تقود امة الكهرباء في لبنان البلاد إلى شبح العزلة عن العالم بفعل انقطاع خدمات الإنترنت لضعف الشبكات بسبب نقص الوقود والمخصصات.

وكاد لبنان أن يدخل بالفعل في أزمة جديدة متمثلة بانقطاع الإنترنت المرتبطة بأزمة الكهرباء والمتعلقة بدورها بالأزمة المالية، ما أثار موجة غضب في أوساط اللبنانيين، قبل أن يتم التوصل إلى حل مؤقت على غرار كل الحلول التي يتم العمل عليها في البلاد في هذه المرحلة.

وأول من حذّر من الأزمة كان عماد كريدية، المدير العام لهيئة اوجيرو لشركة الاتصالات التابعة للدولة اللبنانية والتي تؤمن المصدر الرئيسي للإنترنت في تغريدة له عبر تويتر بالقول: "إن الارتفاع المستمر بساعات التقنين الكهربائي يتسبب بضغط كبير على مجموعات توليد الطاقة التابعة لهيئة أوجيرو وزيادة الطلب على المحروقات التي باتت نادرة هي أيضا".

أضاف: "استمرار الوضع بهذا الشكل يهدد جديا إمكانية اوجيرو بتقديم الخدمات. اللهم إني بلغت، اللهم فاشهد."، ليعود بعدها كريدية ويوضح في حديث تلفزيوني أن "انقطاع الإنترنت أصبح جدياً والهدف من تغريدته إطلاق آخر جرس إنذار".

هذا الإنذار مع ما يترافق من إنذارات متلاحقة من خطر دخول لبنان في العتمة نتيجة عدم توفر المخصصات المالية اللازمة للكهرباء والتقنين المستمر في التيار، أدى إلى العمل على حل مؤقت تمثل بتوقيع الرئيس اللبناني ميشال عون على قرض استثنائي ما يصل إلى 300 مليار ليرة (200 مليون دولار) لشركة الكهرباء التابعة للدولة حتى تستورد الوقود اللازم للتوليد قبل نفاد الإمدادات، وبالتالي إنقاذ مؤقت للكهرباء كما الانترنت.

وعلى الأثر، أرسل وزير المالية في حكومة تصريف الأعمال غازي وزني كتابا إلى حاكم مصرف لبنان رياض سلامة حول تبلغه الموافقة الاستثنائية لتغطية سلفة الخزينة للكهرباء بالعملة الأجنبية لزوم مؤسسة كهرباء لبنان لشراء المحروقات كما ترأس رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب اجتماعا وزاريا لبحث الأزمة.

وبعد الاجتماع قال وزير الطاقة ريمون غجر: "أن سلفة المئتي مليون دولار، تتطلب يومين أو ثلاثة كي تفتح الاعتمادات بشأنها وتدخل بواخر الفيول وبالتالي نعود لرفع تغذية الكهرباء إلى طبيعتها تدريجيا، بشكل نستطيع من خلاله استخدام هذه السلفة لأطول مدة ممكنة إلى الصيف ريثما نجد حلولا أخرى، ومن ضمنها استيراد الفيول من دولة العراق بأسعار جيدة وبدفع مؤجل أو من خلال تأليف حكومة جديدة".

وأوضح أن "هناك اتفاق مع العراق بتزويدنا بـ500 ألف طن من الفيول الثقيل الذي سيستبدل بالفيول الذي نحتاجه في معاملنا، ولكن هناك موضوع تقني مالي وهو طريقة الدفع من خلال فتح حساب في البنك المركزي اللبناني لصالح البنك المركزي العراقي، وهذه إجراءات تقنية ليست من ضمن اختصاص وزارة الطاقة بل من اختصاص وزارة المالية والبنك المركزي في الدولتين، وعند إنجاز هذه الإجراءات يمكننا استيراد الفيول العراقي في وقت قريب".

من جهته عاد وطمأن وزير الاتصالات في حكومة تصريف الأعمال طلال حواط مؤكدا أنه "رغم الأزمة التي يمر فيها لبنان، إلا أن قطاع الاتصالات لن ينقطع طالما أن مصرف لبنان يؤمن الاعتمادات اللازمة لشراء الفيول".

