سكاي نيوز عربية
بعد مسيرة طالت عقداً كاملاً من التحقيق والمحاكمات والمداولات القضائية، حسمت المحكمة السادسة عشرة لمدينة إسطنبول التُركية "قضية نادي فنربخشه" لكرة القدم وأدانت رئيس قسم الجريمة المُنظمة في جاهز شرطة أكبر مُدن البلاد "نظمي أرديك" وحكمت عليه بالسجن لمُدة 2170 عاماً، لتورطه بتزوير وثائق رسمية والتآمر ضد النادي، حسب وثيقة الحُكم الرسمية التي صدرت عن المحكمة.

إلى جانب أرديك، أدانت المحكمة رئيس مجموعة سامانيولو الإعلامية هدايت كارجا، وحكمته بالسجن لـ 1407 سنوات، لتورطه في نفس القضية، عبر ما أسماه القضاء التركي "التحريض والتنصت على المكالمات الهاتفية وقتئذ"، إلى جانب المشاركة في تزوير الوثائق.

وإلى جانب الشخصيتين الرئيسيتين، فأن المحكمة حكمت 25 متهماً آخر في نفس القضية، من بينهم ضابط شرطة آخر هو لقمان بانيك، حُكم بالسجن لمدة 161 عاماً بتهم "مساعدة منظمة إرهابية مسلحة" و"التشهير" و"تزوير وثائق رسمية".

بدأت "قضية نادي فنربخشه" الرياضي التركي الشهير في العام 2011، حينما اتهم الادعاء العام التركي في مدينة إسطنبول المُدراء التنفيذيين في النادي بالتلاعب بنتائج مباريات الدوري التركي لكرة القدم، لصالح شبكات من رجال الأعمال والمضاربين الرياضيين.

وبعد قرابة سنة من المحاكمات وقتئذ، ثبتت المحكمة الإدارية التركية التُهمة على النادي، وحكمت على رئيس النادي السابق عزيز يلدريم بالسجن 6 سنوات، لإدانته بالمساهمة في التلاعب بنتائج المباريات وتشكيل منظمة غير مشروعة، وحُرم النادي من المشاركة في المسابقات الأوربية لمدة موسمين كاملين. قضى يلدريم عاماً في السجن، لكنه لم يقر بارتكابه لأية مخالفة.

تغير كُل شيء بعد حدوث الانقلاب العسكري "الفاشل" في صيف العام 2016، والذي اُتهم فيه الداعية التركي المُقيم في الولايات المُتحدة فتح الله غولن.

بعد حدوث انشقاق سياسي بين حركة فتح الله غولن وحزب العدالة والتنمية عقب الانقلاب، عادت الهيئات الإدارية في النادي للقول والترويج بأن النادي كان ضحية "مؤامرة" قضائية وأمني ومالية، يقودها أعضاء في تنظيم غولن، الذين كانوا منخرطين في كافة مناح المؤسسات الحاكمة في البلاد. فالنادي كان يتهم تنظيم غولن بمعادة النادي، لعدم قُدرته على السيطرة عليه، مثل الكثير من النوادي الرياضية التركية الأخرى، خصوصاً وأن النادي من أكثر أندية البلاد شعبية، وحاصل على بطولة الدوري العام لتسعة عشر مرة.

بعد حدوث الانقلاب العسكري بشهور قليلة، عاد المدعي العام في مدينة إسطنبول فتح ملف قضية نادي فنربخشه، وقدم لائحة اتهام واسعة لمجموعة من الذين اسماه بـ"مؤامرة تلويث سمعة نادي فنربخشه والإطاحة بمسؤوليه التنفيذيين"، وبدأت السلطات الأمنية والقضائية التركية جولات طويلة من التحقيقات التفصيلية.

بعد 5 سنوات توصلت المحكمة إلى قراراتها المُبرمة، وحكمت على المتورطين بأحكام ربما تكون الأقسى في قانون العقوبات التركي، وبالمقابل برأت رئيس النادي السابق عزيز يلدريم، الذي قال في تصريحات إعلامية عقب صدور الحُكم: "لقد تسببوا في ضرر كبير، سواء في الرياضة أو السياسة، من خلال إصابة الدولة من أجل إعادة تصميم البلاد لتحقيق أهدافهم الشائنة. لست متأكدًا مما إذا كنا قد تعلمنا دروساً كافية مما حدث في تركيا".

الكاتب الرياضي التركي أورهان يافوجو علق في محادثة مع سكاي نيوز عربية على ما جرى قائلاً: "حقيقة لا يعرف الرأي العام التركي الحقيقة بتاتاً، إذ ثمة ما يشبه عالم العصابات التي تنتقم من بعضها، مدراء رياضيون تنفيذيون ورجال أعمال وكِبار ضباط الشرطة وقضاة وسياسيين ومؤسسات مدنية، لا يعرف أحد حدود القانون والسلطات فيما بينها. فهذه المجموعة من الفاعلين في العالم الرياضي التركي مُتداخلون تماماً، يتصارعون منذ عقود كثيرة على موضوعين أثنين: المال والشعبية، وحيث أن كل واحد منهما يُنتج الآخر".

لكن الباحث السياسي التركي في موقع الباحة أصلان زكي أوغلو رد الأمر إلى المنبت السياسي الذي تأتت منه: "كرة القدم والقضاء وضباط الشرطة مجرد تفاصيل ومنفذين، أما الجوهر هو الصراع السياسي الذي ينتج كل ذلك. فلو لم يقم الانقلاب السياسي لكان المدانون هُم المُدراء التنفيذيون للنادي. أما بعد حدوثه، فأن مجموعة سامانيولو الإعلامية تم إغلاقها، لخطابها المعارض للحزب الحاكم، وتالياً تمت إعادة فتح الملفات التي كانت تخص هذه المجموعة، بما في ذلك قضية نادي فنربخشه الرياضي، بالرغم من مرور سنوات على مجريات المحكمة".

تعد مدينة إسطنبول، التي يبلغ تعداد سكانها قُرابة 20 مليون نسمة، العاصمة الرياضية لتركيا، وتشهد ساحتها الرياضية منافسة شديدة بين الأندية الأربعة الأكبر والأشهر في البلاد، غالطة سراي وفنربخشه وبشكتاش وبشاك شهير، وبالذات في لعبة كُرة القدم.

فالأندية الأربعة لها روابط مع القوى السياسية ويتلقون تشجيعاً من طبقات سياسية واجتماعية ومناطقية بذاتها، ضمن المدينة في كامل تُركيا.

ولأجل ذلك فأن منافساتهم الرياضية تكون في أغلب الأحيان استعارة عن الصراعات الهوياتية والسياسية والحزبية في البلاد، وتحرص القوى السياسية عن طريق رجال أعمالها للسيطرة على روابط المشجعين في هذه الأندية، لأنها من الجهات الأكثر تأثيراً على القواعد الاجتماعية التركية.