اعتبر نائب رئيس المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية الشيخ عبدالرحمن بن محمد بن راشد آل خليفة، التشدد والتطرف والإرهاب من أبرز مشكلات العصر الراهن، لافتاً إلى أن التطرف داء أصيبت به المجتمعات العربية والإسلامية من خارج ثقافتها الأصيلة نتيجة الاستغلال السيء للدين.وعزى بروز ظاهرة التطرف إلى الاستغلال السيء للدين، وتراجع دور الحركة العلمية الراشدة والحكيمة، في وقت برزت فيه حركات سياسية دأبت على استنهاض الشباب والناشئة بشعارات ظاهرها من الدين وحقيقتها مشاريع مصلحية وفئوية.ووصف عبدالرحمن بن محمد في حوار مع مجلة "منبر الإسلام" المصرية، التطرف بأنه "جسد أجوف، وفقاعة خالية، ولا يستند إلى فكر أصيل، ولا إلى ركن وثيق".ودعا إلى "تقويم مصادر الثقافة الأساسية لدينا وهي التعليم والإعلام، ونشر الحملات التوعوية والإرشادية بمختلف الوسائل الممكنة، إضافة إلى تعاون علماء الأمة الإسلامية في هذا السبيل".وأضاف "نحن بحاجة إلى مشروع يقوم على تشخيص مشكلاتنا وقضايانا، ومن ثم وضع الخطط اللازمة لتطوير الأنشطة الإسلامية انطلاقاً من تشخيصنا الموضوعي للواقع"، مؤكداً أن حل المشكلات الفكرية يكمن في تقوية الحواضن السليمة، لتكون درعاً واقية من أي موجات فكرية أو ثقافية أو سلوكية.وحث على مراجعة الخطاب الديني، واعتبر الخطاب السائد حالياً "قاصراً عن مواجهة التحديات المحدقة بنا"، مردفاً "الأمة الإسلامية باتت تعيش اضطراباً في الفكر، فنحن نعيش واقعاً يعاني من انفصام واضح بين الأصل والتأويل، وبين النظرية والتطبيق، وبين التأصيل والتوظيف".ورفض نائب رئيس المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، التطاول على الصحابة، وإلقاء الشبهات والتشكيكات على العامة فيما يخص الكتب الأساسية كصحيح البخاري، منبهاً إلى أن "التطاول مدعاة للفرقة والباطل وإثارة الناس، وسبيل المفلسين ممن لا حظ لهم في العلم والأخلاق".* كيف يمكن مواجهة التيارات المتشددة والفتاوى التكفيرية؟في البداية، نشكر لكم هذا اللقاء، ونشكر لجميع الإخوة العاملين في مجلة منبر الإسلام، ونثمن ما تحويه من موضوعات قيمة تعبر عن الصوت الإسلامي الوسطي، متمنين لكم النجاح والتوفيق.وبخصوص سؤالكم، لا شك في أن التشدد والتطرف والإرهاب من أبرز مشكلات عصرنا الراهن على مختلف المستويات الفكرية والأخلاقية والسلوكية، وإنها داء أصيبت به مجتمعاتنا من خارج ثقافتها الأصيلة، وبخلاف عاداتها وتقاليدها وأخلاقها، وباتت تهدد مجتمعاتنا على نحو مخيف، ما دفع الجهات الإسلامية إلى العمل الدؤوب فرادى وجماعات لمحاصرتها وتحصين المجتمع منها، ومن ثم إيجاد حلول ناجعة لمعالجة هذه المشكلة، ومؤتمر المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في مصر مؤخراً يأتي في سياق هذه الجهود الخيرة.التطرف والتشدد والانحراف اليوم سببه في تصورنا الاستغلال السيء للدين، وتراجع دور الحركة العلمية الراشدة والحكيمة، في وقت برزت فيه حركات سياسية دأبت على استنهاض الشباب والناشئة بشعارات ظاهرها من الدين والحقيقة أنها مشاريع مصلحية وفئوية.