الدولة الخليفية قامت بتحديثات على النظام الإداري بحسب مقتضيات كل مرحلة

- النتائج خير دليل على نجاح سياسة حكم آل خليفة الكرام لشبه جزيرة قطر

- حكام آل خليفة الكرام أنشؤوا المزيد من التحصينات والقلاع لحماية الاستقرار

محرر الشؤون المحلية


أكد مؤرخون، أن «نجاح سياسة حكم الدولة الخليفية لشبه جزيرة قطر تمثل في الارتقاء بجميع القطاعات»، موضحين أن «الدولة الخليفية قامت بتحديثات على النظام الإداري بحسب مقتضيات كل مرحلة».

وقالوا إن «الانفتاح المذهبي الذي انتهجته الدولة ساهم في أن تكون الزبارة عامل جذب لسكان المنطقة للهجرة والاستقرار فيها ومن بينهم أهالي جزر البحرين».

وأشار الطبيب والمؤرخ الدكتور محمد جوهر، إلى أن السيادة الخليفية منذ القرن الثامن عشر، ساهمت في الامتداد العمراني والجغرافي والاقتصادي للدولة البحرينية، فازدهرت حركة التجارة والمسافرين، نظراً للاستقرار السياسي الذي حظيت به شبه جزيرة قطر في ظل حكم الدولة الخليفية.

وأشار إلى أن الاعتداءات المتكررة والتي أثبتتها الوثائق والمراجع التاريخية، خير دليل على الأطماع المستمرة في النيل من هذا الاستقرار، ولكن الأهمية الاستراتيجية للزبارة وما حولها، دفعت حكام الدولة الخليفية إلى إنشاء المزيد من التحصينات والقلاع لحماية هذا الاستقرار، والحفاظ على رعاياهم في تلك الفترة، والذين استقر لهم الأمر، وعاشوا بسلام وهدوء، واستقرار اجتماعي واقتصادي.

وقال جوهر: «كانت تلك النتائج خير دليل على نجاح سياسة حكم آل خليفة الكرام لشبه جزيرة قطر، بل وإن إجراءات الحماية والتحصين ضد الاعتداءات المتكررة، كانت لحماية الرعايا ومكتسباتهم، ورغبة في المزيد من التطور الحضاري والعمراني وعلى كافة الأصعدة، وكانت القلاع التاريخية التي أقيمت في مواقع استراتيجية كقلعة البدع، دليلاً دامغاً على قوة واستقرار الحكم، ومدى أهمية الزبارة التي كانت حاضنة خصبة للنهضة الحضارية».

من جانب آخر، أوضح المؤرخ راشد الجاسم رئيس البحوث في مركز الوثائق التاريخية، أنه منذ تأسيس الدولة الخليفية في الزبارة العام 1762م على يد الشيخ محمد بن خليفة الكبير، قام حكام الدولة بالارتقاء بالدولة في مختلف القطاعات، حيث يعد نظام الإمارة الإداري أحد أهم مرتكزات نظام إدارة الدولة التي انتهجها حكام الدولة الخليفية.

وقال «إن المتتبع تاريخياً لتأسيس الدولة يجدها مرت بمراحل، كانت بدايتها تأسيس الدولة في الزبارة وما تبعها من إنشاء قلعة صبحا العام 1768م، وتبعها تسوير الزبارة، وتحرير التجارة، وسياسة تعيين القضاة الشرعيين، مع إضفاء خصوصية للقضاء القبلي»، لافتاً إلى النظام الذي اتبعه الحاكم آنذاك بأن كل زعيم قبيلة مسؤول عن قبيلته وأمر الجميع يعود لحاكم البلاد.

وأكد الجاسم، أن هذه الأريحية في الحكم وتعزيز دور زعماء القبائل كان الرافد الأكبر في مبايعات القبائل في شبه جزيرة قطر لحكام الدولة الخليفية، وقد توسع هذا الأمر على كافة أنحاء الدولة لتشمل كامل شبه جزيرة قطر قبل فتح جزر البحرين العام 1783م.

ولفت إلى جانب آخر في تاريخ حكم الدولة الخليفية، حين ساهم الانفتاح الفكري والمذهبي الذي انتهجته الدولة وانعكس على الحركة العلمية وسياسة استقطاب التجار والأسر الحرفية بمختلف الأصول والمذاهب، بأن تكون الزبارة عامل جذب لسكان المنطقة للهجرة والاستقرار فيها ومن بينهم أهالي جزر البحرين الذين أرسلوا المكاتيب لآل خليفة يؤيدونهم في فتح الجزر كما ورد في المراجع التاريخية كالنبهاني والتاجر وغيرهم.

وأضاف الجاسم: «أما بعد التوسع الجغرافي الكبير الذي حدث للدولة الخليفية بعد فتح جزر البحرين، فقد أسس الشيخ أحمد بن محمد آل خليفة نظام الإمارة الإداري، حيث قام بتنصيب ممثل من قبله يطلق عليه لقب «أمير»، وجعل مقره قلعة الديوان في المنامة بجزر البحرين، وبجانب ذلك عين الشيخ أحمد الفاتح قاضيين على جزر البحرين، أحدهما من أهل السنة والجماعة والثاني على مذهب الإمام جعفر الصادق.

وأوضح المؤرخ، أن هذا الأمر يؤكد إيمانه بالتعددية وانفتاحه المذهبي، وبعد أن رتب شؤون جزر البحرين عاد إلى الزبارة باعتبارها قصبة حكمه وعاصمة الدولة.

