي نراه عليه اليوم، وهدف البحث كان اكتشاف خبايا الخلية الواحدة.
وأوضح أن الدراسة كشفت أن الخلية الواحدة تملك أعضاء بداخلها تشكل هيكلها، أو ما قد يسمى مركز الطاقة، أو النواة التي تحتوي على المادة الوراثية.
والفكرة كانت في دراسة كيفية تبادل المعلومات بين ذاك الكم الهائل من الخلايا، فخلايا دماغنا المعروفة والتي تعطي أمراً لليد بالحركة مثلاً، هناك في الخلية ما يرشدها لذاك الفعل، ويعود الفضل في ذلك لأعضائها الأساسية التي تتكون منها.
وباللغة العلمية، تحتوي الخلية على حويصلات تتبادل عبرها المعلومات فيما بينها بكل ما تحتويه من سكاكر، وبروتين، ودسم وحتى سموم ومعادن أحيانا.
قبل 5 سنوات
كما أوضح الملك أنه ومنذ حوالي 5 سنوات تقريباً، توجّه اهتمام العلم بشكل كبير إلى نوع آخر من تبادل المعلومات بين أعضاء الخلية الواحدة، حيث توصل العلماء حينها إلى أنه وبدل تبادل المعلومات عن طريق تقاذف الحويصلات، وجدت الخلية طريقاً أسهل بكثير يكمن باقترابها من بعضها البعض إلى درجة الاحتكاك التام والتلامس.
والبحث العلمي الذي أعده الملك، دار حول بروتين معين يتواجد بالخلية من بين عشرات آلاف البروتينات الأخرى، يسمح هذا البروتين ببدء التقارب بين الخلايا فعلاً، ووجدت الأبحاث أنه وفي حال فقدانه فإن الخلية تفقد قدرتها على السيطرة ويتوقف عملها بشكل كامل.
"اعرف عدوك.. لتهزمه"
وهنا تكمن الأهمية، فبدراسة هذا النوع من البروتينات تستطيع الأبحاث أن تستهدف أمراضاً كثيرة أهمها: السرطان، والألزهايمر، وتستطيع أيضاً أن تتوصل إلى الطريقة التي تتبعها هذه الأنواع من الأمراض لاستهداف جسد الإنسان بشكل كامل (في حال انتشار السرطان مثلا) أو حتى حينما يستهدف عضواً معيناً.
وعلى ضوء معرفتها بطريقة عمل المرض وأسراره وخبايا تحركاته، تستطيع بعدها وبسهولة التوصل لعلاجه أو الخلاص منه، مشيراً إلى أن النتائج الملموسة التي توصل إليها البحث كانت العامل الأبرز الذي دفع المجلة العلمية العريقة المذكورة على تبنيه ونشره.
الهدف الأهم
ولفت الملك أيضاً إلى أن هدف البحث يكمن بمعرفة طريقة تفكير الخلية، والوصول إلى دورة بحثية متكاملة تبدأ من دراسة يعمل عليها باحث بيولوجي إلى أن ينقل أفكاره ونتائجه إلى صيدلاني وكيميائي يستفيد منها في صنع الدواء، ثم إلى طبيب يطبق تلك النتائج على المرضى.
كذلك تابع أن بحثه هذا يندرج تحت أنواع البحوث الأساسية التي تهدف لإغناء العلماء بالمعلومات ونقل الدور إليهم، فهو يقدم لهم مادة خام بانتظار المعالجة عبر الأبحاث التطبيقية التي تسعى لإيجاء العلاج.
في سياق متصل، أفاد الباحث السوري أن هدف العلم هذه الأيام تركيز جهود على جعل الأمراض القاتلة غير قاتلة، والسرطان أكبر مثال على ذلك، موضحاً أن بعض الدراسات تشير إلى أن عجلة العلم تسعى لأن تكون نسبة الوفيات بالسرطان مثلاً بعد أعوام ليست بالكثيرة لا تتجاوز الـ 10%.
"السرطان تحديداً"
وكشف الملك أن حل مشكلة مرض السرطان تحديداً تكمن في عدة محاور: الأول: منع ظهور المرض، والثاني: كشف المرض في مراحله الأولى وإيقاف انتشاره وهي النقطة الأهم ومن ثم علاج المنطقة المتضررة، حيث يتم ذلك عبر تطوير الأدوات المستعملة.
فيما الثالث: تحسين نوعية العلاج، أما الرابع: وهي أصعب المراحل وتكمن بإيجاد الطريقة الأمثل لوقف انتشار المرض.
وأوضح أن الوصول إلى فهم الخلية بشكل كامل هو مفتاح معرفة أغلب الأمراض إلى حد كبير.
إلى ذلك، ختم كلامه بأن العلم هو الحل، وأن تسريع وتيرة العلم والعلماء هي الغاية والوسيلة التي من خلالها نصبح أصحاب قرار.
كما أن الاستثمار بالعلم هو الحل الأمثل كي نتحول من شعوب مستهلكة للأدوية فقط إلى شعوب مخترعة، مشيراً إلى أن جائحة كورونا كانت المثال الأمثل على ما يقوله.
الجدير ذكره أن الباحث السوري مهند الملك كان استخدم مهاراته في إدارة المشاريع التي تعلمها من مختبرات ليون الفرنسية، وكامبريدج البريطانية، وبرلين الألمانية عندما أسس في عام 2012 مبادرة علمية تهدف إلى نشر العلم في جميع أنحاء العالم العربي، فأصبحت هذه المبادرة بعد 8 سنوات، المبادرة العلمية الأولى في العالم العربي بصفة منظمة غير حكومية.