ولمواجهة هذه المشكلة ينبغي علينا جميعاً استشعار خطرها، ويجب أن تشترك في تلك المهمة الجهات الإسلامية الرسمية والأهلية، والأفراد بمختلف تخصصاتهم، فالجميع معني بمواجهة التطرف وبذوره، لأننا أمام مشكلة فكرية وسلوكية ذات بعد اجتماعي خطير.وفي تقديرنا نرى ضرورة تقويم مصادر الثقافة الأساسية لدينا وهي التعليم والإعلام، إلى جانب نشر الحملات التوعوية والإرشادية بمختلف الوسائل الممكنة، إضافة إلى تعاون علماء الأمة الإسلامية في هذا السبيل.نحن بحاجة ماسة لنشر القيم في المجتمع، فالقيم هي أساس يُبنى عليه السلوك، وسيكون النجاح حليفنا إذا اتحدت الإرادة والجهود في دولنا ومؤسساتنا.* تعالت صيحات عديدة لمحاربة الإلحاد بعد أن أطل برأسه في السنوات الأخيرة.. كيف يمكن الرد على الإلحاد بطريقة صحيحة؟السبيل إلى ذلك هو الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة كما أخبر الله سبحانه وتعالى، وينبغي أن تكون الجهود منصبة على بناء الدعاة إلى الله بناءً فكرياً وقيمياً صلباً، والدعاة إلى الله ليسوا بالضرورة أن يكونوا من المتخصصين في علوم الشريعة، فيجب أن نبني مجتمعاتنا بناءً قويماً وصلباً بقيم الخير والصلاح، ليكون منبت مجتمعاتنا منبتاً حسناً وصالحاً.ويجب أن يبدأ ذلك عبر مشروع رائد للتنمية البشرية، يقوم على زرع مجموعة من القيم العالية، ولو نظرنا في التاريخ والحاضر نرى كيف أن القيم الصالحة كانت أساساً متيناً لبناء الإنسان الصالح، ويقع عبء كبير على القيمين على التربية والتعليم والإعلام.نحن بحاجة إلى مشروع موازٍ يقوم على تشخيص مشكلاتنا وقضايانا، ومن ثم وضع الخطط اللازمة لتطوير الأنشطة الإسلامية انطلاقاً من تشخيصنا الموضوعي للواقع.الحل ليس في الحروب مع الآخرين والمعادين، وإنما في تقوية الحواضن السليمة في مجتمعاتنا، لتكون درعاً واقية من أي موجات فكرية أو ثقافية أو سلوكية، فالموجات العدائية لن تتوقف.* هل ترون أن الخطاب الديني في حاجة للتجديد؟نعم بالتأكيد، فمن الواضح أن الخطاب الديني اليوم قاصر عن مواجهة التحديات المحدقة بنا، كما أننا نرى أن الأمة الإسلامية باتت تعيش اضطراباً في الفكر، وانتشرت الخرافات والأفكار التافهة، وصار التدليس سهلاً يسيراً من دون خطاب واضح يكشف الزيف، ويحصِّن المجتمع. نحن نعيش واقعاً يعاني من انفصام واضح بين الأصل والتأويل، وبين النظرية والتطبيق، وبين التأصيل والتوظيف.لا بد من إعادة مراجعة للخطاب الديني، تسبقه عملية تشخيص دقيقة وجادة للواقع الإسلامي، ومن ثم العمل على المعالجة، ونعتقد أنه من الضروري جداً أن تشترك المؤسسات الدينية الكبرى في العالم بهذا الهم، وتتحد جهودها في برامج مشتركة علمية وإعلامية وإرشادية يقوم بها نخبة العلماء في أمتنا الإسلامية.* كيف ترون مستقبل الوسطية الإسلامية وسط صعود التيارات المتشددة؟الاستنفار الذي نراه اليوم لمحاربة التشدد والتطرف مؤشر جيد، وأمتنا الإسلامية تتمتع بوجود مؤسسات دينية وسطية رائدة ومحترمة كالأزهر الشريف.سنكون بخير إن شاء الله، ولكن علينا أن نبذل الجهود في هذا السبيل، وسنحقق المرجو بعون الله، فالتطرف في الحقيقة جسد أجوف وفقاعة خالية، لا يستند إلى فكر أصيل، ولا إلى ركن وثيق، ويقول الله تعالى في القرآن الكريم "أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها فاحتمل السيل زبداً رابياً * ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حليةٍ أو متاعٍ زبدٌ مثله * كذلك يضرب الله الحق والباطل * فأما الزبد فيذهب جفاءً * وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض * كذلك يضرب الله الأمثال".