وقال كما نقلت عنه "الوكالة الوطنية للإعلام": "طبعا إذا لم تتوافر مادة "الفيول" سيتوقف الإنترنت، ولسنا حاليا في هذه المرحلة، إذ أن وزير الطاقة يؤمن الكمية المطلوبة لتسيير عمل كل الشبكات الأرضية والخلوية، علما إننا اليوم في حاجة الى ثلاثة أضعاف الكمية التي كنا نستخدمها سابقا (من 25 ألف طن يوميا إلى 70 ألفا) بسبب انقطاع الكهرباء".

ولفت حواط إلى أن "وزارة الاتصالات تؤمن مولدات للشبكة من أجل حالات الطوارئ وليس للاستخدام المتواصل، وتغطي حوالي 8 ساعات، إلا أنها تعمل حاليا بين 20 و21 ساعة يوميا، إضافة إلى الأعطال الطارئة التي يتم تصليحها".

وأوضح أن "الوزارة تؤمن مولدا واحدا للطوارئ لكل محطة، إذ أن الموازنة لا تسمح بأكثر من ذلك، وقامت "اوجيرو" بمناقصة لاستبدال المولدات القديمة بأخرى جديدة ووضع مولدات إضافية لدعم الاحتياط لتأمين الشبكة وعدم انقطاع الاتصالات".

وعن الصيانة قال: "في الحكومات السابقة كانت الموازنات لتشغيل وصيانة الشبكة الأرضية أي هيئة اوجيرو نحو 190 مليار ليرة لبنانية، ومع تسلمنا لمهامنا في 2020 أعطينا 48 مليار ليرة لبنانية من الموازنة التي أقرتها الحكومة السابقة لصيانة الشبكة، وهذا الرقم طبعا قليل جدا، ومع ارتفاع سعر صرف الدولار اصبح الامر أصعب لتأمين الخدمات من قبل هيئة "اوجيرو".

أضاف، هذا ما نعمل عليه مع رئيس الحكومة المستقيلة حسان دياب ووزير المال لإضافة مبلغ 30 مليار ليرة على 48 مليار ليرة كي نستطيع أن نسدد الالتزامات حتى آخر 2021، وبالتالي إكمال عمل الصيانة إذ أنه في حال لم يتوفر المال اللازم من الممكن أن تقل الخدمات".

ويعاني لبنان أزمة مالية شديدة بسبب ديون ثقيلة تراكمت عليه منذ انتهاء الحرب الأهلية التي استمرت بين عامي 1975 و1990، مما جعل البلاد تواجه صعوبات لتوفير ما يكفي من العملة الصعبة لتغطية نفقات الوقود وغيره من الواردات الأساسية.

وتأتي موافقة الرئيس عون على سلفة الكهرباء بعد اجتماع في الأسبوع الماضي بين رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب وكبار صناع السياسة الاقتصادية لتذليل العقبات التي أخرت صرف الأموال حسبما ورد في ىالبيان.

واعتاد اللبنانيون منذ وقت طويل التكيف مع انقطاع الكهرباء بانتظام لساعات قليلة يوميا في العاصمة بيروت ولفترة أطول بكثير في مناطق أخرى حيث لا تقدر محطات توليد الكهرباء الحكومية على تلبية الطلب. ويعتمد الكثيرون على مولدات الكهرباء الخاصة.

وعادة ما يحتفظ لبنان بمخزونات وقود تكفي حوالي شهرين لأن الاحتفاظ بمخزونات إستراتيجية لفترة أطول مكلف للغاية.

وأثار الانهيار الاقتصادي الاضطرابات وحال بين المودعين وودائعهم في البنوك وأضر كثيرا بالعملة التي فقدت حوالي 90 بالمئة من قيمتها مقابل الدولار.

وتقرر حساب سعر الصرف لقرض شراء الوقود بالسعر الرسمي، وهو 1500 ليرة أمام الدولار، لكن سعر الليرة في السوق غير الرسمية هبط إلى حوالي 13 ألفا أمام الدولار منذ اندلاع الأزمة أواخر عام 2019.