وحول عهد الشيخ سلمان بن أحمد الفاتح، أشار الجاسم إلى ما طرأ من تحديثات على نظام الإمارة الإداري، حيث حول العاصمة من الزبارة إلى جزر البحرين وتحديداً الرفاع التي أصبحت قصبة حكمه، فأصبحت الرفاع مقراً للقوات البرية، فيما باتت المحرق مقراً للقوات البحرية، وبجانب ذلك قام بتعيين أميراً من قبله على شبه جزيرة قطر وجعل الحويلة مقراً لإمارته.

وأكد الجاسم، أن هذا الأمر يبين بجلاء أن حكام الدولة الخليفة يقومون بتحديثات على النظام الإداري بحسب مقتضيات كل مرحلة.

وأوضح، أن «الشيخ سلمان بن أحمد الفاتح أدرك أن الأمن ينقسم لدوائر، الأولى هي تعزيز المقدرات العسكرية والأمنية، بوجود ممثل من قبله على الساحل الشرقي وتحديداً في الحويلة، وقلعة صبحا في الزبارة، والقوات البرية في قلعته بالرفاع، والقوات البحرية في قلعة أبو ماهر في المحرق. والدائرة الثانية تتمثل في تعزيز علاقات الدولة مع المحيط الإقليمي والدولي بتوقيع معاهدة السلم العامة عام 1820م».

وقال الجاسم: «مع تحول عاصمة الدولة الخليفية من الرفاع إلى المحرق، اعتنى حكام الدولة بتعمير الساحل الشرقي لشبه جزيرة قطر، وتحديداً منطقتي الدوحة والوكرة والتي أصبحت مقراً للأمراء وممثلي حكام الدولة الخليفة في شبه جزيرة قطر، فكان للأمراء أدوار مهمة.

وعدّد تلك الأدوار في بسط الأمن، والحفاظ على النظام العام، وتطبيق القوانين والتعليمات الصادرة من الحاكم في جزر البحرين، وكتابة التقارير ذات الطابع الأمني والاستخباراتي وحتى العسكري بشكل دوري، وإرسالها إلى الحاكم في جزر البحرين، والقبض على المجرمين وإرسالهم إلى جزر البحرين للمحاكمة، والمشاركة في صد العدوان الخارجي، وتوزيع التموينات الغذائية، وتنفيذ الاتفاقيات الدولية التي أبرمتها الحاكم في الإقليم الذي يشرف عليه، ومنها اتفاقية السلم البحري العام 1820م، وأخيراً حماية القوافل التجارية ومراكب صيد اللؤلؤ.

وفي ذات السياق، أشار المؤرخ عبدالناصر الصديقي إلى فترة تولي الشيخ أحمد بن محمد آل خليفة مقاليد الحكم في الفترة من 1782 إلى 1795م، وقيامه بفتح جزر البحرين العام 1783م، وتوحيد شبه جزيرة قطر وجزر البحرين لتصبح الزبارة العاصمة التاريخية للدولة البحرينية الحديثة.

وقال «إنه عندما استتبت الأمور، نظم شؤون الجزر وعين عليها علي بن فارس ممثلاً من قبله، وجعل قلعة الديوان مقراً لإمارته، ليعود فيما بعد إلى الزبارة، بعد أن تولى الشيخ سلمان بن أحمد مقاليد الحكم، وبعد وفاة والده الشيخ أحمد الفاتح.

وأوضح الصديقي أن الشيخ سلمان بن أحمد أل خليفة تمكن من الحفاظ على سيادة الدولة على جزر البحرين وشبه جزيرة قطر على الرغم من الأطماع الإقليمية طيلة فترة حكمه الممتد بين عامي 1795- 1821م، لافتاً إلى أن الشيخ أحمد كان ورعاً تقياً أحبته الرعية ودانت له القبائل، لما تمتع به من حكمة سياسية، خاصة وأنه تولى الحكم وهو في الستين من عمره، وبعد أن أكسبته التجارب سياسة حكيمة، وقد نجح في توطيد العلاقات مع بريطانيا حيث انضم لمعاهدة السلام العامة عام 1820.

ولفت إلى ما شهدته الزبارة من نهضة علمية وثقافية شاملة تحت سيادة الدولة الخليفية، حتى أصبحت الزبارة مركز إشعاع فكري وحضاري يقوم على ثوابت وقيم التسامح والانفتاح الديني والمذهبي والفكري، مما جعلها قبلة تستقطب العلماء من كافة أرجاء المنطقة ومن مختلف تخصصات العلوم كالأدب والشعر والفلك والشريعة والفرائض وعلم المواقيت والحساب، لتصبح الزبارة مركز إشعاع فكري وثقافي للدارسين والعلماء.

وقال الصديقي «إن الزبارة في عصر الدولة الخليفية توافد إليها العلماء من الإحساء ونجد والحجاز والزبير والبصرة وغيرها من الأمصار، حيث حرصت الدولة الخليفية على أن تكون الزبارة منارة علم يسعى إليها العلماء لتبادل العلوم والأفكار».

وأضاف، أنه مع وجود قاعدة علمية كبيرة من العلماء من مختلف العلوم والأمصار، قامت الدولة الخليفية بتأسيس المدارس لتوفير بيئة علمية تصبح مصدر إشعاع بالمنطقة.

وأشار إلى أن الشيخ محمد بن خليفة كان يتمتع بالذكاء والحكمة، وذلك حين جعل أخاه الشيخ علي بن خليفة رئيساً لشؤون الحرب البرية والبحرية.

ويضيف: بأن الشيخ محمد بن خليفة قام بتعيين ابن عمه الشيخ أحمد بن محمد آل خليفة اميراً على شبه جزيرة قطر وجعل البدع مقراً لإمارته يعكس رؤيته الحكيمة في الارتقاء بمدن الساحل الشرقي في شبه جزيرة قطر كما قام اسلافه بتعمير الساحل الغربي.