* ما رأيكم في التشكيك في صحيح البخاري والتطاول على الصحابة رضوان الله عليهم؟الصحابة الكرام لهم مكانتهم العالية في النفوس، فإذا كان التطاول على المسلمين وهمزهم ولمزهم من المحرمات شرعاً، فكيف يكون حكم التطاول على صحابة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم؟!بالتأكيد لن نقبل بالتطاول على الصحابة رضوان الله عليهم، فهم شخصيات اكتسبت احترامها ومكانتها العالية منذ صدر الإسلام، إذ أنهم رضوان الله عليهم حفظة القرآن الكريم، وحملة الحديث الشريف، وفيهم الشهداء والمجاهدون والمهاجرون والأنصار، وفيهم نرى حركة انتشار ديننا الحنيف، والتطاول عليهم مدعاة للفرقة والباطل وإثارة الناس، وهو سبيل المفلسين ممن لا حظ لهم في العلم ولا في الأخلاق، فالاحترام قيمة أخلاقية إنسانية عالية يفقدها من لا يتحلى بها.وأما عن الإمام البخاري رحمه الله فهو من أئمة المسلمين، ومن حملة الحديث الشريف، وبذل جهداً جباراً في جمع الحديث وتصحيحه، وتحمَّل كثيراً من الصعاب في سبيل هدفه، فله كل التقدير والاحترام، واشتهر لدى العلماء تصحيح كتابه وتوثيقه، وأما إلقاء الشبهات والتشكيكات على العامة في التخصصات الدقيقة فهو سلوك رخيص وبعيد عن الأسلوب العلمي الرصين.* ما رأيكم في المؤتمر العام للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية الأخير المنعقد في القاهرة بعنوان "عظمة الإسلام وأخطاء بعض المنتسبين إليه.. طريق التصحيح"؟كان ملتقى إسلامياً جاداً، ومؤتمراً ثرياً جداً، احتوى على بحوث قيمة، وشارك فيه نخبة من العلماء والمفكرين، واهتم بتصحيح مجموعة من المفاهيم، وخرج بتوصيات علمية وعملية غير تقليدية، وأسس لمرحلة جديدة وواعدة من التعاون الإسلامي، وكان فرصة للتلاقي والتشاور مع الوفود الشقيقة والصديقة من مختلف البلدان، وكان من دواعي السرور أن نشارك في المؤتمر.* ما دور المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في البحرين؟المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في البحرين يمثل نموذجاً في العالم الإسلامي، وهو يضم في عضويته علماء من الطائفتين السنية والجعفرية بالتساوي، لبحث الخطط والبرامج الإسلامية العامة في البلاد، وهو يحكي صورة البحرين الحقيقية، ويعكس روح التعاون والمصير الواحد لدى علماء البحرين وأبنائها.واستطاع المجلس بدعم وتوجيه من القيادة الرشيدة وبمقدمتها حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى، أن يضطلع بدور مهم على المستوى المحلي والدولي أيضاً.المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية هو الجهة الرسمية المعنية بوضع البرامج والخطط اللازمة لتطوير الأنشطة الإسلامية المتعلقة بالشأن العام في البحرين، بما يتفق وروح العصر، مع الحفاظ على التراث الإسلامي العريق، واستقلالية النشاط الأهلي وخصوصيته.ويعمل المجلس على تدعيم وحدة الصف بين المسلمين، وحفظ القيم والتقاليد الإسلامية السمحاء وترسيخها، وإبراز روح الإسلام السمحة، وتفرده بالوسطية والاعتدال.ولتحقيق هذه الرؤية العامة يسعى المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية إلى التقريب بين المذاهب الإسلامية وتعزيز الوحدة بين المسلمين، وإعمار الجوامع، وإعداد البحوث والدراسات الإسلامية، وإصدار المؤلفات الإسلامية وتبني طباعتها، وتحقيق أمهات الكتب، والمشاركة في المؤتمرات والندوات وتنظيمها.ويبدي المجلس ملاحظاته وآرائه واقتراحاته بشأن ما يبث في وسائل الإعلام، وبشأن خطط وبرامج الاستثمار لإدارتي الأوقاف السنية والجعفرية، ويبدي رأيه في المناهج الدراسية، وطلبات الترخيص للجمعيات والمراكز والمؤسسات والهيئات الإسلامية بالتنسيق مع الجهات المختصة.ويقدم المجلس مرئيات في القضايا المتعلقة بالشؤون الإسلامية والأنظمة واللوائح الناظمة للعمل في الأمور ذات الصلة باختصاصاته، ودراسة ما يحال عليه من السلطة التشريعية من مشاريع بقانون واقتراحات، أو غيرها من الجهات الرسمية والأهلية، ويتولى أعمال الرقابة على الكتب الدينية والإصدارات الإسلامية للتأكد من انسجامها مع مبادئ الشريعة وعدم مساسها بالوحدة الإسلامية، ويقدم الدعم لطلاب العلوم الشرعية.وتحظى كثير من برامج المجلس ونشاطاته بدعم ورعاية مباشرين من لدن جلالة الملك المفدى، ومن أهم تلك المشروعات تدشين مصحف البحرين، وتنظيم ورعاية المسابقات الكبرى المحلية والعالمية المعنية بالقرآن الكريم، مثل مسابقة البحرين الكبرى السنوية لحفظ القرآن الكريم وتجويده وتفسيره المقامة سنوياً منذ عام 1996، ومسابقة البحرين العالمية لتلاوة القرآن الكريم عبر الإنترنت "القارئ العالمي"، واختتمت أولى نسخها ديسمبر الماضي، فيما شارك المجلس في تنظيم مؤتمر حوار الحضارات وحقق نجاحاً لافتاً على المستوى العالمي.ومن أهم أدوار المجلس صلاته مع كبرى المؤسسات والجهات الإسلامية في العالم الإسلامية، كعلاقته مع الأزهر الشريف، والمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في مصر، والهيئة العالمية لتحفيظ القرآن الكريم التابعة لرابطة العالم الإسلامي، وغيرها من الجهات والمنظمات.* هل هناك تنسيق بين المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في البحرين ونظيره بمصر؟ وما طبيعة هذا التعاون؟نحن على تواصل دائم مع الجهات ذات العلاقة بمصر كالأزهر الشريف ووزارة الأوقاف والمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، وتربطنا بتلك الجهات علاقات تاريخية وثيقة، وكلا الطرفين على اطلاع ومتابعة لأنشطة الطرف الآخر، ونحرص على مشاركة تلك الجهات في مؤتمراتها وبرامجها، وهي بالمقابل تحرص على مشاركتنا في مؤتمراتنا وبرامجنا، ونحن من المشاركين المعتادين في المؤتمرات العامة للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية في مصر.وعموماً، علاقات البحرين بمصر وثيقة في جميع المجالات، ومنها المجالات الدينية، فمنذ سنوات طويلة والبحرين تبتعث كثيرين من طلبتها لدراسة العلوم الشرعية في مصر، إضافة إلى التعاون المشترك فيما يتعلق بمناهج التربية الإسلامية وإعداد المعلمين، وكان لعلماء مصر دور كبير في مراجعة مصحف البحرين قبل تدشينه، كما أن الوفود المصرية تحرص على مشاركتنا في برامجنا، والزيارات المتبادلة كثيرة ومتواصلة.